إذا كنا فعلا من حماة الدستور وقيمه فعلينا أن ندعم الجهود المعززة لمدنية المجلس.. بوجهة نظر عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب مارس 14, 2018, 11:43 م 862 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- هوية المجلس... من دينية إلى مدنية
د. عبد اللطيف بن نخي
هناك العديد من الشواهد على أن هوية المجلس المبطل الأول كانت دينية، على حساب الحقوق والحريات الدستورية. وقد يكون إقرار قانون إعدام المسيء - بغالبية ساحقة - أحد أبرز الشواهد، خصوصاً أنه أعطي أولوية قصوى، فاقت أولوية إقرار قوانين لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في مؤسسات الدولة، ولاسيما البرلمان.
وهنا لا بد من الاشارة إلى جزئيتين: الأولى، أن قضايا الفساد المالي كانت هي الدافع الأقوى في تحريك الجماهير التي طالبت بحل المجلس الذي سبقه، مجلس 2009. والثانية، أن أعضاء في كتلة العمل الشعبي - المشهورة بهويتها الدستورية الوطنية - صوتوا لمصلحة «القانون القمعي الطائفي».
هناك العديد من الشواهد الأخرى على أن هوية ذلك المجلس كانت دينية، ومن بينها أن 16 نائبا أضافوا آيات قرآنية وأحاديث نبوية، في قسمهم بالجلسة الافتتاحية، على نص القسم الدستوري. والشاهد الآخر كان في التصريحات المتكررة في شأن أسلمة القوانين، وكان من بينها التصريح الذي جاء فيه أن «أسلمة القوانين أصبحت الآن جزءا من القوانين الكويتية، وهي قوانين اسلامية تحتاج إلى خريجي الشريعة». كما أن خلال تلك الفترة، تضاعفت جهود النواب الإسلاميين في التضييق على الحسينيات والحريات الدينية. وعلى الجانب الآخر، نجحوا في إلغاء العديد من الحفلات الغنائية والموسيقية.
للمرة الأولى في الحياة البرلمانية الكويتية، صدر مرسوم أميري يؤجل انعقاد اجتماعات مجلس الأمة لمدة شهر، وفقا للمادة 106 من الدستور، بغرض تهدئة النفوس وإصلاح الممارسة البرلمانية. وبعد ذلك بيومين، حكمت المحكمة الدستورية ببطلان حل مجلس 2009، وتباعاً ألغي مجلس فبراير 2012.
امتنع معظم أعضاء أغلبية المجلس المبطل الأول عن الترشيح لعضوية المجلس المبطل الثاني ومجلس 2013، على خلفية اعتراضهم على مرسوم تعديل قانون الانتخاب المعروف بمرسوم الصوت الواحد. ولكنهم عادوا وشاركوا في انتخابات مجلس 2016، ونجح عدد منهم.
ولكن بعد عودتهم، تبين لهم أن المجلس الحالي ليس كالمبطل الأول، لأنه يتميز بإصرار بعض أعضائه على استرجاع الهوية المدنية للمجلس، حيث اجتهدوا منذ اليوم الأول في منع تشكيل لجنة الظواهر السلبية. ورغم فشلهم في ذلك، إلا أنهم نجحوا في اختراقه بعضوين مناصرين للحريات. وتمكن هذان العضوان من فرض رقابة داخلية على أنشطتها، فضلا عن تدقيق مشاريعها وإصلاح أهدافها وتقويم مفاهيمها. فلا يخفى على أحد، أن اللجنة دخلت في عصف ذهني حول تعريف الظواهر السلبية وتحديد مظاهرها.
ورغم أن جهود التطوير الذاتي للجنة قوبلت بمعارضة شديدة من داخل اللجنة ومن خارجها، من شيعة ومن سنة، من حضر ومن بدو، بنوايا حسنة وبدوافع سيئة، إلا أنها انتهت برفض إعادة تشكيلها في دور الانعقاد التالي الحالي. وبذلك نجح المجلس في إزالة أحد أبرز مظاهر الهوية الدينية.
هناك أيضا أنشطة برلمانية أخرى ذات مردود معزز للهوية المدنية، أذكر منها على سبيل المثال الاقتراح بقانون الذي يبسط رقابة القضاء الإداري على القرارات الصادرة في شأن تراخيص دور العبادة، وهو اقتراح متوافق مع الدستور وبالأخص المادة 35 التي تلزم الدولة «بحماية» حرية القيام بشعائر الأديان. والمثال الآخر هو الاقتراح بقانون الذي يلغي البند (5) من المادة (4) من قانون الجنسية الكويتية، لأنه يميز بين الناس وفق الدين، فيحرم «غير المسلمين» من الحصول على الجنسية الكويتية بالتجنس مهما قدموا من خدمات جليلة للبلاد.
وفي حدث حديث، لم ينجح عدد من النواب الإسلاميين في إلغاء حفل «قرع جرس المساواة» في البورصة، حيث أقيم الحفل ولكن بجرس إلكتروني. والسبب وراء فشلهم كان عدد من النواب الرعاة للحريات، الذين حذروا الحكومة من تبعات سياسية إن ألغت الحفل.
المواجهة بين هويتي المجلس - المدنية والدينية - ليست مجرد «هوشة» شكلية. بل هي صراع بين قوى تنشد ترسيخ ثوابت الدولة المدنية وتعزيز القيم الدستورية، وبين قوى ترفض الدستور، بحجة أنه وضعي بشري، وتؤمن بأن مفهومها للدين هو المصدر الرئيسي للتشريع، وتباعاً ممارساتها البرلمانية مبنية على التمييز في حقوق وواجبات المواطنين وفق معتقداتهم.
إذا كنا فعلا من حماة الدستور وقيمه، فعلينا أن ندعم الجهود المعززة لمدنية المجلس، لا أن نشوهها أو نشكك في نوايا أصحابها... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات