نحن المواطنين العاديين والأبرياء من المارة في كل مكان نتحول يوميا لضحايا الإرهاب. لكن عندما يستهدفنا الإرهاب في الشارع، لا نرى كل الحقيقة، ولو رأينا الحقيقة لاتجه جزء كبير من غضبنا للنظام السياسي الذي أدت سياساته لإنتاج هذا العنف بالأساس، في هذه الحالة لا بد من البحث عن واقع الظلم المسؤول عن إنتاج الإرهاب.
فمنذ انقلاب مصر العسكري عام 2013، وبعد مجزرة رابعة في مصر، ثم عند قيام داعش بالسيطرة على الموصل في 2014، جدد شعار الحرب على الإرهاب بهدف تصفية تعبيرات الربيع العربي، المطالبة بالحرية والعدالة بأكثر من تصفية داعش وتعبيراتها. وستصبح الحرب على الإرهاب تهمة للدول التي تتبع سياسات لا تقبل بها الأطراف المهيمنة في النظام الدولي، وأيضا العربي، وهذا سيقع مع قطر في ظل أزمة الخليج الأخيرة، وستتضح أبعاده من خلال تصريحات الإدارة الاميركية المرتبكة وتصريحات الدول المقاطعة لقطر في يونيو 2017، كما وسيقع الأمر ذاته مع المملكة العربية السعودية في قانون جاستا الشهير. هذا بحد ذاته عبث.
الحرب على الإرهاب وسيلة الأنظمة غير الديمقراطية في تثبيت سيطرتها الداخلية وتحجيم الحراكات السياسية المعارضة غير العنيفة، فالإرهاب مرتبط بعدد السجون في كل بلد وبالتعذيب وانتهاكات الحقوق. الحرب على الإرهاب وسيلة لرمي مشكلات الأنظمة على الإرهاب ووسيلة لتعذيب المواطن والإمعان في تهميشه. ففي السجون تتمدد الصناعة الأهم للإرهاب. وبينما تسعى الحرب على الإرهاب لتحقيق أهداف عدة كمواجهة منظمات كداعش والجماعات المتطرفة في سيناء لكن في جانب آخر، وهو الأهم، تهدف الحرب لدفع الناس للخوف من كل تعبير واحتجاج على الظلم مهما كان صغيرا. هذه دائرة ملعونة ستلاحق إقليمنا.
إن غض النظر عن الإرهاب الذي تمارسه الديكتاتورية غير المساءلة من جهة، والصهيونية الاستيطانية وسياسات السيطرة الأميركية من جهة أخرى، يعنى عمليا إيصال قطاع من المجتمعات العربية للرد على الدولة بذات الأسلوب العنيف الذي يخلو من النقاش العام والمشاركة الشعبية والاحترام الحقوقي. فالديكتاتورية تخلق ديكتاتورية مضادة والعنف يخلق عنفا يشبهه. الإرهاب والاعمال الانتحارية سلوك مضاد يهدف للوصول لمساحة الطرف الآخر وتوجيه الألم إليه وإثبات فشله. المشكلة الأعمق تتعلق بتحول الإرهاب لحركة سياسية في باطن المجتمع، هنا لا بد من البحث عن الظلم وانسداد سبل التعبير السلمي.
إن تصنيف حماس كمنظمة إرهابية (لم تمارس أي نوع من العنف خارج وطنها وفي مواجهة الاحتلال) فيه إرضاء لإسرائيل، أما تصنيف الإخوان المسلمين (وهي منظمة غير عنفية) إرهابا ففيه إرضاء للرئيس السيسي أولا، لكن عدم قيام النظام العربي الرسمي بتصنيف إسرائيل إرهابية (بينما تتهم قطر مثلا) فيه مسايرة لإسرائيل ومسايرة لعتاة اليمين الأميركي واستهانة بشعوب الإقليم ونبضها القومي. ألم تتعاون معظم دول المنطقة ودول الخليج بصورة مشتركة على مواجهة النظام السوري وإرهابه الذي قتل حتى الآن اكثر من 350 ألف مواطن سوري؟ ألم يدفعها هذا بصورة مشتركة لمساعدة القوى المسلحة التي أنتجها إرهاب الاسد؟ لكن الوقوع تحت سيطرة ابتزاز دعم الثورة السورية يثير أسئلة عن النظام العربي الذي يخون نفسه. أما إرهاب الدول الكبرى فهو خارج التصنيف، فالأقوى معفي من تصنيف الإرهاب مهما بالغ في ممارسة الإرهاب! (لا تصنيف لإرهاب اميركي قتل 800 ألف عراقي منذ 2003) ولا تصنيف للولايات المتحدة التي تدعم قوى ميليشيا كردية أو غيرها! تصنيف الإرهاب مرتبط بالقوة بأكثر مما هو مرتبط بالحقيقة.
إن كل موت للبراءة مسؤولية السياسيين الفاشلين في الغرب والعالم العربي الذين صارعوا الإرهاب منذ 15 عاما وصرفوا المليارات على الحرب دون نتيجة تذكر. كارثتنا العربية الأخطر والتي سندفع ثمنها المرة تلو المرة أن مسؤولينا غير منتخبين ولا مساءلين ديمقراطيا، لهذا ستبقى المشكلة تجدد نفسها طالما لم يقع تحول ديمقراطي في عالمنا العربي. يجب عدم تبرير الإرهاب ضد المدنيين، لكن يجب عدم تبرير إرهاب الدولة الذي يدمر الحياة ويقضي على البراءة.
بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
الإرهاب بين تناقض التهم ومكانة المواطن - يكتب د. شفيق ناظم الغبرا
زاوية الكتابكتب يونيو 18, 2017, 11:54 ص 944 مشاهدات 0
الآن - الوطن القطرية
تعليقات