أولجه أنور: كلما ازدادت موارد المياه انتشرت السعادة

محليات وبرلمان

377 مشاهدات 0


صدر تقرير الأمم المتحدة الثالث عن تنمية المياه في العالم المعنون 'المياه في عالم متغير' ـ وفي ما يلي مقابلة مع أولجه أنور، منسق البرنامج العالمي لتقييم الموارد المائية.
- ما هو الجديد منذ صدور التقرير الأخير؟ هل من الممكن تقديم عرض موجز لآخر التطورات في مجال المياه ؟
■ إن ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية فيما يتعلق بأهم المشكلات المطروحة هو أننا حققنا نجاحاً كبيراً في بعض المناطق وأصابنا إحباط فيما يخص بعضها الآخر. فمن الواضح، على سبيل المثال، أنه تم تحقيق أحد الأهداف الإنمائية للألفية المتمثل في توفير المياه الصالحة للشرب، وذلك بفضل حملة طموحة قادتها الأمم المتحدة ووافق عليها المجتمع الدولي. ولكن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تمثل، للأسف، استثناءً مهماً على المستوى الإقليمي، وهو ما يدعو إلى توجيه اهتمام خاص لهذه المنطقة. وتواجه بعض الدول العربية أيضاً صعوبات في هذا المجال.
ومن ناحية أخرى، فمن غير المحتمل تحقيق أهداف الإصحاح إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه. ومن الواضح أننا نحث المجتمع الدولي على أن يُوفر مزيداً من الموارد لمجال الإصحاح.
وبالنظر إلى هذا الوضع المعقد، وبخاصة في السنوات القليلة الماضية، فإن هناك نقصاً في المعلومات بشان عدد من المناطق. ويشير التقرير إلى هذه المناطق؛ ونحن نطلب من الدول الأعضاء أن تقوم هي أيضاً بجمع بعض البيانات ورصدها وتقاسمها فيما بينها.
ويُمثل تغير المناخ قضية كبرى. فهو يؤثر على موارد المياه تأثيراً مباشراً، كما أنه يؤثر على العمليات الأخرى المتمثلة في الأسباب التي تؤثر بدورها على مجال المياه. ومثال ذلك هو الإحصاءات السكانية التي تشكل عاملاً مهماً يتغير بوتيرة سريعة. ويؤثر النمو السكاني والهجرات السكانية أعظم تأثير على موارد المياه المتاحة. ويتعلق الأمر، على سبيل المثال، بكعكة تم تحديد حجمها، ولكن عدد القطع التي يجب أن تؤخذ منها يتزايد باستمرار. وينطبق ذلك على المستوى العالمي. أما فيما يخص المستوى الإقليمي، فإن المشكلة تزداد خطورة في المناطق التي ترتفع فيها معدلات نمو السكان بدرجة كبيرة وتتكاثر فيها الهجرات السكانية. وتتضرر في الوقت الحالي بعض المدن بسبب الهجرات السكانية الكثيفة، كما أنها تواجه صعوبات كبيرة في توفير المياه.
وهناك عامل أخر هو النمو الاقتصادي. فالناس يميلون إلى استهلاك المزيد من المياه إذا تطورت الاقتصاديات وارتفعت معدلات القوة الشرائية. ويرد في التقرير أمثلة تُبين أننا لا نشرب المياه في واقع الأمر، ولكننا نأكلها. ويُسمى هذا المفهوم المياه الافتراضية أو الآثار الناجمة عن المياه، أي كمية المياه التي تحتوي عليها الأغذية أو السلع الأخرى اللازمة للإنتاج. ويُعَد هذا الأمر مهماً فيما يخص النمو الاقتصادي إذا ما أخذ الناس الذين يعيشون في أوضاع الاقتصاديات الناشئة في استهلاك اللحوم بدلاً من الحبوب أو الأرز، أو عندما يتناولون ثلاث وجبات من الطعام بدلاً من اثنتين؛ ويعني ذلك استهلاك المزيد من كميات المياه من أجل إنتاج الأغذية. وعلاوة على ذلك، فإن الناس يحتاجون إلى مزيد من كميات المياه إذا ما أرادوا تصنيع المركبات التي يقودونها والمنتجات الاستهلاكية الأخرى اللازمة لهم. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي الإشارة، قبل كل شيء، إلى عوامل التلوث التي تنجم عن كثير من هذه الأنشطة.  فذلك هو العامل الآخر الذي يؤثر على موارد المياه.
إن تغير المناخ يؤثر على موارد المياه بسبب وقوع مزيد من الفيضانات أو من ظواهر الجفاف بشكل مفاجئ، في حين تقل كميات المياه المتاحة التي يمكن الاعتماد عليها بدرجة أكبر. ويُبين التقرير التفاعلات بين هذه العوامل. وقد بدأت حديثي بإعطاء المثال الخاص بتغير المناخ، وذلك لأن هذه الظاهرة تؤثر على موارد المياه بشكل مباشر، وكذلك على الهجرات السكانية. ومع ذلك، فإن تغير المناخ يؤثر على مجال المياه بشكل مباشر وغير مباشر.
وإذا ما أردنا تسوية المشكلات الناجمة عن تغير المناخ، فيجب دمج المياه في مجال أوسع نطاقاً من حيث إمكانية التكيف مع هذه الظاهرة. ويُمثل ذلك أمراً مهماً لأننا نرى أن هناك اهتماماً متزايداً بالتخفيف من آثار تغير المناخ، في حين أننا نعلم أنه حتى ولو كان من الممكن في الوقت الحالي إيقاف انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كلي، فإن ذلك لن يكون من شانه القضاء على تغير المناخ أو تقليل حدّته في السنوات العديدة المقبلة. وينبغي إذن أن يكون في استطاعتنا التكيف مع هذه الظروف أثناء هذه الفترة.
وينطوي التقرير على رسالة أخرى مفادها أن أصحاب القرارات يضعون المشاكل المتعلقة بالمياه، وأن من الممكن لهم تسويتها، على الرغم من أنهم لا يديرون بالفعل هذا المجال. وعندما أتحدث عن القادة، فإني استخدم هذا التعبير بمعناه الواسع، ولا اقصد بذلك القادة في مجال المياه. ويتضمن التقريران الأخيران والعمليات المنجزة توافقاً جيداٌ في الآراء بين المهنيين العاملين في مجال موارد المياه، كما أنه يُبرز قيادة في أوساط خبراء المياه. غير أنه يتعين علينا الآن الخروج من حيّز المياه الخاص بها، وتناول الإطار الأوسع الذي تنطوي عليه عملية تحديد المشكلات المتعلقة بالمياه وتسويتها والحيلولة دون وقوع أزمات إضافية جديدة في مجال المياه.
- هل يُشجع التقرير زيادة الاستثمارات في مجال المياه؟
■ يحتوي التقرير على قسم كامل يخص مجال الاستثمارات. ومن الواضح أن الأزمة الحالية ستؤثر على مجال المياه. وما يعنينا الآن هو أنه لا يجب إهمال البنى التحتية في مجال المياه، وأنه ينبغي الإسراع في توفير الاستثمارات في هذا الشأن، واقتران ذلك بالاستثمار في مجال تنفيذ بناء القدرات. ولكن الاستثمار في مجال البنى التحتية وحده غير كافٍ؛ فمن الواجب توفير البرمجيات من أجل إنشاء هذه البنى التحتية بصورة ملائمة.
ونحن نقول إنه من أجل معالجة الأزمات الحالية، بما فيها أزمة الأغذية، وتزايد الحاجة إلى الطاقة، وضرورة التصدي للكوارث الطبيعية، فإن البنى التحتية في مجال المياه وإدارتها تكتسب أهمية تفوق ما كانت تحظى به في أي وقت مضى. فالاستثمار في مجال المياه لا يعود بالفائدة على المجتمع فحسب، بل وعلى الاقتصاد أيضاً.
- هل يرد في التقرير توصيات بشأن تفادي الأزمات في مجال المياه؟
■ لا يُعتبر هذا التقرير تقريراً ملزماً. فهناك أزمات تتعلق بالمياه في جميع أنحاء العالم، ولكن الهيدرولوجيا تتعلق بالمجال المحلي، في حين تُمثل الأرصاد الجوية ظاهرة عالمية. ومن هذا المنطلق، فمهما يحدث على الصعيد العالمي، فإن مشكلات المياه تبرز باعتبارها قضايا محلية. وإذا لم يتم تسوية هذه المشكلات، فمن الممكن أن يتسع نطاقها وتتحول إلى مشكلات إقليمية أو إلى نزاعات وطنية، وقد تؤدي إلى نشوب أزمات عالمية. وتوجد الآن أزمات متفرقة تخص مجال المياه وتنتشر في جميع أنحاء العالم؛ ولكن لا يمكن القول إن هناك أزمة عالمية في مجال المياه. ونحن نحذر من وقوع أزمة من هذا النوع إذا لم يتم التصدي للأزمات الحالية بصورة سليمة، وإذا لم يتم اعتبار المياه عنصراً متكاملاً من أطر اتخاذ القرارات على أوسع نطاق. وخير مثال على ذلك هو قطاع الأغذية. فقد يكون من المرغوب فيه زيادة الإنتاج في هذا المجال؛ ولكنه إذا لم تتوافر الموارد اللازمة، أي مياه الري، فإن ذلك يُشكل قيوداً تحول دون تحقيق ذلك. وليس من الممكن الاقتصار على تسوية الأزمات المتعلقة بالأغذية، لأن ذلك يفرض ضغوطاً على موارد المياه قد تتحول إلى أزمات.
- قلة موارد المياه في المزيد من المناطق والمشكلات السياسية الناجمة عنها. هل يتناول التقرير هذا الجانب من مسألة المياه؟
■ الواقع أنه كلما ازدادت الموارد، انتشرت السعادة في كل مكان. وإذا ما ازدادت الحاجة إلى المياه، أو إذا ما نقصت الموارد المائية، فإن المنافسة تبدو واضحة، ويتعين بالتالي الاستجابة إلى الاحتياجات بوسائل عديدة. وقد تتعلق هذه الاحتياجات بالمجالات الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو القانونية، أو بمجموع هذه المجالات. وعندما تسوء الأوضاع، فقد يمكن إعادة تخصيص المياه ونقلها من قطاعات إلى قطاعات أخرى؛ ومن ثم فقد تتحول المنافسة إلى نزاع. وعليه، فإن معالجة المنافسة تُعد أمراً مهماً حتى يمكن تفادي نشوب النزاع. ويحوي التقرير العديد من الأمثلة عن كيفية تصدي البلدان والمناطق الواقعة على أحواض الأنهار والبلديات لهذه القضايا. وترد أيضاً في التقرير إحصاءات وأمثلة تخص النزاعات. وعلاوة على ذلك، فإن التقرير يتضمن توصيات عامة. ولكن التقرير يخلو من العموميات، كما أنه يشير في بدايته إلى أن معالجة المشكلات الخاصة بالمياه تعتمد على الظروف السائدة في البلدان أو في المجتمعات، أي على توافر الموارد المائية والموارد المالية، والعوامل الثقافية، والأطر القانونية. ويجب على كل بلدٍ أن يسعى إلى حل مشكلاته الخاصة به، وذلك بالاستعانة بالدروس المستفادة من خبرات البلدان الأخرى التي أحرزت نجاحاً في هذا الصدد.
- ما الذي يمكن أن ينجزه منتدى اسطنبول المزمع، وهو آخر اجتماع في سلسلة من الاجتماعات المماثلة التي انعقدت خلال العشرين سنة الماضية؟
■ إني لآمل أن يحقق هذا المنتدى نجاحاً في إخراج المياه من الحيز الخاص بها. وقد تباحثت أوساط خبراء المياه فيما بينها بما فيه الكفاية في هذا الشأن؛ كما قمنا نحن من جانبنا بإقناع كل منهم بقدر كافٍ؛ وعلينا الآن الخروج من الحيز الذي نشغله، وأن نلتقي مع الجهات الأخرى في أطر لاتخاذ القرارات على نطاق أوسع. ونحن لا ندعي أن المياه هي المؤشر المحوري لاتخاذ القرارات. ولكننا نقول إن المياه تمثل مؤشراً في غاية الأهمية ينبغي دمجه في اهتماماتنا على النحو الملائم. وبالمقارنة مع القطاعات الأخرى، أي قطاعات الطاقة، والأغذية، والتعليم، والصحة، الخ، فإن مجال المياه لا يمثل قطاعاً جديداً تماماً، ولكنه يُعتبر مؤشراً متكاملاً ينبغي أخذه في الحسبان.

الآن - فالح الشامري

تعليقات

اكتب تعليقك