يبدو أن مشروع تعديل المادة 79 من الدستور لن يجد طريقاً إلى النور في هذا المجلس.. يتوقع حسن العيسى
زاوية الكتابكتب فبراير 16, 2017, 12:13 ص 606 مشاهدات 0
الجريدة
أخر كلام-سيملؤون فراغكم
حسن العيسى
لا يبدو أن مشروع النائب محمد هايف بتعديل المادة 79 من الدستور بإضافة 'عدم جواز إصدار أي تشريع ما لم يكن متوافقاً مع الشريعة' سيجد طريقاً إلى النور في هذا المجلس، أو أي مجلس قادم في المستقبل 'القريب'، لكن هذا لا يمنع أن نضع مثل هذا المشروع نحو ما يسمى 'أسلمة القوانين'، كأن المطلوب أن تنطق القوانين بالشهادتين، لتتحول من حالة الكفر العلمانية إلى أنوار التقوى الإسلامية، أو مشروع آخر يطرحه فرد أو جماعة إسلامية نحو وضع أسس الدولة الدينية المتزمتة في إطار واقع الدولة الآن ومستقبلها.
ما يحدث وما يطرح هنا في الكويت أو في أي من العواصم الخليجية النفطية، الآن، بدرجة أكبر أو أقل، هو بداية انسحاب الدولة من برامج الرعاية الاجتماعية وتوفير الوظيفة المريحة والخدمات للمواطن من المهد إلى اللحد، والبدء في مشروعات الخصخصة بعد تهاوي أسعار النفط ودق نواقيس الحداد على دولة الرعاية المطلقة ذات الاقتصاد الريعي، مثل ذلك الانسحاب، الذي لا تملك السلطات الحاكمة أي خيارات برفضه، ينتقص من شرعية حكمها، ففي مثل دولنا، سواء بالخليج أو بدول عربية، مع استثناءات محدودة جداً، لا تقوم الشرعيات فيها على أساس العقد الدستوري الذي يتحقق بالتعددية وقوامها الأحزاب والانتخابات البرلمانية، بل على أساس عقد اجتماعي ضمني توفر فيه السلطة الرعاية الاجتماعية والوظيفة والمقابل المادي دون ضرائب مقابل صمت وقبول المواطن بالنظام وممارساته السلطوية.
صورة هذا العقد الاجتماعي تظهر بشكل كامل في دولنا النفطية الخليجية التي هي كاملة الدسم الريعي، وتظهر بدرجة أقل في بقية الدول العربية 'شبه الريعية'، التي يأتي بعض 'ريعها' من مساعدات شقيقاتها النفطية، وحين يتناقص هذا الريع والكفالة الاجتماعية تتناقص بالتالي معه شرعية النظام، ويعلو السخط عند المواطنين، وتصبح الأرض ممهدة للغليان الاجتماعي والتمرد أو الثورة، مثلما حدث في مصر وتونس على سبيل المثال، وكان الفساد المالي في مؤسسات الدولة وصمت النخب المتحلقة حول النظام والمستفيدة من فساده، والتي عادة تظهر نفسها بشكل علماني ليبرالي مشوّه يدور حول حلقة النظام الحاكم ويمسك العصا السياسية من منتصفها في عرضه لقضايا الدولة العويصة، هما الزيت الذي سكب على حرائق المعاناة والألم عند شعوبنا العربية.
انسحاب الدولة وتقلص دورها الاجتماعي بالتبعية يحدثان فراغاً في المكان، سارعت الجماعات والأحزاب الدينية إلى ملئه، فتلك الجماعات كانت لها أفضلية على غيرها في الزمن الماضي، حين كانت تعمل بحرية لنشر أفكارها القروسطية حين شجعتها أنظمة الحكم السلطوية لكسب الشرعية الدينية، التي كانت تسد نقصاً في الشرعية السياسية للنظام الحاكم، وفي الوقت ذاته شكلت تلك الجماعات والأحزاب الدينية تاريخياً نقيضاً للطرح القومي الاشتراكي أيام المجد التحرري في خمسينيات القرن الماضي حتى هزيمة 67، وأصبحت أيضاً يد السياسة الأميركية والدول العربية المحافظة في المنطقة، لصد التمدد السوفياتي وقمع الحركات التقدمية الوطنية. ومثال أفغانستان أول الثمانينيات لا يجب أن يغيب عن البال، كبرت تلك الأحزاب الدينية ونمت، لتصبح وحش العالم الأميركي فرانكشتاين وأعوانه من أنظمة الحكم العربية كي ننتهي الآن بـ'القاعدة' و'داعش'، غير القادم بالطريق حتماً حين يتم سحق هذين التنظيمين الأخيرين.
لنعد إلى مشروع النائب محمد هايف نحو استنطاق قوانين الدولة بالشهادتين، والذي لن يجد أرضاً يقف عليها في الوقت الحاضر، لكن في المستقبل ومع خواء الطرح الجدي المعارض لقضايا إنسانية من 'علمانيي وليبراليي' حفلات هلا فبراير وعيد فلانتين مثل سحب الجنسية وملاحقات أصحاب الرأي وغيرها من قضايا إنسانية غائبة عن مفرداتهم سيكون الأمر مختلفاً... سيكون هناك فراغ، وسيكون هناك من يملؤه.
تعليقات