من أصلب المعوقات أمام حصول «البدون» على حقوقهم الأساسية هو التوظيف السياسي لقضيتهم الإنسانية.. برأي عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب نوفمبر 2, 2017, 12:05 ص 467 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي-«البدون»... والحقوق الأساسية
د. عبد اللطيف بن نخي
قبل ما يزيد على الشهر، أقدم شاب من غير محددي الجنسية على إشعال النار في جسده أمام مركز شرطة في منطقة النعيم التابعة لمحافظة الجهراء. هذه الواقعة أحزنتني كثيرا وأغضبتني. فمن جهة تعاطفت مع الشاب العشريني وأهله وأحبائه في فاجعتهم. ومن جهة أخرى ضاق صدري من شدة تأنيب ضميري، لأنني كنت وما زلت مقصرا في تكافلي مع «البدون» وفق ميزان المبادئ الانسانية والإسلامية والوطنية. لكن ورغم استمرار آلامي النفسية، امتنعت عن التنفيس عنها بكتابة مقال حول الحادث المأسوي، حتى تنقشع السحابة الرعدية السياسية التي تشكلت في سمائها. لأنني أرى أن من بين أصلب المعوقات أمام حصول «البدون» على حقوقهم الأساسية - من قبيل التعليم والرعاية الصحية - هو التوظيف السياسي لقضيتهم الإنسانية، عوضا عن معالجتها بجرعات إنسانية سياسية.
حسب ذاكرتي، ملف «البدون» كان حاضرا في الحملات الانتخابية لمرشحي مجلس الأمة منذ الثمانينات من القرن الماضي، ولا استبعد أنه كان كذلك في السنوات التي سبقتها. ولكن رغم نجاح العديد من المرشحين الذي تبنوا حقوق «البدون» ضمن أولوياتهم أو برامجهم الانتخابية، إلا أن قضيتهم لم تحل حتى اليوم رغم مرور ما لا يقل عن 4 عقود زمنية... بل إن أزمتهم اشتدت.
نعم هناك نوّاب توسطوا من أجل منح الجنسية الكويتية للعديد من «البدون»، ولكنها كانت بانتقائية. فكانت مقتصرة على المرتبطين بصلات قرابة ونسب مع بعض ناخبيهم، وكانت في مجملها لمصالح انتخابية. بل إن هناك نواباً توسطوا لمنح الجنسية لغير مستحقيها، ومنهم من اكتشف أمره لاحقا. ولكن كموقف برلماني، هؤلاء النواب تخاذلوا عن تشريع قانون يلزم الحكومة بحماية الحقوق الأساسية «للبدون»، ومنهم من اعترض وأعاق تشريع هكذا قانون.
هناك العديد من الأمثلة على استغلال سياسيين لمحنة «البدون» الإنسانية، ولكن قد يكون أبرزها التوظيف السياسي من قبل قوى الحراك الكويتي أو الربيع العربي في الكويت، حين شجعت تلك القوى «البدون» على تنظيم تجمعات ومسيرات احتجاجية في كل من الجهراء والصبية وتيماء، ثم خذلتهم تلك القوى وتناست وعودها لهم.
باختصار، «البدون» وبالأخص المعسرون منهم فقدوا ثقتهم بإخوانهم الكويتيين، السياسيون منهم ومشايخ الدين والوجهاء والأكاديميون والكتاب وغيرهم، لأنهم لا يترجمون خطاباتهم على أرض الواقع البائس. بل إنهم فقدوا ثقتهم أيضا بالفرق التطوعية الخيرية التي ما زالت تعمل باجتهاد من أجل تخفيف عسرهم وتلبية بعض احتياجاتهم الضرورية. فقدوا ثقتهم لأنهم تيقنوا أن الكويتيين وإن كانوا خيرين يحبون مساعدة المحتاجين، إلا أنهم لا يملكون النضج السياسي الكافي للضغط على التكتلات السياسية للمشاركة في قراراتها ومواقفها. فعلى سبيل المثال، العلاقة السياسية بين الناخبين وممثليهم في البرلمان ما زالت تفتقر إلى الشفافية الرشيدة، بل إن من بين الكويتيين من يستنكر نهج المكاشفة السياسية الذي يتبعه قلة من النواب.
وفق التقرير الوطني الأخير المقدم في عام 2015 إلى الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل - التابع لمجلس حقوق الانسان - في الدورة 21، تعتبر دولة الكويت أن لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة من بين آلياتها الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، لذلك أدعو المتعاطفين مع الحقوق الأساسية «للبدون» متابعة أداء هذه اللجنة والتعاون معها من أجل استرجاع الحقوق التي كانت مصانة «للبدون» في الثمانينات من القرن الماضي، بل من أجل الزام الحكومة باحترام كامل حقوقهم الأساسية. كما أناشد النواب المتطرفين الذين يمتنعون عن زيارة بعض المساجين الكويتيين أثناء زيارتهم التفقدية للسجن المركزي، عدم الترشيح لعضوية اللجنة لعدم أهليتهم. فحقوق الانسان لا تقبل التمييز العرقي والطائفي.
وأيضا جاء في التقرير الوطني أنه «بعد تقريرها الأول سعت دولة الكويت إلى ترسيخ المزيد من الآليات والمقومات الحقوقية والإنسانية داخل اﻟﻤﺠتمع الكويتي». وذكر التقرير عدة شواهد على ذلك، كان من بين أبرزها «إنشاء ديوان حقوق الإنسان المعد استرشاداً بمبادئ باريس في شأن مركز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان». وبالفعل، في يوليو 2015، صدر قانون رقم 67 لسنة 2015 في شأن الديوان الوطني لحقوق الإنسان، ولكنه لم يفعل حتى اليوم. لذلك على لجنة حقوق الإنسان البرلمانية - خلال دور الانعقاد الحالي - أن تعمل على تنفيذ قانون الديوان، فضلا عن تقديم اقتراحات بقوانين لمعالجة مثالب القانون ليصبح أكثر توافقا مع مبادئ باريس، وفي مقدمة هذه المبادئ الاستقلالية التامة للهيئات الوطنية الحقوقية.
أرى أن استقلالية الديوان تتطلب أكثر من الاستقلالية الإدارية والمالية، لأنها لن تتحقق ما لم يؤمن أعضاء مجلس إدارته بحقوق الانسان، وما لم يتمتعوا بالاستقلالية الذاتية وروح التضحية بمصالحهم الشخصية. الدكتورة ابتهال الخطيب والمحامية الشيخة فوزية الصباح والدكتور غانم النجار والأستاذ عادل القلاف من بين النشطاء الحقوقيين الذين أتمنى أن يقبلوا عضوية مجلس إدارة الديوان، وأرى أن معالجة أزمة «البدون» تحتاج لعضوية أمثالهم في مجلس الإدارة... «اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه».
تعليقات