أوباما: لقد آن أوان الجد في العمل العالمي لإصلاح الاقتصاد
الاقتصاد الآن'إن على قادة مجموعة العشرين الاقتصادية الإمساك بزمام الأمور'
مارس 25, 2009, منتصف الليل 515 مشاهدات 0
باراك أوباما: أوان العمل العالمي
نحن نعيش في عصر التحديات الاقتصادية التي لا يمكن التصدي لها ومعالجتها بأنصاف الحلول أو بالجهود المستقلة المنعزلة لأي دولة من الدول. فالآن تقع على كاهل قادة مجموعة العشرين الاقتصادية مسؤولية الإمساك بزمام الأمور والعمل الشامل المنسّق الذي لا يؤدي إلى بعث الانتعاش وحسب، وإنما يبدأ أيضا انطلاقة عهد جديد من المشاركة الاقتصادية الناشطة للحيلولة دون تكرار أزمة كهذه ومنع حدوثها إطلاقا.
ما من أحد يستطيع إنكار ضرورة العمل الملح. فقد تخطت أزمة الائتمان والثقة الحدود واجتاحتها وجرّت معها عواقبها إلى كل ركن من أركان العالم. ولأول مرة يشهد الاقتصاد العالمي منذ جيل من الزمن انكماشا وتقلصا في التجارة.
الخسائر بلغت ترليونات (ملايين ملايين) الدولارات، وتوقفت المصارف عن الإقراض، وأصبحت عشرات الملايين من الناس في مختلف أرجاء العالم مهددين بفقد أعمالهم ووظائفهم. وتعرض ازدهار كل بلد من البلدان ورخاؤه للخطر، علاوة على الخطر الذي يهدد الحكومات بعدم الاستقرار ويهدد معيشة الشعوب في أجزاء العالم الأكثر تعرضا للخطر.
لقد تعلّمنا للمرة الأخيرة أن نجاح الاقتصاد مرتبط بشكل لا فكاك منه بالاقتصاد العالمي. فلا يوجد هناك حد فاصل بين العمل الذي من شأنه أن يستعيد النمو في داخل حدودنا والعمل الذي يدعمه ويعززه من الخارج.
فالأسواق تجف عندما يصبح الناس في البلدان الأخرى غير قادرين على الإنفاق، وقد شهدنا بالفعل أكبر انخفاض في الصادرات الأميركية في نحو أربعة عقود من الزمن، مما تسبب بشكل مباشر في فقدان أعمال ووظائف أميركية. وإذا نحن مضينا في التغاضي عن المؤسسات المالية حول العالم والسماح لها بالتصرف الطائش اللامسؤول فإننا سنظل عالقين في دورة الفقاعة والانفجار (الازدهار والركود). ولهذا السبب لقمّة لندن القادمة صلة مباشرة بانتعاشنا هنا في الوطن.
إن رسالتي واضحة، وهي أن الولايات المتحدة مستعدة للتصدر والقيادة وأننا ندعو كل شركائنا إلى الانضمام إلينا للعمل بشعور من الاستعجال الملحّ والهدف المشترك. صحيح أنه تم بذل كثير من العمل، لكن الكثير من العمل ما يزال في الانتظار.
وتولينا زمام القيادة يستند إلى افتراض بسيط وهو أننا سنعمل بجرأة وقوة لانتشال الاقتصاد الأميركي من الأزمة وإصلاح هيكلنا التنظيمي، على أن يتم تعزيز هذه التدابير بعمل متمم لها في الخارج. فالولايات المتحدة تستطيع، بالنموذج المثالي الذي تشكله، دفع الانتعاش الاقتصادي العالمي وبناء الثقة حول العالم. وإذا ساعدت قمة لندن على حشد العمل المشترك وتنشيطه، فإننا سنصبح قادرين عندئذ على التوصل إلى خطة إنعاش مأمون وتلافي أي أزمات في المستقبل.
يتحتم على جهودنا أن تبدأ بالعمل السريع لحفز النمو. وقد أقرت الولايات المتحدة بالفعل القانون الأميركي للإنعاش والاستثمار، الذي يشكل أكثر الخطوات فاعلية لبدء نشاط خلق فرص العمل ووضع الأساس للنمو منذ جيل من الزمن.
وقد اتخذ أعضاء آخرون في مجموعة العشرين تدابير ذات حوافز مالية أيضا، وينبغي لهذه الجهود أن تظل ناشطة ومستدامة حتى يستعاد الطلب. وإن علينا ونحن نمضي قدما أن نتعهد بالتزام جماعي بتشجيع التجارة والاستثمار دون أية قيود بينما نقاوم الحمائية التي من شأنها أن تزيد الأزمة تفاقما.
يجب علينا، ثانيا، أن نستعيد الائتمان الذي تعتمد عليه مؤسسات الأعمال التجارية والمستهلكون. فنحن نعمل في الداخل بهمة وقوة من أجل تثبيت نظامنا المالي وترسيخه. وهذا يشمل تقييما صادقا أمينا لميزانيات مصارفنا الكبرى وسيؤدي مباشرة إلى الإقراض الذي سيمكّن الأميركيين من الإقبال على شراء البضائع والسلع والاحتفاظ بمساكنهم والبقاء فيها والتوسع في أعمالهم التجارية.
وينبغي لهذا الاتجاه أن يستمر في التوسع والنمو نتيجة لتدابير شركائنا في مجموعة العشرين. فنحن قادرون مجتمعين على تبني إطار مشترك يشدد على الشفافية والمحاسبة على المسؤولية وتركيز الاهتمام في استعادة تدفقات الائتمان والإقراض التي تشكل شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد العالمي المتنامي. وتستطيع مجموعة العشرين بالتعاون مع المؤسسات المتعددة الأطراف توفير التمويل للتجارة للمساعدة في زيادة الصادرات وخلق فرص العمل.
ثالثا، إن لنا من الاقتصاد والأمن والالتزام الخلقي ما نمد به يدا للتعاون مع البلدان والشعوب الأخرى لمواجهة أكبر الأخطار. فنحن إذا تغاضينا وأدرنا ظهورنا لها، ستزداد المعاناة وستتضخم الأزمة وسيتأخر انتعاشنا نحن لأن أسواق بضائعنا ستزداد تقلصا وسيفقد مزيد من الأميركيين أعمالهم.
وعلى مجموعة العشرين أن تعمل سريعا على حشد مواردها من أجل المحافظة على استقرار الأسواق الناشئة وتزيد قدرة صندوق النقد الدولي على مواجهة الطوارئ زيادة كبيرة ومساعدة مصارف التنمية الإقليمية على الإسراع في الإقراض وزيادته. وستدعم أميركا في الوقت ذاته أي استثمارات جديدة جادة في مجال الأمن الغذائي والتي من شأنها مساعدة أفقر الفقراء في التغلب على المصاعب التي يأتي بها قادم الأيام.
ولا يسعنا في الوقت الذي تساعدنا فيه هذه التدابير والأعمال في الخروج من الأزمة، أن نقبل ونرضى بالعودة إلى واقع الحال الذي كنا فيه. إذ يجب علينا أن نضع حدا للمضاربات الطائشة والإنفاق الذي يفوق قدراتنا والإقراض السيء الهالك وتسليف البنوك المفرط وغياب الإشراف والرقابة التي أدت بنا إلى الفقاعات التي تحتم انفجارها والوهم الذي انهار.
إن العمل الدولي المنسق وحده هو القادر على منع خطر المغامرة الطائشة التي سببت هذه الأزمة. ولهذا السبب ألزم نفسي باغتنام هذه الفرصة لإجراء إصلاحات شاملة في إطارنا الخاص بالتنظيم والإشراف.
فكل مؤسساتنا المالية في وول ستريت (سوق المال) وحول العالم بحاجة إلى إشراف ورقابة شديدين ولقواعد سير منطقية. ويجب على كل الأسواق أن تكون لها معايير لاستقرارها وآليات للكشف والإفصاح عن واقعها. ووجود إطار متين لمتطلبات رأس المال من شأنه أن يشكل حماية ضد أزمات المستقبل. ويجب علينا أن نتصدى للملاذات الآمنة للتهرب من الضرائب في الخارج وننهيها وننهي غسل الأموال.
ويتحتم على التشدد في الشفافية والمحاسبة أن يوقف الاستغلال وسوء الاستعمال، وينبغي لأيام المكافآت المسرفة بغير زمام ولا سيطرة أن تنتهي. ويجب علينا بدلا من اتخاذ التدابير المجزأة التي تؤدي إلى سباق نحو القاع، أن نوجد الحوافز الواضحة التي تشجع السلوك الجيد الذي يحفز على السباق نحو القمة.
إنني أدرك أن أميركا تتحمل نصيبها من مسؤولية الورطة التي نواجهها جميعا. لكنني أدرك أيضا أننا لسنا مضطرين للاختيار بين رأسمالية فوضوية غير متسامحة وبين اقتصاد تسلطي قمعي تديره الدولة. فهذا اختيار زائف وهمي لا يخدم شعبنا أو أي شعب آخر.
واجتماع قمة مجموعة العشرين هذا يوفر منتدى لنوع جديد من التعاون الاقتصادي العالمي. فالآن هو أوان العمل معا من أجل استعادة استدامة النمو الذي لا يتأتى إلا عن طريق الأسواق المفتوحة المستقرة التي تسخّر الابتكار وتدعم العمل التجاري وتعمل على تقدم الفرص.
إن للدول مصالح عند بعضها البعض. والولايات المتحدة على استعداد لضم جهودها إلى جهد عالمي لخلق فرص عمل جديدة ونمو مستدام. فنحن قادرون معا على استقاء الدروس من هذه الأزمة والتوصل إلى تحقيق رخاء دائم مأمون للقرن الحادي والعشرين.
باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة. وجهة نطر عالمية، مقال من توزيع تريبون ميديا سيرفيسز
تعليقات