الليبرالية التي رأينها على التطبيق والأقوال اختلفت شكلا ومضمونا عمَّا هي في الكتب والتنظير.. برأي محمد السداني

زاوية الكتاب

كتب 566 مشاهدات 0

محمد السداني

الراي

سدانيات- ليبرالية على...

محمد السداني

 

إنَّ كثيراً من الأحيان لا أحبِّذ الكتابة عن الموضوعات الفكرية العميقة التي لا طائل من مناقشتها في مجتمعاتنا التي تعتمد نهجا آخر في بناء آرائها وتوجهاتها، والذي أصبح واضحا للعيان ولكل مراقب للساحة الفكرية، أنَّ المدارس الفكرية بدأت تنحى لتدافُع الممارسات لا تدافُع الأفكار؛ لأنَّ المدرسة النفعية ألقت بظلالها على كل المدارس الفكرية وأصبح تدافع المصالح هو أصل الأطروحات على الساحات الفكرية.

إنَّ المدارس الفكرية في الكويت لا تعدو أن تكون تنافسا بين إسلاميين وليبراليين، يتدافع كل منهم للسيطرة على الرأي العام وكل له حججه وأفكاره، ولكنَّ التدافع هذا أصبح مملا ومنحرفا عن طريقه الصحيح الذي يفترض أن يكون عليه. ولعل شهادتي في الإسلاميين مجروحة بسبب قربي منهم أو تصنيفي كأحدهم، ولكنَّي أناقش الليبرالية التي تواجه كل شيء إسلامي في طريقها. فالليبراليون يرون أنَّ النظام الإسلامي - لا يصلح أن يكون نظاما صالحا للعصر الجديد - عصر التطور والانفتاح، مؤكدين في الوقت ذاته أنَّها - أي الليبرالية - هي خيار الشعوب وأنَّها خلاصهم من الرجعية التي يُصدِّرها التوجه الديني.

إنَّ الليبرالية التي رأينها على التطبيق والأقوال اختلفت شكلا ومضمونا عمَّا هي في الكتب والتنظير، واقتصرت الممارسات الليبرالية في أمور قشرية ليس لها علاقة بالحرية الفكرية أو حرية الممارسات، ولكنَّها أصبحت ملجأّ لكل متملص من القيود الدينية أو الأعراف الاجتماعية حتى وإن كان هذا المَهرب لا يتناسب مع أفكار الشخص وتوجهات، ومع هذا الهروب أصبحت الليبرالية أكثر انتشارا وأشد مواجهة للتيار الديني، حتى تفردت بالمشهد وأصبحت ندا عنيدا له، ولكن هل فعلا صارت الليبرالية تيارا قويا مع كل هذه الشرائح التي استقطبتها؟!

أستطيع الإجابة بكل تأكيد - لا- لم يكن التيار الليبرالي قويا بكل الشرائح الهاربة التي استقطبها؛ لأنها لم تكن تؤمن يوماً ما بوجوده كتيار بديل عن أفكارهم ومبادئهم، ولكنه حلٌ موقت لمواجهة أعداء المدرسة الواحدة، فاصطفافهم مع الليبرالية كان بغضا وكرها وحقدا للتيار الإسلامي، فصار كل نهج مواجه للتيار الإسلامي هو خيارهم الأول ما أدى إلى تضخم الليبرالية شكلا وتقهقرها مضمونا، فغدت هشة الممارسة تعتمد اعتمادها الأساسي على أفكارها القابعة في الكتب، وبهذه الطريقة غدت الليبرالية على خازوق الحيرة، بين تطبيق مبادئها والخروج من الصراع الفكرية في الساحة السياسية والاجتماعية، أو ادخال كل من هب ودب إلى حاضنتها فيكون لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.

خارج النص:

- بدلاً من التخبط الفكري الحاصل لدى البعض والانسلاخ من أفكاره ومبادئه، يستوجب على القلق الباحث عن الحقيقة أنْ يعكف على مدرسته الفكرية فيقوِّم ما اعوج منها ويصحح ما انحرف منها، ويضعها على الطريق الصحيحة التي ستثمر في النهاية بنتيجة رائعة وتكون بذلك مدرسة متوافقة معه فكرا وممارسة ومضمونا.

- أكثر التهم الموجهة للتيار الإسلامي، هو أنه إقصائي لا يحترم الآخر، وهذا الأمر يحتاج لوقفة بسيطة مع التاريخ والكتب التي تحمل في طياتها الكثير من الشواهد التي تثبت العكس، وإذا أردت أن تتصيد في هوامش التاريخ ستجد في تاريخ الليبرالية ما لذ وطاب مما كنت ستتهم به الفريق الآخر.

- إذا كنت شخصا يبحث عن الحرية والممارسة المطلقة للأفكار والتوجهات، فلن تجد هذا الأمر إلا وفق أُطر معينة يحددها العرف والأخلاق، ولكن عندما يدخل الدين ضمن هذه الأطر يبدأ صراع الرفض الذي من الممكن أن يقبل أي شيء إلا الدين فهو في وجهة نظرهم لا يصلح لأن يكون منظماً لأي شيء.

- لا أدعي بكل ما سبق أنَّ التيار الإسلامي بعيد عن ما سقطت به الليبرالية، ولكنَّ المفارقة هو في مآل المواجهة، فمواجهة التيار الإسلامي بوجهة نظر البعض هي مواجهة للرجعية والتخلف - على حد تعبيرهم - ومواجهة الليبرالية هي محاربة للفكر والتقدم، وهذا مفتاح الأزمة بين المدرستين.

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك