لن تنتهي ويلات الأمم والشعوب ما لم تلتق الأخلاق بالسياسة.. كما يرى ناصر المطيري
زاوية الكتابكتب مايو 9, 2017, 11:59 م 789 مشاهدات 0
النهار
خارج التغطية- سياسة بلا أخلاق
ناصر المطيري
لو حاولنا تأصيل فكرة العلاقة بين السياسة والأخلاق نعود للماضي القديم وآراء الفلاسفة، فنجد مثلا أفلاطون الذي يرى ان أساس الحكم أربع فضائل هي الحكمة وهي الجانب الفلسفي، والشجاعة وهي الجانب الطبيعي، والعفة وهي الجانب النفسي، والعدالة وهي الجانب السياسي، ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن حكم الناس. وسار أرسطو على نهجه باعتباره السياسة تمثل الجانب الاجتماعي للأخلاق.
وفي صدر الاسلام ارتوت السياسة من فيض الأخلاق النبوية وارتقى رصيدها من واقع المزاوجة بين القول والعمل حيث استطاع النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يجمع حوله الناس بحسن الخلق: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». وكانت أعماله وأقواله النقطة التي التقت عندها السياسة بالأخلاق، اذ كان يأمر المسلمين - عامتهم وخاصتهم - بحسن الخلق «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا» وكذلك كانت ادارته لشؤون أمته وسار على هديه الخلف الراشدون والصحابة حيث كان السمو الأخلاقي هو الموجه للعمل السياسي آنذاك.
بيد أن الرصيد الأخلاقي للسياسة قد نفد لما جاهر المفكر الايطالي ماكيافيللي بالقطيعة بين السياسة والأخلاق، داعيا في كتابه وهو بعنوان (الأمير) الى «أن يستغل الحاكم من الصفات ما يشاء غير ناظر الى أي قيمة دينية أو أخلاقية فهناك من الفضائل ما يؤدي الى سقوط حكمه وهناك من اللافضائل ما يؤدي الى ازدهار حكمه وشعاره في ذلك: «الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعترف بالقانون» ان الفصل بين ما هو سياسي وما هو أخلاقي لا يؤدي الى انتاج العنف فقط على الصعيد الداخلي والخارجي بل الى تقويض أركان المجتمع الانساني وكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: «اذا كان العلم دون ضمير خراب الروح فإن السياسة بلا أخلاق خراب الأمة». ولاشك أن التراجع الأخلاقي في الحقل السياسي مرده الانتكاسات الأخلاقية للمجتمعات في هذا الزمن الذي سادت فيه لغة المصالح وحب الاستحواذ على القيم الانسانية، وطغت الجوانب المادية على الجوانب المعنوية الروحية التي تسمو بالخلق الانساني البعض يعرف السياسة بأنها «فن الممكن»؛ وعندما يكون الممكن هو الأخلاق تصبح السياسة قوة هدامة دون ضوابط وقيم تعتمد ثقافة الكذب والاحتيال، ويستعمر قلبها النفاق، وتغرق أوديتها فيضانات الفساد والعنف والانهيار الأخلاقي، حتى تتجرع البشرية بفضلها كاس الويلات والحروب والشقاء، وتصبح الديموقراطية سجينة أصحاب المصالح، فلا تعني أكثر من شعارات سياسية تجري وراء الأصوات الانتخابية حتى ولو كان ذلك على حساب دماء الناس وشقائهم.
لن تنتهي ويلات الأمم والشعوب ما لم تلتق الأخلاق بالسياسة، لابد من توحيد الهدف والمعنى بينهما، وربما تكون تلك دعوة نظرية لا تلامس الواقع الراهن ولكن تبقى مسؤولية على النخب الثقافية والاعلامية أن تحملها وتدعو اليها وتناضل من أجلها، لا أن تمارس تلك النخب الانزواء والسلبية فتتفاقم الأزمة الأخلاقية في العالم الذي يئن تحت وطأة الأنانية والانتقام والفساد.
تعليقات