عدنان فرزات يكتب.. ذكريات خطيرة

زاوية الكتاب

كتب 438 مشاهدات 0

عدنان فرزات

القبس

ذكريات خطيرة

عدنان فرزات

 

مَن لم يصنع ذكرياته في بداية حياته، يصعب عليه صنعها في مراحل متأخرة، وإن صنعها فسوف تكون قليلة وباهتة ومقيدة بضوابط العمر، لا كتلك التي كنا نسميها مغامرات، بعضها كاد يكون قاتلاً بحق.

قبل أيام عاودتني ذكرى من هذا النوع الخطر. حبست أنفاسي حتى وأنا أكتب هذه المقالة بعد كل هذه السنوات. باغتتني هذه الذكرى عندما كنت أتصفح الفيسبوك، لمحتُ صورة فتاة بدت لي من بين سراب الأمس أنني أعرفها، قرأت الاسم فتأكدت أنها هي، كانت يومها ابنة مسؤول كبير في بلدي، لن أقول من أي عام ليس فقط لأجل ألا أحد يعرفها، بل حتى لا أبوح كم من العمر مضى.

يومها لفتت الفتاة نظري بشعرها الأجعد وحركتها الرشيقة وهي تصعد إلى سيارة، يحيط بها حراس أشداء، وكنتُ آنذاك متأثراً بكتاب «ألف ليلة وليلة»، وحكايا الفرسان وبطولاتهم، فزال الفزع قليلاً.

ولأن المصادفات تتواطأ أحياناً مع أحلامنا، فقد صادف أن حضرتُ عرضاً مسرحياً في المركز الثقافي، وإذ بالفتاة تؤدي أحد الأدوار في المسرحية. لم تكن الفتاة بارعة في التمثيل، وبدا واضحاً أنها جاءت بواسطة من والدها، على الأغلب قالت له إنها تهوى التمثيل فصنع مسرحية لأجلها. كانت تبدو مثل آخر غزال عربي قبل انقراضه في صحراء العرب. عيناها داكنتان وشعر كأغصان التفت عشوائياً على بعضها بجنون.

حضرتُ المسرحية عدة مرات، وفي كل مرة كانت المغامرة تراودني بالاقتراب منها بعد انتهاء العرض، ولكنني لم أفعل لأنها كانت تغيب فوراً وراء الكواليس بمجرد إسدال الستار. ولكن الشغف في سنوات العمر الأولى يكون عادة مشحوناً بالاندفاع، ففكرت بخطة بديلة عن لقاء المسرح. يومها نشرت صحيفة المدينة التي كنت أعيش فيها صورتها بالعرض المسرحي وكتبت كلاماً مليئاً بالنفاق عن أدائها، ومع ذلك كنت سعيداً بعدم هذه المصداقية لأنهم مدحوا الفتاة التي شغفت بها.

قررت خوض الخطة البديلة، أعطيت الصورة لصديق لي فنان بارع فرسمها بشكل رائع، حملت الرسمة وتوجهتُ إلى منزلها. لا أدري حتى الآن كيف غامرت. استوقفني أحد الحراس، كان طويلاً وشارباه معقوفين لم أر مثله إلا بعد سنوات على باب مطعم هندي، سألني ماذا أريد، أجبته بأنني أحمل هدية من جمهور معجب بالفنانة المدهشة، صدقني، طرق الباب فخرجت، سلمتها الرسمة ومضيت لم أرها بعد ذلك إلا منذ أيام على الفيسبوك.. كانت لا تزال جميلة ولكن بلا حراس.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك