علينا أن نستثمر المليارات لضمان استدامة اقتصادنا.. يطالب عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 598 مشاهدات 0

عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- مليارات لاستدامة اقتصادنا

عبد اللطيف بن نخي

 

في يوم الخميس الماضي، اختتم أعمال مؤتمر بون لتغير المناخ بمجموعة من القرارات، كان من بينها الاتفاق على تأجيل النظر في نطاق المراجعة الدورية المقبلة للهدف العالمي الطويل الأجل (periodic review of the long-term global goal) - بموجب الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ - إلى الدورة الـ 50 لكل من الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية والهيئة الفرعية للتنفيذ المزمع عقدها في يونيو 2019. والهدف من هذا التأجيل هو الاطلاع على تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، المتوقع إصداره في نهاية عام 2018، في شأن آثار الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية وما يرتبط به من مسارات انبعاث غازات دفيئة.

من أجل توضيح حساسية هذا القرار، لابد من الاشارة إلى أنه أثناء مفاوضات باريس في عام 2015، كانت الأمور تسير باتجاه تعريف الغرض من اتفاقية باريس وهو الحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ولكن ضغوط الدول النفطية، أدت إلى صيغة توافقية من شقين: في الأول، اتفق على أن يكون الغرض من الاتفاقية هو الحفاظ على الاحترار العالمي دون الـ 2 درجة مئوية مع مواصلة الجهود لجعلها 1.5 درجة مئوية. وفي الشق الثاني، تمت دعوة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بعمل الدراسة أعلاه. وكما هو واضح، فإن قرار اجتماع بون بتأجيل النظر في نطاق المراجعة الدورية، يجدد التوجه إلى جعل سقف الاحترار العالمي عند الـ 1،5 درجة مئوية. وهذا التوجه مرتبط بتقليل الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري، وتباعاً تقليل الطلب على البترول والمشتقات النفطية.

هناك العديد من المبادرات العالمية لتقليل استهلاك الوقود الأحفوري بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن بينها مبادرة مهمة عام (Mission 2020) التي يتبناها مجموعة من الخبراء البارزين في مجال المناخ وقطاع الأعمال، وفي مقدمهم كريستيانا فيغيريس (Christiana Figueres) الأمين التنفيذي السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ. هذه المبادرة مبنية على نتائج دراسة حديثة عنوانها «2020: The Climate Turning Point». وقد شارك في إعدادها عدة مراكز بحثية مرموقة من بينها جامعة ييل (Yale University) ومعهد المناخ الجديد (New Climate Institute) ومعهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ (the Potsdam Institute for Climate Impact Research). تلخص هذه الدراسة أحدث الأسس العلمية لاتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاث الكربون ويوفر خارطة طريق حتى عام 2020. ومن بين أبرز توصياتها اخراج الوقود الأحفوري من منافسة الطاقة المتجددة في صناعات انتاج الكهرباء، وتبني وسائل نقل عديمة الانبعاث لجميع وسائل التنقل الجديدة في المدن الرئيسية.

في مقابل هذه الأنشطة المعادية لاستدامة استهلاك الوقود الأحفوري، هناك دراسات وأبحاث عديدة تستهدف تقليل انبعاث الغازات الدفيئة المرتبطة بدورة الوقود الاحفوري، وتطويرها لتكون أكثر صداقة مع المناخ، أو لتصبح خالية من انبعاثات دفيئة. ومن بين أبرز هذه الجهود، مشاريع احتجاز الكربون ثم استخدامه أو تخزينه (CCUS) في بعدين: الأول، زيادة مصادر الاحتجاز، حيث توصل الباحثين أخيراً إلى احتجاز الكربون مباشرة من الهواء عوضا عن احتجاز الكربون الناتج عن المصانع. والثاني، تقليل التكلفة الاجمالية، من خلال دمج عدة أنظمة ملوثة مع منظومة احتجاز الكربون، أو من خلال إيجاد تقنيات جديدة للاحتجاز ومنها ما أعلنت عنه مؤسسة هندية في بداية هذا العام.

على الرغم من وجود العديد من أنظمة احتجاز الكربون في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها تبدو خالية من استثمارات لتطوير التكنولوجيا المرتبطة بها وامتلاك حقوق ملكيتها. على دول الخليج أن تستثمر مئات الملايين - وقد تصل إلى مليارات عدة - في تكنولوجيات احتجاز الكربون، لما فيها من مصالح استراتيجية منها الاقتصادية مرتبطة بإطالة المدة المنظورة لاستهلاك البترول والغاز، فضلا عن بيع التكنولوجيات المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية. ومن المنافع الاستراتيجية الأخرى التعاطي الذكي مع المطالبات الدولية في شأن مساهمتنا الطوعية في جهود تخفيف الانبعاثات الدفيئة. لذلك أقول بوضوح، علينا أن نستثمر المليارات لضمان استدامة اقتصادنا، من خلال إنشاء مركز دراسات وأبحاث اقليمي من أجل امتلاك وتطوير تكنولوجيات احتجاز الكربون، مثلما نستثمر مئات المليارات لصون سيادتنا وحدودنا عبر التسليح... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك