بث البذور في مواسم الحصاد

عربي و دولي

ضم العراق لمجلس التعاون

843 مشاهدات 0





عندما وضعت سنة 2008م عصى الترحال على كتفيها  مودعة العالم، ارتفعت أهازيج العراقيين معلنة بداية طقوس وضع البذور في الوقت الذي كان فيه المراقبون يتوقعون سماع أهازيج مواسم الحصاد . ففي نهاية نوفمبر 2008م جرى التصديق على اتفاق انسحاب القوات الأمريكية Withdrawal of United States Forces ،و اتفاقية الإطار الاستراتيجي  Strategic Framework. وبعد أقل من أسبوعين ناشد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس Dr. Robert M. Gates  دول الخليج ضم العراق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبعد يومين من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بدأ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي زيارة إلى إيران .
لقد كان من المؤمل أن يأتي الاتفاق كحصاد لسنين تحرير العراق المريرة التي امتدت منذ 2003م حتى الآن ،لكنه جاء كبذرة لأزمة قادمة داخل وخارج العراق، فقد أعرب العديد من العراقيين عن جهلهم بمضمون اتفاق انسحاب القوات الأمريكية، ومضمون اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وقد كانت الاتفاقية في أجوائها العراقية محور جدل متنوع حتى حول اسمها،حتى استقر على مسمى اتفاق انسحاب بدل مسمى اتفاقية أمنية ، بل إن جهات قالت إن العراق لازال تحت وصاية البند السابع للأمم المتحدة،فكيف يحق لحكومة غير كاملة السيادة أن توافق على اتفاقية مع طرف آخر محتل ثم البقاء في العراق لمدة ثلاثة أعوام تنتهي في 31 ديسمبر 2011.
البذرة الثانية التي تم وضعها في غير موسمها كانت أمام مؤتمر حوار المنامة الاستراتيجي حول أمن الخليج Manama Dialogue 12 - 14 December 2008   حيث ناشد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس دول الخليج لضم العراق إلى مجلس التعاون، وإسقاط الديون الخليجية عليه وعدم تركه وحيدا لمواجهة النفوذ الإيراني، مشيرا إلى أن طهران تسعى لممارسة هذا الدور وتحاول التأثير على مواقف وسياسات الحكومة العراقية، واعتبر أن هذا الدعم من شأنه أن يعيد العراق كي يلعب دورا إيجابيا في الإطار الإقليمي .
وقد يقول قائل إن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي السفير عبد الرحمن العطية قد كفانا الرد على  وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، حيث قال أن الظروف غير مهيأة حتى الآن لانضمام العراق إلى المجلس.  ونضيف لما سبق،إن دعوة غيتس لم تكن إلا تسويق للاتفاق الأميركي العراقي ، بل لن نجانب الصواب إذا قلنا أنها تكتيك تفاوضي حتى نقبل بأقل الشرين،وهي المباركة للعراق بالاتفاقية الأمنية ونبارك للولايات المتحدة بحصولها في بغداد على اكبر سفارة في العالم قاطبة بمبنى مساحتة 104 فداناً بحجم 80 ملعب كرة قدم،ويفوق الفاتيكان حجماً، ويضم 21 مبنى. نبارك بدل ضم العراق للمجلس ثم نقوم بإلغاء الديون على العراق ونبدأ بإعادة سيناريو دعم صدام ضد إيران في الثمانينات تحقيقا لرغبة غيتس في عدم ترك العراق وحيدا لمواجهة النفوذ الإيراني.
إن دول الخليج حاليا على إدراك تام بأنها إن كانت ملزمة بالبحث عن  فتوة لحمايتها من إيران، فعليها تعيين حارس متمرس ومعه  مظلة نووية من مشاة البحرية الأميركية وهو موجود في عريفجان والسيلية، أومن الفرقة الأجنبية الفرنسية في القاعدة البحرية في ابوظبي أو من جرذان الصحراء البريطانيين في البحرين ومسقط ، بدل تعيين أحد منتسبي الحرس الجمهوري الذي لايحمل إلا أوسمة أم المعارك بهزائمها الثلاث .
إن ما يحول دون دخول العراق مجلس التعاون هو مستقبل نظام بغداد السياسي الذي لم يحسم بعد، والعراق بدخوله  المجلس سيكون بخلافاته  مع إيران وتركيا  وسوريا عبء استراتيجي على دول المجلس لا سند لهم . ومالم يقله العطية هو إن 'دبلوماسية الأدب الجم' الخليجية لم تنجح في تجاوز الخلافات الخليجية الخليجية داخل المجلس نفسه، فكيف سيتغلب المجلس على الخلافات العراقية مع دول المجلس أو مع دول من خارجه .  إن الإصرار الأميركي على دخول العراق مجلس التعاون سيعيد تكرار سيناريو تركيا ولاتحاد الأوروبي، والأقرب من ذلك سيناريو اليمن والمجلس نفسه ،كما أن دخول العراق بتركيبته المختلفة عن تركيبة دول المجلس السياسية والاقتصادية والاجتماعية لن يتقبله الخليجيون بسهولة،بل أننا نجزم أن مجرد ممارسة العراق لدوره في مؤتمرات القمة الخليجية سينظر اليه كما لو كان تدخل في الشأن الخليجي .
دور القلق التاريخي في صياغة نظرية الأمن الكويتية لن يتراجع بعد غض البصر عن هذا التوجه مرتين بعد أزمة قاسم 1961م،وعليه سنضل قلقين، بل إن الاتفاق العراقي الأميركي لم يخضع لدراسة خليجية وافية حتى الآن ،والنظر اليه في الأفق الخليجية يطرح تساؤلات إستراتيجية على قدر عظيم من الأهمية ، فقد نص الاتفاق على أنه في الأول من يناير2009 سيعود المجال الجوي العراقي إلى السيطرة العراقية ،كما سيستعيد العراق سيطرته على الترددات الجوية. وقد لا يخيفنا العراق وهو جمهورية اتحادية علمانية ديمقراطية، لكن الفوضى السياسية في غياب الموازن الأميركي Equalizer  هناك قد تغير أجندته بالكامل و تحول العراق إلى جمهورية رعب علمانية دينية قومية دكتاتورية- مجتمعة او متفرقة- تملك الذراع الطويلة بالطائرات الأميركية التي تمت الموافقة على توريدها، ثم تنكص تلك الجمهورية على أعقابها عن كل اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية  فتصبح طائرات إف F-16  Fighting Falcon  من سهم في جعبتنا إلى سهم في نحورنا كما حدث مع  طائرات الاف Tomcat, F14  في إيران بعد سقوط الشاه . يضاف إلى ذلك فرضية سيطرة جمهورية دكتاتورية على الترددات الجوية وهي بلا شك حق سيادي،لكن التشويش والإعاقة الإلكترونية كانت إبرة الغدر التي شلت الكويت في صبيحة الخميس الدامي في 2 أغسطس 1990م وستكون كذلك في يد طاغية جديد. و قد لاتكون القوات العراقية جاهزة حاليا لشن أي عدوان خارجي لكنها قد تكون بعد ثلاثة أعوام ،مع الأخذ بعين الاعتبار أن بنود الاتفاقية تعطي الحق للعراق في إلغاء الاتفاقية بعد إمهال الطرف الآخر سنة واحدة فقط ، حينها سيعود  العراق إلى خرائط العمليات في غرف الحرب الخليجية كعدو محتمل.
ثم يصل التسويق العراقي ولأميركي لنتائج اتفاق انسحاب القوات الأمريكية و اتفاقية الإطار الاستراتيجي لإيران. حيث توضع البذرة الثالثة وهي تحميل دول الخليج جزء من مسئولية مستقبل نظام بغداد السياسي الغير مستقر . لقد أظهر العراقيون أنفسهم كجار مخلص أمين لإيران وهم يسوقون أنفسهم ، وربما يرجع ذلك لما تمثله إيران من  عمق استراتيجي عقائدي لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ،حيث إن هذه هي الزيارة الرابعة له منذ توليه منصبه، حتى اعتقدنا انه رئيس وزراء لبناني عليه شد الرحال إلى دمشق في كل منعطف تتوقف فيه مسيرة حكومته ، حيث كان يترجم  في حينها رفض دمشق للزيارة كعقاب لطالبها . وبالمثل تأجلت زيارة المالكي إلى طهران، وكان آخر أعذار تأجيل الزيارة رفض إيران استقبال طائرته بشرط أن تقلع من بغداد بعد تفتيشها من قبل  قوة عسكرية إيرانية  تتواجد هناك مهمتها تفحص الطائرة قبل إقلاعها باتجاه الأجواء الإيرانية، وقد تم الإعلان عن إن هذه الزيارة تقع ضمن اطلاع دول الجوار على نتائج التوقيع على الاتفاقية ، ورغم ذلك لم يشفع للمالكي حجه إلى طهران،فقد وصف رئيس مجلس الشورى على لارجاني الاتفاقية بالاستسلام .وبالإضافة إلى أن المالكي لم يقم بزيارة أحد في هذا الشأن إلا إلى إيران  فقد راحت أطراف عراقية تتحدث  عن وصول إيران والولايات المتحدة إلى نقطة مشتركة، حيث أدرك الطرف الأميركي حقيقة إن انعدام الأمن في العراق هو راجع لتدخل دول عربية مجاورة وليس إيران، وأن الإدارة الأميركية كانت تستقي معلوماتها بشأن العراق من أطراف عربية غير محايدة، كانت تقدم قرائن تحريضية مزيفة صاغتها الاستخبارات  في الدول العربية المجاورة لإيجاد الوقيعة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
وبين دعوة غيتس لدول الخليج بعدم ترك العراق وحيدا لمواجهة النفوذ الإيراني، وبين استبشار فريق المالكي بوصول إيران والولايات المتحدة إلى نقطة مشتركة، تطل علينا تساؤلات ملحة حيال قراءة الاتفاق العراقي الأميركي. فما هذا التناقض وهل هناك تجندة غير المعلنة ؟ وما الهدف الاستراتيجي الأساسي من الشراكة الأميركية العراقية؟ وأين موقعنا منها ؟ وهل سنقف نحن والعراق في العشر سنوات القادمة على نفس المسافة من الولايات المتحدة ؟ وهل  ينبغي أن يكون التعامل مع العراق على اعتباره شريكا أم خصماً استراتيجياً؟ ولماذا يتجاوز العراق جامعة الدول العربية كإطار يضمنا معه  ليتوسط له الأمريكان لدخول مجلس التعاون ؟ ...

 

د.ظافر محمد العجمي- الكويت

تعليقات

اكتب تعليقك