هل نحن شعب يحب القراءة ؟

محليات وبرلمان

886 مشاهدات 0


لو خيرت رجلا أن يمضي وقته بين تناول وجبة من الهامبرغر وبين قراءة كتاب سياسي مثلا، فلا تنصدم أن رأيته يختار الخيار الأول دون تردد، وكما قيل أن المعدة هي التي توصلك للقلب سريعا دون الاستعانة بوسيلة نقل متعبة تأخذ منك وقتا طويلا، وأيضا لو أعطيت امرأة بعض المال ووضعتها أمام زجاجة عطر متلألئة وكتاب ممتع في التاريخ أو علم النفس حتما ستشتري  العطر، و لو لوحت بيدك بعلبة من الحلوى أو الشوكلاتة لطفل في الثامنة من العمر وبين كتاب صغير لقصة جميلة ستجد الحلوى و الشوكلاتة أقرب لفمه قبل أن يقرر عقله أخذ أي منهما.
كثيرة هي الأمثلة التي لا تحتاج لدراسات أو استبيانات لمعرفتها، فيكفي أن تجرب الاختيارات السابقة على من يحيطون بك لتعرف الإجابة الحقيقية المؤلمة، رغم أن أول آية أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسولنا  الكريم صلى الله عليه وسلم، هي (اقرأ باسم ربك الذي خلق ( 1 ) خلق الإنسان من علق ( 2 ) اقرأ وربك الأكرم ( 3 ) الذي علم بالقلم ( 4 ) علم الإنسان ما لم يعلم ( 5 ) ) التي حملت في معانيها الكثير الكثير، ومع الأسف نجد أن التدبر بها قليل جدا، ونرى عدد القراء في المجتمع هم أناس قلة جدا و فئات معينة.بالرغم من أن الله جل جلاله قال {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، كما قال تعالى:(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، ولكن العلم أيضا ينقسم الى قسمين فمنه المفيد ومنه الضار والذي أمرنا المولى جل وعلا بتركه بقوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[البقرة: 101, 102]، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله العلم النافع ويستعيذ به من العلم الذي لا ينفع، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا وعملاً متقبلاً).ان القراءة في مجتمعاتنا باتت فقط للضروريات في الحياة لقراءة مسج أو قراءة فاتورة أو لقراءة اللوحات الإرشادية أو الأوراق المتعلقة في مجال العمل، ولولا وجود الصحف اليومية لفقدت  قدرة البعض على  تذكر الأحرف التي تعلمها في حياته الدراسية، فيا ترى ما السبب بابتعاد الناس عن هذا الأمر المفيد لهم؟! ولماذا لا يتم تعليم الأطفال على حب القراءة بدلا من جعلها مادة دراسية فقط،  ومن المفترض أن يحرز درجات متقدمة بها حتى ينجح.
ولو سلطنا الضوء على اختيارات الناس عندما يحل موعد المعرض السنوي للكتاب، ستجد أن كتب الطبخ والأزياء في المقدمة لدى النساء و كتب السحر والجريمة والفكاهه هي الأهم عند البعض الآخر،  والأطفال ليسوا مهتمين بها إلا من أجل الاستمتاع برحلة من  المدرسة أخذت أجرا وثوابا عليها بدفع الطلبة لحضوره، بينما الكتب المهمة والتي هي بحاجة لمن يقرأها لا تحظى بالشعبية لدينا، لذلك حتى أصحاب محلات بيع الكتب فهموا اختيارات أغلبية الناس  فأكثروا من الكتب التي ليست بذات أهمية  لينالوا الربح المادي المرغوب ويتجنبوا الخسائر.
وفي نفس الوقت نشاهد الغربيون يضعون لها أهمية قصوى في حياتهم وتقرأ الأم الكتب  على الطفل منذ نعومة أظافره، ومنهم من يعتقد أن الطفل في الرحم قادر على الاستماع أيضا لتلك القراءات، وحتى الفنانين واللاعبين المشهورين هناك يسعون جاهدين للحصول على وقت كاف لقراءة الكتب، و يرتفع سهم الكتاب إذا وجد بيد أحدهم والتقطته كاميرات المصورين، ومؤلفين القصص والروايات هناك ينالون احتراما كبيرا ولهم رصيدا من المال ومن المعجبين، كما أنهم يخصصون وقتا كي يقوموا  بالتوقيع للمعجبين على كتبهم للآلاف من الطوابير البشرية، الذين يقفون بانتظار الحصول على نسخة موقعة  من كتابه، واللهفة لدى الغربيين للحصول على كتاب قيم لاتنافس لهفتنا للحصول على كل شيء إلا المعرفة والعلم  من  الكتب.
ان القراءة عنصر ضائع و ذو مستوى ضعيف بمجتمعنا، ونحن شعب نكتفي بالصور المعبرة والماديات،  ونسعى دائما إلى 'كل ما هو مختصر' فليس لدينا وقت لنضيعه بالقراءة ونرغب بكل ما هو سريع وخفيف كالوجبات السريعة والحلوى وزجاجة العطر التي ينتهي وقتها بلحظتها دون استفادة تذكر.
 الأمم لاتقاس بعدد أفرادها أو بما يتوافر لها من ماديات وصناعات وموارد وكماليات، وإنما بما يتوافر لشعوبها من علم ومعرفة، لذلك قال الشاعر :

العلم يبني بيوتا لا عماد لها ...والجهل يهدم بيت العز والكرم
 

الآن - تقرير: نورا ناصر

تعليقات

اكتب تعليقك