دمارها يدمي كل قلب.. يتحدث حسن جوهر عن حلب
زاوية الكتابكتب ديسمبر 20, 2016, 12:22 ص 613 مشاهدات 0
الجريدة
حلب!
د.حسن جوهر
صورة واحدة قد تكفي أحياناً لتلخيص ما تسطره آلاف الأقلام ومئات التحليلات وعشرات المناظرات المتناحرة حول قضية واحدة، ولعل القضية الأولى التي تشغل عقول وقلوب وجوارح الملايين من البشر حول العالم هي 'حلب'.
الصورة لطفلة صغيرة بشعر أشعث تكسوها ثياب رثة بوجه اختطفه الذهول والرعب، يحملها رجل يفترض أنه جاء لإنقاذها في مكان تبدو عليه آثار الحرب والدمار، وقد اعتلت هذه الصورة كلمة 'حلب'، ونفس هذه الصورة بكل تفاصيلها تتكرر في نسخة ثانية باختلاف الرجل المنقذ، وقد كُتِب عليها 'الموصل'، وأيضاً ذات الصورة تتكرر في نسخة أخرى كما هي، ولكن بمنقذ ثالث وقد كتب عليها 'اليمن'!
من حيث يعلم أو لا يعلم من صنع هذه الصورة أو مَن فبركها أو استغلها ثلاثاً، فهي تعكس الواقع المر سواءً كان في سورية أو العراق أو اليمن أو أي مكان آخر، فالأطفال هم وقود حروب الساسة والمعادلات الدولية وصفقات المصلحة والتآمر، لكن الواقع المزري الآخر هو استغلال الطفل ومأساته والمتاجرة بآلامه وجسده البريء وبراءته الطاهرة.
الحرب الطائفية المستعرة على خلفية حلب هي أكبر جريمة في المتاجرة السياسية بحلب وأطفال حلب، فالضحايا جرفهم أتون الحرب وغيبهم الموت والدمار والتشريد إما بالمدافع أو القصف وإما بالسكاكين والسيوف، ولا أحد، أياً كان، يجرؤ على الاحتفال وإظهار الفرح والغبطة بموت الأطفال على أتون وقع المعارك في حلب ونتائجها السياسية والعسكرية، ومن يحمل ذرة من هذا اللون من التشفي أو إظهار السرور لأن أطفال حلب قد قتلوا أو شردوا أو عاشوا بلا مأوى أو طعام، فهذا ليس من صنف البشر مهما كان يحمل من معتقد ديني أو قومي أو أخلاقي أو إنساني.
لكن ضرورات السياسة والإعلام تحتاج إلى تخريجات كهذه، فنتائج الحرب في حلب لم توثق بعد، ولابد من حصر الخسائر البشرية، ولاسيما المدنيين منهم من جهات حقوقية ومحايدة، وتحديد من ارتكب بحقهم المجازر والبطش وليحاسب المعتدي، وتبادل الاتهامات لن يجدي إلا المزيد من التأجيج والصراع والتعبئة الطائفية، فاتهام الحكومة السورية وحلفائها من الدول أو المقاتلين يقابله اتهام الجماعات المسلحة المصنفة إرهابية بقرارات أممية أو المعتدلة وحلفائها أيضاً من الحكومات أو المقاتلين من مختلف دول العالم.
إنها المتاجرة السياسية بالأطفال، ففي حين أن وسائل الإعلام في قمة التأجيج ووسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى براكين، وخطب المشايخ والسياسيين لا تكاد تتوقف، فإن ميدان حلب يقتصر على توفير الباصات الخضراء لتأمين ترحيل المسلحين وعوائلهم وأموالهم وسلاحهم، بينما أطفال حلب، وهم أصحاب العزاء لا عزاء لهم، وهذه الصفقة تتم باتفاق الروس والأميركان، بينما لم نرَ قطرة ماء أو قطعة خبز أو بطانية وصلت إلى حلب أو أطفالها!
حلب، وإن انتهى بها القتال، فإن دمارها يدمي كل قلب، ومع ركام حلب سوف تنتقل عدوى الحرب إلى مدن سورية أخرى كإدلب والرقة ودير الزور، فضلاً عن العشرات من المدن العربية الأخرى المنسية بآلامها وأرواح أطفالها، وبمثل هذه العقلية والقلوب المتأبطة شراً وحقداً لن يمكن إنقاذ طفل واحد، وسوف يبكي الجميع إما متفرقين في كل مرة أو معاً في نهاية المطاف، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
تعليقات