القرارات الحكومية و التشريعات النيابية باتت تفصّل وفق قياسات تنفيعية خاصة.. برأي حسن جوهر

زاوية الكتاب

كتب 342 مشاهدات 0

د. حسن جوهر

الجريدة

زوايا ورؤى- التأمين الصحي للمتقاعدين... بالأرقام!

د. حسن جوهر

 

تم تناول قانون التأمين الصحي للمتقاعدين من عدة جوانب، أغلبها يتعلق بالبعد السياسي ومدى تلبيته لاحتياجات المتقاعدين الفعلية في العلاج والرعاية الطبية المناسبة، وبشكل إجمالي جاءت ردود الفعل سلبية جداً تجاه القانون، فكالعادة كانت الإسقاطات الساخرة والحس الفكاهي سيدة الموقف، خصوصاً فيما يتعلق بالبند الخاص بتغطية الحمل والولادة، وهو أمر بلا شك مثير للغضب والاستهجان.

لا نلوم الرأي العام الكويتي المحبط وردة فعل الأغلبية من المواطنين على الكثير من القرارات الحكومية أو التشريعات النيابية التي باتت تفصّل وفق قياسات تنفيعية خاصة، ولا نلوم ارتفاع وتيرة الغضب جراء توقيت هذه المنافع مع سياسات التقشف ومحاولات استغلال المواطن العادي تارة بجعله البقرة الحلوب ومد اليد إلى جيبه مباشرة عبر زيادة الأسعار ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، وربما يصل الأمر إلى تقليص الرواتب، وتارة أخرى من خلال استغلال هذا المواطن نفسه باسم تقديم الخدمات له عبر قوانين مثل التأمين الصحي.

لنرَ، عبر لغة الأرقام، مدى استغلال المتقاعدين باسم التأمين الصحي، حيث يصل عدد المؤمَّن عليهم 107 آلاف مواطن ومواطنة من الفئات العمرية المختلفة، وقيمة التأمين على كل متقاعد تساوي 700 دينار، أي ما مجموعة 75 مليون دينار سنوياً، ومقابل كل مؤمَّن عليه يبلغ رصيد التأمين على علاجه 17 ألف دينار سنوياً، أي ما مجموعه نحو 2 مليار دينار!

إذا أخذنا التقسيمة العمرية للمتقاعدين، بحسب إحصائيات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، فإن العدد الإجمالي للمتقاعدين فوق عمر الستين سنة يبلغ 28.500 مواطن لا غير، أي ما نسبته 26 في المئة فقط من مجموع المتقاعدين، وهذه الشريحة يفترض أنها الأكثر عرضة للأمراض والحاجة إلى رعاية طبية حقيقية، في حين أن ثلاثة أرباع المتقاعدين يفترض أن يكونوا بحالة صحية طبيعية بوجه عام، ومعنى ذلك أن 75 في المئة من المبلغ الخيالي المرصود للتأمين، أي مليار وربع المليار دينار سوف تكون بمنزلة وديعة ثابتة سنوياً لشركات التأمين والمستشفيات الخاصة.

من الجانب الطبي، فإن الخدمات التي تقدم من خلال قانون التأمين الصحي للمتقاعدين لا تتجاوز ستة أنواع من الرعاية الأولية باستثناء الجراحة ودخول المستشفى، وهي خدمات عادية جداً لا تختلف عما تقدمه المستوصفات أو المراكز الصحية في الكويت، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن حوالي 90 ألفاً من المتقاعدين، وهم دون سن الستين، من المستفيدين من هذه الرعاية البسيطة، فإن ميزانية قدرها 1.5 مليار دينار سنوياً ستصب في جيوب العيادات والمستشفيات الخاصة، وهذا الرقم يفوق ميزانية وزارة الصحة! أما العمليات الصعبة والحالات الطارئة والعناية المركزة، وهي ذات الكلفة العالية، فسوف تحولها المستشفيات الخاصة مباشرة إلى القطاع الحكومي بحجة عدم توفر الإمكانيات. وباختصار فإن قانون التأمين الصحي سوف يصرف ما قيمته 2 مليار دينار على القطاع الخاص لعلاج حالات الإنفلونزا والكحة وتسوس الأسنان بميزة واحدة فقط، وهي الخدمة الراقية والابتسامة العريضة من قبل مسؤولي العلاقات العامة والهيئة التمريضية!

أليس الأولى أن تخصص هذه المبالغ لبناء أكبر المدن الطبية وأكثرها فخامة ورقياً في التقنية الطبية باسم الكويت وأهلها؟! وأخيراً نقول إن أفضل تأمين صحي يغطي العلاج الشامل والذهبي داخل وخارج الكويت لا يتجاوز 300 دينار كويتي، فما بالك لو تم الاتفاق على تأسيس شركات تأمين صحي متخصصة، وأسهمها مملوكة للمواطن نفسه، فهل عرفتم أين التنفيع؟!

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك