التخبط الحكومي في ملف «البدون» لم يكن ليستمر لولا التقاعس البرلماني.. بوجهة نظر عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب أغسطس 17, 2016, 11:38 م 641 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- دشتي والأقربون
د.عبد اللطيف بن نخي
في سبتمبر 2000، اتفقت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول العام 2015، والهدف الثاني بين الأهداف الثمانية هو تعميم التعليم الابتدائي. وفي سبتمبر 2015 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتماد الوثيقة المعنونة «تحويل عالمنا: جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة» التي حددت 17 هدفا لغاية العام 2030.
لقد بدأ العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة مع بداية عامنا الحالي. والهدف الرابع هو «ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع». وتندرج تحت هذا الهدف عشرة مقاصد، سأكتفي بعرض مقصد واحد، كما جاء في موقع الأمم المتحدة على شبكة الانترنت، وهو «ضمان أن يتمتّع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد، ما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة بحلول عام 2030».
وعلى المستوى الوطني، تنص المادة (13) من الدستور الكويتي، على أن «التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه». ولا شك بأن غير محددي الجنسية «البدون» شريحة من المجتمع الكويتي وإن فرضنا جدلاً بأنهم يخفون جنسياتهم الأصلية أو جوازات سفرهم، لأنهم يعيشون بيننا منذ عقود من الزمن، وليس لدى الحكومة رؤية واضحة وعملية - متوافقة مع القوانين والأعراف الدولية - لحل أزمتهم.
عدم رعاية الدولة لحق «البدون» في التعليم، ليس جريمة إنسانية بحق «البدون» فقط، بل هو إساءة لسمعة الكويت وإضرار بأمنها. لأن العلاقة بين الأمية والفقر والجريمة لا تحتاج إلى دليل، فهي حاضرة في كل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة. بل ان العلاقة اتسعت لترتبط بالإرهاب، فمن «البدون» من سقط في شباك الفكر الارهابي والتحق بعضهم بتنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة. ولنا في فاجعة جامع الإمام الصادق - عليه السلام - خير دليل.
قبل ايام معدودة، أعلنت مبرة دشتي الخيرية عن مبادرة «خيرنا بديرتنا» لدعم الطلبة «البدون». هذه المبادرة لاقت القبول والاستحسان من قبل شريحة واسعة من المواطنين باختلاف مستوياتهم التعليمية، وشارك العديد منهم بحماس في الجهود الاعلامية للحملة، سواء من خلال كلمات تأييد مسجلة في مقاطع فيديو قصيرة أو عبر المشاركة في نشر إعلان المبادرة بل ان البعض دعا مندوب المبرة إلى دواوينهم لتشجيع روادها على المساهمة. وقبلهم تأتي مشاركة بعض أئمة المساجد في جهود الترويج للحملة من خلال خطب الجمعة.
لا شك بأن مشروع مبرة دشتي سيساهم في دعم العديد من الطلبة في مجتمعنا، ولكنه - وبالرغم من الاقبال الكبير على المساهمة في المشروع - لن يعالج مشكلة تعليم «البدون» بشكل جذري. لأن الأزمة ليست مالية بل نشأت وتفاقمت بسبب عوامل وتشوهات سياسية، حيث ان الحكومة تعتقد بأن التضييق على حق «البدون» في التعليم - وحقوق اساسية أخرى - هو المنهجية الأفضل لإنهاء قضيتهم. وهي في الواقع، بحرمانهم من التعليم الاساسي والعالي والتدريب الفني والمهني، تعيقهم عن الهجرة إلى الدول الصناعية المتعطشة للمتخصصين وللعمالة الماهرة، فضلا عن منعهم من خدمة مجتمعهم.
التخبط الحكومي في ملف «البدون» لم يكن ليستمر لولا التقاعس البرلماني. فمنذ عام 1981 وأنا أستمع لخطابات عاطفية حول قضية «البدون» في الحملات الانتخابية. ومنذ عقود وأنا أقرأ في الصحف اليومية تصريحات ومقترحات ومداخلات في قاعة عبدالله السالم في شأن حقوق «البدون». ومنذ سنين وأنا أشاهد مقاطع فيديو لكلمات بعض النواب بحق «البدون». ولكن كل ذلك من دون نتائج إيجابية على أرض الواقع، بل ان التضييق اشتد عليهم أكثر فأكثر! وهذا تأكيد على أن معوقات تعليم «البدون» سياسية.
التهاون البرلماني في ملف «البدون» ما كان ليستمر لولا الأمية السياسية لدى شريحة كبيرة من المجتمع. فالشعب ما زال يشكر النواب على «مظاهر» دعمهم لحقوق «البدون»، من دون محاسبة النواب على فشلهم في صون حقوق «البدون» الاساسية. وما زال الناخبون يعيدون اختيار نواب ثبت بالتجربة أنهم بلا رؤى اصلاحية، وليست لديهم القدرة على اقناع زملائهم الأعضاء لتشكيل قوة ضغط، ولا يمتلكون الجرأة في مواجهة قوى الفساد. تكرار اختيار نواب إمعة برهان على أن موانع تعليم «البدون» سياسية.
لذلك أدعو من شارك في الحملة الاعلامية، لمصلحة مبادرة دشتي لدعم تعليم «البدون»، بل أناشد جميع المناصرين لحقوق الإنسان، المشاركة في حملة توعوية لترشيد الانتخابات البرلمانية المقبلة. وبلا شك ستكون للحملة التوعوية نتائج مفصلية لمصلحة «البدون» الذين هم أقرب إلينا - وأولى بالمعروف - من الشعوب الأخرى التي ندعم التعليم فيها من خلال الصندوق الكويتي للتنمية أو القنوات الأخرى.
وفي الختام، لا بد من الاشارة إلى أن موضوع المقال غير مرتبط - لا سلباً ولا ايجاباً - بقضية تجنيس «البدون» وإن كنت أدعو المعنيين إلى تخليد جميع شهداء الكويت من «البدون» في ذاكرة الوطن عبر تجنيس أبنائهم... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه».
تعليقات