الحروب الفوضوية

زاوية الكتاب

اضافة عراقية من رحم الواقع- يدونها فهران الصديد

كتب 1630 مشاهدات 0


في الكتاب الذي نشرته دار ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع مؤخرا والمعنون – مبادئ الاستراتيجية – دراسة في مفاهيم القوة والصراع الدولي . للأستاذ الدكتور سرمد أمين وقفت كثيرا عند اضافته النوعية للأنماط المعروفة للحروب التي عرفها العالم والتي أرخ لها المختصون في هذا المجال والتي تحفل بها الكثير من الكتب والدراسات التخصصية في علم الاستراتيجية أو فنون الحرب . و بقدر ما أرعبني حقيقة مشهد هذا النوع من الحروب خصوصا وانه يمثل دروس مستنبطة للصدامات المسلحة والمواجهات العسكرية التي يدور أغلبها ان لم يكن جميعها في منطقتنا و بلداننا على وجه التحديد ، بقدر ما أثار المؤلف وهو صديق عزيز اعجابي ودهشتي لدقة وصفه لهذا النوع من الحروب و جرأته في صياغة تعريف علمي لها وتحديد خصائصها وما يمكن ان يترتب عليها من نتائج على مختلف المستويات سياسيا وأمنيا واقتصاديا ومجتمعيا و بطريقة تجعلنا أمام سبق علمي نظري في الدراسات الاستراتيجية والعلوم العسكرية يقدمه كاتب متمرس ومحترف يعرف غايته مما يكتبه. ورغم كل ما حفل به الكتاب من مواضيع نظرية الا انني أدعوكم لقراءة أروع فصول هذا الكتاب وهو الفصل الخاص في موضوعة الحرب لا لكي تتطلعوا على السبق العلمي والأكاديمي للمؤلف ولكن لكي تعرفوا حقيقة ما يجري في البلدان العربية منذ الربيع العربي المشئوم . واليكم مقتبس من فكرة الحروب الفوضوية أو المختلطة كما جاء في الكتاب.
الحروب المختلطة أو الفوضوية.

هي احدى نتاجات ما بعد حرب عاصفة الصحراء أيضا وتحديدا ما بعد حرب احتلال العراق عام 2003. ويمكن تعريفها بأنها ' صراع مسلح بين أطراف مختلفة ومتداخلة مع بعضها يتم فيها توظيف كل أدوات القوة العسكرية المتاحة في ظل غياب تام للروادع القانونية والأخلاقية المتعارف عليها في قواعد الاشتباك التقليدية وغياب مماثل لهوية الاطراف المشتركة في الصراع وانقطاع صلتها بالهدف السياسي الذي يعد من اختصاص الدولة نتيجة تعدد الأهداف التي يسعى كل طرف الى تحقيقها'.
وفي مثل هذه الحروب يتداخل البعد العام بالخاص على طرفي النزاع المسلح حيث تقاتل الجيوش النظامية لدولة واحدة أو اكثر ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) الى جانب مليشيات مسلحة متنوعة الخلفية والهوية خصوما من نفس الطبيعة، ويختلط فيها البعد المحلي بالبعد الاقليمي والدولي حيث يتشارك المقاتلين من مختلف الجنسيات خندقا قتاليا واحدا ومن الصعب أن يتم تحديد هوية كل طرف على جانبي الصراع المسلح حيث تختلط قوة الدولة المسلحة بقوات لا علاقة لها بالدولة نفسها ولا تؤمن حتى بهدفها من الحرب التي تخوضها وفي الغالب لا تخضع في قواعد الاشتباك لإمرة القوات المسلحة للدولة وتفرض لنفسها مراكز قيادة وسيطرة وتوجيه مستقلة تماما عن تلك التي تعتمدها الدولة التي يجري النزاع على أراضيها، يقابلها طرف أو أطراف أخرى تعمل بنفس المنطق في ادارة الصراع المسلح مع الخصم. وبهذه الصورة تختلط الصور وتتداخل المواقع وبصعب تحديد الهدف السياسي من الحرب نتيجة لغياب مركزية الدولة وتشتت الأهداف والغايات والمصالح العليا التي تسعى كل حرب الى تحقيقها.

ويمكن تحديد خصائص هذا النوع من الحروب بالآتي:
- أن الدولة وقوتها العسكرية تعد طرفا فقط في مثل هذه الحرب وربما تكون الطرف الأضعف فيها حتى في مواجهة حلفائها في نفس الخندق.

ان لكل طرف فيها حتى في الخندق الواحد أهدافه التي تتمايز عن أهداف الآخرين سواء كانوا خصوما أو حلفاء.
- ان الحرب الفوضوية لا تخضع لقرار وقيادة عسكرية موحدة وانما ينشأ بين اطرافها نوع من انواع التنسيق وحسب ضرورات ومتطلبات كل معركة على حدة.
- أن نوعية التكتيكات المستخدمة في هذه الحرب ترتبط بقرار كل طرف وحسب رؤيته وحساباته لكل معركة وطبيعة ونوع السلاح الذي يستخدمه ومستوى التدريب لمقاتليه والهدف الذي يسعى الى تحقيقه من كل معركة ومن الحرب بشكل عام.

ان أدوات وسلاح هذه الحروب يختلف باختلاف الاطراف التي تخوض الحرب حتى في الخندق الواحد.
- ليس هناك اتفاقا ملزما لأطراف الحروب المختلطة أو الفوضوية بانهاء التزامهم العسكري في مواجهة الخصوم، اذ يحق لك طرف أن يقرر لنفسه الوقت المناسب للاشتراك فيها أو الخروج منها على عكس الالتزام الذي يفترض توافره في الحروب التقليدية من جانب القوات المسلحة التي تخوض الحروب تحت قيادة موحدة لها صلاحية كاملة في اتخاذ قرار الحرب أو انهائها.

وقد يكون مناسبا التذكير بأن مثل هذه الحروب لاتعبأ كثيرا بالقوانين التي تخضع لها قواعد الاشتباك في الحروب المألوفة ولا تعير اهتماما للالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على أطراف النزاعات المسلحة بالنسبة الى وضع المدنين في هذه الحروب أو القيود المفروضة على استخدام الأسلحة المحرمة دوليا أو انتهاك حقوق الانسان بأساليب مروعة خصوصا وأن هوية أطرافها غير معلومة ومتداخلة وذات طبيعة غير محددة سياسيا أو جغرافيا.
- غالبا ما يكون الهدف الأساس من هذه الحروب هو الانتقام على أسس ضيقة ( دينية أو مذهبية أو عرقية او قبيلية تتجاوز في دافعها أحيانا الأطر المحلية )

ويعد هذا النوع المستحدث من الحروب هو الأقسى في نتائجه على الدولة كمؤسسة حيث تنتزع الأطراف المشاركة لها في الحرب قرارها السيادي على أرضها تدريجيا، وعلى المجتمع حيث تغيب عناصر التلاحم الوطني نتيجة تشرذم الناس بين الفرقاء المتقاتلين وتضيع معها عناصر الوحدة الوطنية وخصائص الهوية الوطنية الجامعة، وعلى الوطن أيضا حيث يصبح عبارة عن مربعات أمنية للفصائل المتحاربة بما يجعله أقرب الى التفتت منه الى البقاء كوطن موحد.

ورغم مايقال عن تشابه الظروف بين الحروب المختلطة أو الفوضوية وبين الحروب الأهلية الا أنها تتميز عنها بأن المقاتلين فيها ليسوا من جنسية واحدة كما أسلفنا، اضافة الى أن الجيوش النظامية تعد طرفا في الحروب الفوضوية وبشكل سافر وصريح وبمعية أطراف محددة بالضد من الأطراف الأخرى حتى وان كانت من أبناء البلد نفسه، في حين تنأى الجيوش النظامية في الحروب الأهلية بنفسها عن المشاركة مع أحد أطرافها. وحتى في حالة حصول ذلك فانه يجري بصورة سرية وغير مباشرة لأنه يمثل خروجا عن قيم العسكرية وعن مهام الجيوش الوطنية المفترضة في مثل هذه الأحوال والمتمثلة في الفصل بين المتقاتلين واستعادة زمام المبادرة القتالية من يد الفرقاء في الميدان واحتكار عنصر القسر والاكراه لمصلحة الدولة.

م. فهران حواس الصديد

كتب: فهران الصديد

تعليقات

اكتب تعليقك