فهمي هويدي يكتب..مقارنة مسكونة بالتدليس
زاوية الكتابكتب يونيو 10, 2017, 11:57 م 608 مشاهدات 0
الشروق
مقارنة مسكونة بالتدليس
فهمي هويدي
يحتاج إلى تفسير إبراز بعض صحف الخميس المصرية (٨/٦) لتصريح رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى الذى أعربت فيه عن استعدادها للإطاحة بقوانين حقوق الإنسان إذا حالت دون تطبيق تشريعات مكافحة الإرهاب، وكانت السيدة ماى قد أشارت إلى تلك النقطة فى سياق إحدى خطبها الانتخابية التى سبقت التصويت الذى تم يوم الخميس، وفى أجواء القلق الذى استشعره كثيرون فى بريطانيا جراء العمليات الإرهابية التى شهدتها البلاد فى الآونة الأخيرة.
ولأنها ليست المرة الأولى التى تحتفى فيها وسائل الإعلام المصرية بأى تصريحات تصدر فى الديمقراطيات الغربية بخصوص إعلان الطوارئ أو «التساهل» فى تطبيق قوانين حقوق الإنسان، بما يمرر بعض الانتهاكات، فإن الأمر بات يحتاج إلى وقفة وبعض المصارحة. من ناحية، لأن تلك الحفاوة الإعلامية التى تكررت ليست مصادفة، ثم إننى أشك كثيرا فى براءتها، فى هذا الصدد فإننى أميل إلى أن ذلك الاهتمام والإبراز أريد به توصيل رسالة للمواطن المصرى تقول: انظروا ــ ها هى الديمقراطيات الغربية لا تتردد فى الإطاحة بمبادئ وقوانين حقوق الإنسان حينما يتهددها الإرهاب وتتعرض لظروف طارئة، بالتالى فإن ما يحدث فى مصر ليس أمرا شاذا ولا هو استثناء فى العالم المعاصر. فكفوا إذن عن انتقاداتكم وأريحونا بسكوتكم، لأن ما تأخذونه علينا تفعله أهم الدول الديمقراطية.
من ناحية ثانية لأن استخدام تلك الحجة مسكون بالتدليس والتغليط. أولا لأن الذين ينددون ويعارضون الانتهاكات التى تحدث لحقوق الإنسان ليسوا ضد مكافحة الإرهاب، وإنما هم يؤيدون المكافحة شريطة أن تلتزم بضوابط القانون وباحترام حقوق الناس وكراماتهم، وهم يدركون بأن الانتهاكات التى تحدث لا تكافح الإرهاب ولكنها توفر مناخا وبيئة تفرخ المزيد من الإرهابيين. ولست أنسى فى هذا الصدد ما سمعته من أحد كبار المحامين الذين يشاركون فى الدفاع عن المتهمين فى قضايا الإرهاب حين قال لى إن بعض الشبان المتهمين صارحوه بأنهم ينتظرون بفارغ الصبر موعد إطلاقهم، لا لكى يعودوا إلى بيوتهم، ولكن لكى ينتقموا من الذين عذبوهم فى السجن.
وإذا لاحظت أن كلام رئيسة الوزراء البريطانية صدر أثناء خطبة انتخابية فستنتبه إلى أن الأمر لا يخلو من اصطياد، لأنها قالت أنها مستعدة لتمزيق قوانين حقوق الإنسان إذا حالت دون تطبيق تشريعات مكافحة الإرهاب، الأمر الذى يعنى مباشرة أن تلك القوانين ستظل سارية مادامت لا تتعارض مع تلك التشريعات، وغنى عن البيان أن ذلك «التمزيق» حاصل عندنا فى كل الأحوال، وليس له ضابط أو كابح.
النقطة الأهم فى الموضوع أن الحكومة حين تتخذ إجراءات فى مواجهة الإرهاب وبوجه أخص إذا كانت تمس حقوق الإنسان من قريب أو بعيد، فإنها ليست مطلقة اليد ولا هى فوق المساءلة والحساب، لأن فى البلد مؤسسات قوية مستقلة تشهر سيف القانون. ثم إن الإجراءات الاستثنائية لها أجل محدود، وتمارس تحت رقابة البرلمان والمجتمع. لذلك فإن الناس لا يقلقهم إعلان الطوارئ ولا تزعجهم تشريعات مكافحة الإرهاب، لأنهم واثقون من أن ذلك يستهدف حماية المجتمع وليس حماية السلطة التى باتت تتذرع بالإرهاب لكى تشدد قبضتها وتقيد الحريات العامة وتقمع معارضيها، ناهيك عن أن الإرهاب هناك له تعريف منضبط ينحصر فى ممارسة العنف لفرض الرأى وتقويض أسس المجتمع ولا تسأل عن تعريفه عندنا.
إن المعادلة تكون ناقصة إذا وقفنا عند مقارنة قانون بقانون، وهى لا تكتمل إذا شملت المقارنة وضع المجتمع هناك بمؤسساته وقيمه القانونية وقواه المدنية بنظيره فى بلادنا. وإذا ما أجرينا هذه المقارنة بأمانة وصدق فسوف نلتزم الصمت وقد نغرق فى بحر الخجل.
تعليقات