الآثار الأوروبية للخروج البريطاني ...يكتب د. أحمد عبد الملك
زاوية الكتابكتب أغسطس 18, 2016, 3:05 م 345 مشاهدات 0
ما زالت أصداءُ قرار بريطانيا الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي تتوالى وتتشعب! فعقب استفتاء الخروج شهدت شوارع لندن مظاهرات مُطالبة بعودة بريطانيا عن قرار الانسحاب من الاتحاد. ولقد تفننَ المحللون في تدبيج «احتمالات» ودوافع بريطانيا لطرح موضوع الاستقالة من الاتحاد، رغم التبابين في مواقف مكونات المملكة المتحدة، ومنها أيرلندا الشمالية واسكتلندا المؤيدتين لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد.
وفيما يرى بعض المحللين أن قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد جاء استجابة لدوافع مادية بحته، ذكرَ آخرون أن لبريطانيا وجهة نظر قد لا يقرؤها المحللون بصورة واضحة الآن، وأنها تُخطط للمستقبل أكثر من نظيراتها في الاتحاد، فيما يتعلق بالمحافظة على الكيان السياسي والانسجام الاجتماعي، بعيداً عما يحدث في بعض بلدان الاتحاد من دخول غير مُنتظم لمئات الآلاف من المهاجرين، ما يساهم في تفكيك المجتمع وفي بروز نزعات إثنية وعقائدية في قادم الأيام، وأن بريطانيا استبقت الأحداث وقرأت أوراق المستقبل تفكُكٍاً محتملا للاتحاد الأوروبي.
ورغم بعض التكهنات حول إمكانية إعادة الاستفتاء حول موضوع الانسحاب، فإن استطلاعاً للرأي نشرت نتائجه صحيفة «تلغراف» البريطانية أوضحَ تقدُّم مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد بنسبة 53%، مقابل 46% مع المغادرة.
وكان وزراء خارجية الدول الست (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، هولندا، لوكسمبورغ) قد اجتمعوا في برلين يوم 25 يونيو الماضي لبحث نتائج الاستفتاء حول وضع بريطانيا في الاتحاد، وسط خشية من أن تحذو دول أخرى في الاتحاد حذو بريطانيا، ما يهدد بقاء الاتحاد، وأشار وزير خارجية إيطاليا (باولو جنتيلوني) إلى أهمية مواصلة الاتحاد مسيرته مع 440 مليون نسمة من 27 دولة، لكنه لم يُغفل آثار الانسحاب البريطاني «لأن المملكة المتحدة ليست عضواً عادياً، بل كان لها وزن كبير، سواء على مستوى الأسواق المالية أم الثقل الدولي».
وعشية القمة الأوروبية في بروكسل مؤخراً، أشار رئيس وزراء بريطانيا (ديفيد كاميرون) إلى أن بلاده لن تدير ظهرها لأوروبا، وشدَّد على أن الدول الأعضاء الـ27 الأخرى «هي جيراننا وأصدقاؤنا وحلفاؤنا وشركاؤنا».
أما نواب البرلمان الأوروبي فأشاروا إلى أن «الرغبة التي عبّر عنها الشعب البريطاني يجب احترامها». ومعلوم أن المادة 50 من معاهدة لشبونة تحكم قرارات الانسحاب من الاتحاد، ولا بد للدولة التي تقرر الانسحاب أن تطبّق تلك المادة. وكان وزير المالية البريطاني (جورج أوزبورن) قد حذّر مؤخراً من أن بريطانيا لن تطبّق المادة 50 لمغادرة الاتحاد إلا في «الوقت المناسب» (!)، أي مع «توافر رؤية واضحة للترتيبات الجديدة مع جيراننا الأوروبيين».
ويُقدر الخبراء القانونيون أن إجراءات الخروج قد تستغرق عامين على الأقل، نظراً لتعقد المسألة، فيما اعتبر بعض مسؤولي المفوضية الأوروبية أن الأمر غامض فيما يتعلق بالانسحاب، وهذا ما عبّر عنه رئيس المفوضية الأوروبية (جان كلون يونكر). أما رئيسة الوزراء الألمانية (أنجيلا ميركل) فكانت أكثر وضوحاً عندما قالت: «إن بريطانيا لا يمكنها اختيار الاحتفاظ بامتيازاتها مع التخلي عن كل واجباتها». وهذا ما يُفسِّر القلق الألماني من خطوة بريطانيا.
وما زاد في تعقيد موقف الحكومة البريطانية، الاستفتاءُ الشبابي الذي يطالب بإجراء استفتاء آخر، حيث تم جمع 2ر3 مليون توقيع لصالح هذا الإجراء.
من جانبه حذَّر الرئيس الأميركي (باراك أوباما) من «الهستيريا» بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «ولكأن حلف الأطلسي قد انهار! وأن كل دولة تدفع باتجاه الزاوية الخاصة بها، وهذا ليس ما يحدث». وأضاف أوباما: «يمكن النظر إلى التصويت كرد فِعل لنمو الاتحاد الأوروبي الذي ربما يتحرك بشكل أسرع، ودون الكثير من الإجماع». كما قللَ أوباما من نتائج خروج بريطانيا، وشبَّهها بالنرويج التي هي ليست عضواً في الاتحاد، لكنها تلعب دوراً أساسياً على مستوى القارة.
ويسود اعتقادٌ في أوساط المؤيدين للانسحاب، بأن اتساع نطاق الاتحاد من 6 دول منسجمة جداً إلى 28 دولة متفاوتة في القدرات والأوضاع الاقتصادية، قد أثقلَ الاتحاد بتبعات اقتصادية. وكون بريطانيا تُدير 40% من المعاملات الاقتصادية الأوروبية، فإن خروجها حتماً سوف يؤثر على بقية الاقتصادات، خصوصاً إذا ما خرجت من السوق الأوروبية المشتركة.
ويوم الأربعاء 13 يوليو الماضي، تولّت «تيريزا ماي» رئاسة الوزراء في بريطانيا، بعد أن كانت وزيرة للداخلية. وتُعتبر ماي شخصية توافقية في «حزب المحافظين» وعليها تقع مسؤولية التفاوض بشأن خروج بريطانيا، مع أنها وقفت إلى جانب كاميرون المؤيد لخيار البقاء في الاتحاد.
تعليقات