الأزمة الإيرانية البحرينية من حافة الهاوية إلى التهدئة
خليجيتصريحات نوري: طموح انتخابي أم تصعيد مبرمج؟
فبراير 22, 2009, منتصف الليل 3346 مشاهدات 0
في مطلع عام 1979م وفيما كانت طائرة اير فرانس البوينغ 747 تحط في مطار طهران قادمة من باريس وعلى متنها آية الله الخميني، كان حزب الكتائب الماروني بقيادة بشير الجميل يفتك بميليشيا النمور المارونية أيضا التابعة للرئيس كميل شمعون في فوضى حروب الأحزاب اليمينية فيما بينها. حينها كان 'علي اكبر ناطق نوري' مختبئا بين خلافات 'أفواج المقاومة اللبنانية' الشيعية المختصرة بكلمة 'أمل' وبين' أفواج المقاومة المؤمنة' التي أسسها الشيخ مصطفى الديراني ضد أمل قبل أن تختطفه إسرائيل . كان للثورة الإيرانية الجديدة في إيران خطط للبنان، وكان لناطق نوري قصب السبق في تنفيذها مع رجال الثورة الإيرانية الآخرين الذين كانوا يتخذون من جنوب لبنان معسكرا لهم .
عاش نوري في ضيافة العرب في سوريا ولبنان حتى عودة الخميني، ثم صار وزيرا للداخلية في إيران في فترة انتشار الرعب الثوري في شوارع طهران 1981-1985. ليتم اختياره لاحقا من جانب المتشددين ليكون ناطقا رسميا لهم في مجلس الشورى، حيث أعتبر واحدا من أقوى المعارضين لسياسيات الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. بل انه صار رئيسا لمجلس الشورى نفسه. لقد كان نوري متطرفا في أفكاره لدرجة أن جبهة العلماء الأصوليين في البرلمان سعت لإقناعه في دخول الانتخابات القادمة بدلاً من الرئيس أحمدي نجاد. كما يشغل 'حجه الإسلام علي اكبر ناطق نوري ' عضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران وهو حاليا رئيس التفتيش الخاص في مكتب قائد الثورة الإسلامية.
اتصالا بما سبق، ليس ناطق نوري ذلك الرجل الذي يبحث عن مكان تحت الأضواء، وأمام حجم هذا الرجل في المؤسسة الإيرانية الحاكمة أو حتى شبه الحاكمة، تتملكنا الحيرة كيف يحاول حسن قشقوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية التقليل من مصداقية مصدر تصريحات ناطق نوري والتي قال فيها إن البحرين هي المحافظة الـ 14 لإيران؟ بل وتحويل اللوم على وسائل الإعلام حيث قال قشقوي 'ليست لنا تطلعات في أي بلد ، هذه عاصفة خلقها الإعلام '.
إن السؤال المطروح هو: في أي إطار يمكن وضع تصريحات ناطق نوري ولماذا كان هبوب العاصفة مختلفا هذه المرة، رغم أن رياح الادعاءات الإيرانية في كل شبر من الخليج العربي لم تتوقف منذ زمن طويل ؟
إن أول مايلفت النظر في تداعيات 'أزمة إدعاء التبعية' الراهنة هو سرعة وكثافة زخم الدعم الذي تلقته البحرين في الأيام القليلة الماضية ، والذي تمثل في زيارات قام بها زعماء دول عربية ، بالإضافة إلى الدعم الذي تلقته البحرين من تركيا وروسيا.
أما الأمر الثاني فكان في سيل الاعتذارات الإيرانية المتتالية، في خروج غير مسبوق على الغطرسة التي اعتدناها من مسئولين إيرانيين ..
أما الأمر الأخير الذي تجدر ملاحظته فهو لماذا يأتي الشد هذه المرة من الجانب اللين في طرفي القضية حيث قامت البحرين يوم أمس بمنع السفن الإيرانية من أن ترسوى في موانئها؟
لقد كان قويا موقف البحرينيين بكل أطيافهم ضد هذه التصريحات غير المسئولة . كما لم تتوان دول مجلس التعاون يوما في استنكار الادعاءات الإيرانية حيال كل شيء في الخليج سواء فيما يخص اسمه ، استقلال دوله أو تبعيتها لإيران ، أما الاصطفاف الراهن خلف البحرين من دول الاعتدال العربي، فنراه كنوع من العمل المتأخر لتحجيم التدخل الإيراني في الشأن العربي بعد أن ظهر للعيان انكشاف أداء بعض هذه الأنظمة الضعيف أمام الشارع العربي، عند مقارنتها بالبصمات الإيرانية الواضحة في أزمة غزة . ولا ننسى في هذا السياق أن للصوت العربي الجديد جانب سلبي كبير على مايجري حيث حاربت إيران القومية العربية في الخليج العربي فكرا وتطبيقا منذ مناكفة الشاة لناصر في الخمسينيات والستينيات حتى الاحتجاج على محور دول إعلان دمشق في مطلع التسعينيات، بل ووضعها القومية العربية على قدم المساواة مع الصهيونية كند للمشروع الحضاري للقومية الفارسية.
تدخل روسيا وهي القريبة من إيران يعني محاولتها تفويت الفرصة على من يريد تسخين الوضع في الخليج لإيجاد ذريعة الحرب السياسية أو حتى بالبارود، بدعوى حماية البحرين التي ترتبط باتفاقيات تعاون امني مع الغرب، وهو نفس الرأي التركي وإن كان لتركيا طموح في توجهها الجديد نحو العرب . أما دبلوماسية الاعتذارات في الموقف الإيراني فهي إدراك إيراني أن هناك من ينتظر الفرصة لجرهم لمعركة سياسية لايريدونها حاليا .
تصريحات ناطق نوري ليست في صالح أمن الخليج العربي، وما يجري لا يخرج عن ثلاثة أمور: أولها استمرار الفوضى في صنع القرار الإيراني نتيجة الصراع بين عدة مؤسسات تملك نفس قوة القرار وهي المؤسسة الدينية التي تضم ولي الفقيه، ومجلس الخبراء، ومراجع التقليد، والحوزات العلمية ،وبين السلطة التشريعية التي تضم مجلس الشورى، ومجلس الأوصياء على الدستور، ومجلس تشخيص النظام، ثم السلطة التشريعية برئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للأمن القومي، أو حتى القوى الفاعلة الأخرى التي منها الجيش والحرس الثوري والبازار بما فيه من قوة تبلغ 400الف تاجر .
أما الأمر الثاني فهو أن هناك غيوم صيفية ممطرة مقبلة على الخليج لفرض واقع خليجي أمريكي جديد سوف يكون لدول مجلس التعاون دور كبير فيه ، ويخدم مصالحها بعد ان ضجت بالغطرسة الإيرانية سواء في طموحها النووي أو الادعاءات المتكررة بتبعية دول الخليج لإيران،وهي الادعاءات التي يراها الخليجيون كتمهيد للسيناريو الصدامي عام 1990م ، وقد أشارت نشرة ديبكا الاستخبارية الإسرائيلية DEBKA-Net-Weekly لشيء من هذا القبيل في عددها 20 فبراير 2009 حيث تحدثت عن محادثات سرية لعقد اتفاق بين باراك أوباما و خادم الحرمين الشريفين.
أخيرا لايمكننا أن نحيد اخف الأسباب وزنا وهو إن تصريحات نوري تزامنت مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي له طموح فيها ، وقد لا تعدو أن تكون دغدغة فجة لمشاعر الإيرانيين لم يحسن ناطق نوري استخدامها .
تعليقات