الذكرى الثالثة لتولي الأمير مقاليد الحكم
محليات وبرلمانالشيخ صباح الأحمد أول حاكم يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة
يناير 29, 2009, منتصف الليل 1517 مشاهدات 0
التاسع والعشرين من يناير 2006م كان يوما هاما في مسيرة الكويت الحديثة، ونقطة تحول نحو ترسيخ الدستور في دولة بدأت بصورة متقدمة نحو خطوات تتجه للديمقراطية، حيث شهد ذلك اليوم تسلم حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم، بعد حصوله على ثقة الشعب في جلسة تاريخية لمجلس الأمة، حيث صوت الأعضاء بالموافقة بالإجماع على تنصيب الشيخ صباح الأحمد حاكما للبلاد، ولم يكن سموه بعيدا عن كل ذلك فسجله من خلال مواكبته لحكام الكويت منذ نيلها الاستقلال الحافل بالانجازات الكبيرة في هذا المضمار، إذ يعد سموه الحاكم الخامس عشر من أسرة آل الصباح والأمير الخامس في مسيرة الدولة الدستوري.
ففي تاريخ 14 فبراير 2001 قام بتشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن الشيخ سعد العبد الله الصباح بسبب ظروفه الصحية، وفي 13 يوليو 2003 تم تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء بعد اعتذار الشيخ سعد عن المنصب لمرضه، وشغل هذا المنصب حتى 24 يناير 2006 عندما نقل مجلس الأمة صلاحيات الحكم إلى مجلس الوزراء بسبب مرض الشيخ سعد العبد الله الصباح طيب الله ثراه، وقد اجتمع مجلس الوزراء بعدها و قرر اختياره ليتولى مقاليد الحكم في البلاد، وارسلت هذه التزكية إلى مجلس الأمة لعرضها في جلسة خاصة للبيعة، وحصل سموه على ثقة الشعب بالموافقة بالإجماع على التزكية.
وقد تولى سموه الإمارة في 29 يناير 2006، ويعد الحاكم الأول منذ عام 1965 الذي يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وقد تلا سموه كلمة أمام مجلس الأمة بعد توليه الحكم في تاريخ 29-1-2006م قال فيها:
إخواني وأبناء وطني الأحباء
إن الثقة الغالية التي أوليتموني إياها، هي شرف الأمانة التي أحمل في عنقي، وقدسية الوسام الذي أفاخر به على صدري، والقسم العظيم على التفاني في حب الكويت وأهلها المخلصين الأوفياء، الذين ضربوا بمواقفهم المسئولة المثل الرائع في إعلاء مصلحة الكويت فوق كل اعتبار، ونحمد الله تعالى على تلاحم وحيوية أهلها، وحرصهم على إرثهم الغني بالحكمة والشهامة والتجربة الرائدة في العمل الدستوري ، والممارسة الديمقراطية الواعية.
وفي هذا المقام ، أتقدم باسمي وباسمكم، وباسم أهل الكويت جميعاً، برسالة حب وتقدير ووفاء لأخي صاحب السمو الشيخ / سعد العبد الله السالم الصباح، الرجل المُعطاء لبلده من وقته وجهده وصحته، والبطل الذي زادته جراح الغزو الغادر قوة ومناعة وإصراراً على متابعة مسيرة النضال حتى التحرير وإعادة البناء والتعمير، رفيق الدرب لصاحب السمو الأمير الراحل رحمه الله، وشريكه في السرّاء والضرّاء ، صاحب المكانة العالية في نفوسنا جميعاً، ومالك القلب الكبير والشخصية المستقرة في قلوب الكويتيين، التي لم تكن لتستكين وتهدأ لولا حاجة صاحبها إلى الراحة، إنه قدر الله يسبق الجميع، وما شاء فعل، وسيبقى تاريخ الكويت نابضاً بذكراه العطرة، ومآثرها الحية.
لقد شهدت الكويت خلال الأيام الماضية تجربة دقيقة، حسمت بها أمراً بالغ الأهمية، ولئن صاحب تلك التجربة شيء من الألم والقلق، إلا أنها في محصلتها ذات وجه إيجابي ناصع، يمثل علامة صحة، وانتصاراً للنهج الديمقراطي الذي ارتضاه الكويتيون، وتكريساً حياً للشرعية الدستورية، مما جعل هذه التجربة موضع إشادة وتقدير العالم اجمع.
يحسب للشعب الكويتي الأبي ما أبداه من مشاعر الولاء والإخلاص والوفاء لوطنه ولرموزه الوطنية، وتجسيده التلقائي للوحدة الوطنية المعهودة، ويحسب كذلك لمجلس الأمة الموقر ـ رئيساً وأعضاءً ـ بما اتسمت به خطواته الحكيمة من وعي ورؤية وممارسة راقية، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، وذلك في إطار نظامنا الدستوري الراسخ، كما يحسب أيضاً للأسرة الحاكمة ما أكدته من حرص على وحدة الصف والكلمة، والتزام بثوابت الكويت الوطنية، مثمنين أيضاً بالتقدير الدور البنّاء لصحافتنا المحلية وما أظهرته من حرص وإدراك لمصلحة وطننا الكويت لدى تناولها ومتابعتها لتلك التجربة.
إنها الكويت، وأهل الكويت، بما عُرف عنها وعنهم من خصوصية متفردة، أرسى دعائمها الأولون، وتعززت واستقرت عبر الأجيال المتعاقبة، ويحق لكل كويتي أن يعتز بها ويفخر.
أيها الأخوة الأفاضل، بكم ومعكم ومؤازرة أبناء الكويت جميعاً، نبدأ كتابة صفحة جديدة في تاريخنا المعاصر، ونحن نتطلع إلى غد واعد بإذن الله، سائرون على خطى راحلنا الكبير رحمه الله ثمرة تجربة نستلهم منها الهدى والرشاد.
إن الآمال والطموحات كثيرة، والتحديات كبيرة، وعالمنا يموج بالتطورات والمتغيرات التي لا نملك الخروج عن دائرة ظلالها وتداعياتها، كما لا يخفي ما تشهده ساحتنا الإقليمية من مظاهر التوتر وعدم الاستقرار، مما يضعنا جميعاً في صلب مواجهة حقيقية لتحدياتنا.
وعلينا أن ندرك بأن التعاون الايجابي المثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قدر حتمي لتحقيق النقلة النوعية نحو التغيير والإصلاح، ودفع مسيرة البناء والتنمية إلى الأمام، وبأن الإرادة الوطنية الواعية سبيلنا إلى الإمساك بكافة مقومات النجاح والإبداع والتميز والتحلي بالمزيد من رحابة الصدر وتقبل الرأي الآخر، والتزام الموضوعية في مختلف الظروف والأحوال، وتغليب الصالح العام، ونبذ التحزب والأهواء الطائفية والقبلية والفئوية الضيقة، لتبقى الكويت دائماً هي الرابح الأول والأكبر.
وإنني على ثقة كاملة، وبتوفيق من العلي القدير، واهتداء بمبادئ ديننا الحنيف وشريعته السمحاء، وتمسكاً بنهج ودأب من سبقنا، وبتصميم لا يقبل ترف الإخفاق والتراجع، سنحقق بإذنه تعالى مجد الكويت الغالية، فيما نصبوا إليه من عزة وتقدم وازدهار.
والله نسأل أن يديم على وطننا نعمة الأمن والأمان، ويكون لنا خير سند ومعين على حمل الأمانة.
أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه هو الابن الرابع للمغفور له أمير دولة الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه، وهو من مواليد 16 يوليو عام 1929 , وقد تلقى دراسته الابتدائية في المدرسة المباركية في الثلاثينيات واستكمل دراسته على أيدي أساتذة في اللغة العربية والتربية الإسلامية والعلوم الأخرى, بالإضافة إلى دورات دراسية وتدريبية خارج الكويت.
وبالنسبة للمناصب التي تولاها سموه حفظه الله ورعاه فهي متعددة, ففي عام 1945م عين عضوا في اللجنة التنفيذية العليا, و في عام 1955 عين رئيسا لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل ودائرة المطبوعات والنشر, وكان عضوا في الهيئة التنظيمية للمجلس الأعلى الذي يساعد الحاكم في ذلك الوقت.
وإذا ذكرنا السياسة الخارجية الكويتية، فبلا شك أن صاحب السمو كان له باع طويل بها, حيث يرجع له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في تقوية هذا الجانب وعمل إستراتيجية وثوابت أساسية قوامها الالتزام بالقضايا العربية, وقد دعمها بالمحافل الدولية، حتى أصبح عميد السلك الدبلوماسي.
بعد استقلال دولة الكويت في 19 يونيو 1961 تم تشكيل الحكومة وحولت الدوائر إلى وزارات وعين فيها وزيراً للإرشاد والأنباء، كما كان عضواً في المجلس التأسيسي الذي كلف بوضع الدستور، وخلال توليه وزارة الإرشاد والأنباء ساهم في تطوير عدد من وسائل الإعلام، فكانت الوزارة تضم دار الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح والسياحة إلى جانب أقسام الرقابة على النشر، وهي الإدارات التي ساهمت في دحض الافتراءات على الكويت أثناء الأزمة مع عبد الكريم قاسم بعد الاستقلال.
كذلك برزت قدرته السياسية إبان الغزو العراقي للكويت، حيث استطاع إدارة المعركة الدبلوماسية وتمكن من تفنيد مزاعم وإدعاءات العدو، وكشف الحقائق للعالم، مما دفع الأغلبية الوقوف مع الكويت ومساندة قضيتها بجميع المحافل.
وقد عين وزيرا للخارجية في عام 1963, واستمر بها لفترة طويلة حتى عام 1991 لذلك يعتبر أقدم وزير خارجية في العالم, وبحكم منصبه كوزير أصبح عضواً في مجلس الأمة الكويتي، وكان خلال هذه الفترة يترأس نادي المعلمين الكويتي، وهو أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة بعد قبولها انضمام الكويت في 11 مايو 1963, إضافة إلى توليه منصب وزارة الخارجية خلال تلك الفترة قد تولى العديد من الوزارات الأخرى بالوكالة منها وزارة الإرشاد والأنباء ووزارة الداخلية وزارة الأعلام.
ومن خلال توليه منصب وزير الخارجية ورئيس اللجنة الدائمة لمساعدات الخليج العربي قام بإعطاء المنح دون مقابل للدول الخليجية، وقد امتد عمل اللجنة عندما تولى رئاسته إلى اليمن الجنوبي واليمن الشمالي وسلطنة عمان وجنوب السودان، وأنشأت الكويت مكتباً لها في دبي للإشراف على الخدمات التي تقدمها ومنها الخدمات الاجتماعية والتنموية.
وفي 20 أبريل عام 1991 خرج للمرة الأولى من الوزارة منذ استقلال الكويت, إلا أنه عاد للوزارة مرة أخرى في تاريخ 18 أكتوبر 1992م.
وفي فترة توليه دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل كان يبدي اهتماما بالمشاريع الاجتماعية، حيث كان يؤيد وضع القواعد التنظيمية من أجل إفساح فرص العمل الملائم للمواطنين وكان يساعد على استقرار العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وتنظيم الهجرات الأجنبية التي تدفقت على الكويت بعد استخراج النفط واستحداث مراكز التدريب الفني والمهني للفتيات ورعاية الطفولة والأمومة وتشجيع قيام الجمعيات النسائية ورعاية الشباب وإعداده نفسياً واجتماعيا وبدنياً والعناية بالمسرح وإنشاء الأندية الرياضية وإنشاء مراكز لرعاية الفنون الشعبية، وخلال عمله في إدارة المطبوعات والنشر أنجز العديد من الأمور، حيث في عهده تم إصدار الجريدة الرسمية للكويت تحت اسم 'الكويت اليوم' لتسجيل كافة الوقائع الرسمية، وتم إنشاء مطبعة حكومة الكويت لتلبية احتياجات الحكومة من المطبوعات وإصدار مجلة العربي وإحياء التراث العربي وإعادة نشر الكتب والمخطوطات القديمة وتشكيل لجنة خاصة لمشروع كتابة تاريخ الكويت، وإصدار قانون المطبوعات والنشر الذي ساهم بتشجيع الصحافة السياسية.
لقد كان له الدور المهم في الكثير من المجالات و خاصة التي تولى وزارتها، فسموه حفظه الله ورعاه ذو عقلية متطورة ونظرة بعيده, نكتشفها من خلال القرارات الحكيمة التي تصدر لتطوير العمل بالقطاعات المتنوعة.
وعلى الصعيد الدولي وخاصة العربي، ساهم سموه بتقريب وجهات النظر وحل مشاكل عديدة، ولعل آخر تلك المساعي هو ما شهدته القمة الاقتصادية مؤخرا، من مصالحة عربية بين السعودية وسوريا ومصر وقطر، كما صدرت عن القمة عدة قرارات تنموية واجتماعية يستفيد منها كل مواطن عربي.
تعليقات