د. أحمد عبد الملك يكتب: بريطانيا «مستقلة»!

زاوية الكتاب

كتب 587 مشاهدات 0


هل كانت بريطانيا محتاجة إلى التلويح براية التاريخ، والتذكير بالإمبراطورية «التي لا تغيب عنها الشمس»، رغم انكفائها اليوم في جزرها الصغيرة، حتى تُعلن استقلالها عن الاتحاد الأوروبي؟

وهل فعلاً تلمّس البريطانيون أحوال جزرهم، وتحسَّسوا من المستقبل وتبعاته، خصوصاً ما تعلَّق بتدفق المهاجرين من أوروبا الشرقية، والذين رأوا فيهم عبئاً على الاقتصاد البريطاني؟ وهل سيكون هذا «الاستقلال» بداية لتحقيق أحلام الإثنيات الأخرى، كالأسكتلنديين وسكان أيرلندا الشمالية، بحق تقرير المصير والانفصال عن بريطانيا العجوز، مع البقاء ضمن الأسرة الأوروبية؟ وهل شاخت بريطانيا وتعبت من تحمّل تبعات الاتحاد الأوروبي، أم أنها وصلت إلى القوة العسكرية الكافية، بما يُعفيها من الاستمرار في الاحتماء بالمظلة الأوروبية؟ وهل توقع البريطانيون أن مستقبلهم سيكون أكثر إشراقاً خارج القارة العجوز؟ وهل هذا الخروج يعني تغيّراً استباقياً من جانب بريطانيا لإمكانية حدوث تغيرات سياسية وعسكرية تؤثر في صيغة «العلاقات الخاصة» بين لندن وواشنطن؟ وماذا عن كبار المستثمرين الأوروبيين في بريطانيا، خصوصاً في مجال البنوك؟ وهل هو فعلاً «يوم أسود» في تاريخ بريطانيا، حين صوّتَت بنسبة 51.9% لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

لقد أظهرت نتيجة الاستفتاء حجم الانقسام بين البريطانيين؛ حيث صوتت كل من لندن وإسكتلندا وإيرلندا الشمالية لصالح البقاء في الاتحاد، بينما صوّت شمالُ إنجلترا وويلز لمغادرة الاتحاد.

إن خروج بريطانيا مع عضوية الاتحاد الأوروبي سوف تترتب عليه نتائج قانونية واقتصادية واجتماعية، مما سيَمَسُّ حياة البريطانيين مباشرة، فمثلاً: سيحتاج المواطن البريطاني إلى تأشيرات لدخول دول الاتحاد الأوروبي (27 بلداً)! وسيتحمل غلاء تكاليف السفر في ظل السعر المنخفض للجنيه الإسترليني أمام اليورو، وستبرز أيضاً مشكلة البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد (نحو 1.30 مليون شخص)، كما سيتضرر المتقاعدون البريطانيون المقيمون في الخارج.

وسيعرقل خروج بريطانيا من الاتحاد علاقاتها بجيرانها، فقد تفكر إسبانيا في غلق حدودها مع جبل طارق (المستعمرة البريطانية)، وسيتحتم على بريطانيا إنشاء حاجز حدودي بينها وبين إيرلندا الشمالية، مما يعرقل حياة آلاف العابرين يومياً بين الجهتين.

إن نقاط الخلاف في قضية «استقلال» بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي عديدة، ومنها: تزايد أعداد الهجرة إلى بريطانيا من الدول الأوروبية المجاورة، وكون الاتحاد يُنهك ميزانية بريطانيا التي لا تستفيد استفادة تُذكر من هذه العضوية! ولربما هناك أسباب أخرى لم تعلن بعد نظراً إلى حساسيات سياسية، وقد يكشفها المستقبل.

ومعلوم أن رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، الذي دعا إلى الاستفتاء، دعم خيار البقاء في الاتحاد، إضافة إلى 16 وزيراً في حكومته، بينما أعلن حزب المحافظين التزامه الحياد، فيما دعم حزب العمال والحزب القومي الإسكتلندي وحزب الليبراليين الديموقراطيين، بقاء بريطانيا في الاتحاد. ولهؤلاء وجهة نظر خلاصتها أن البقاء سوف يقوي الاقتصاد البريطاني بأن يجعل أوروبا سوقاً رائجة لتسويق المنتجات البريطانية. وقد ردوا على أنصار الخروج بأن جُلَّ المهاجرين من أوروبا إلى بريطانيا –الذين يتذرع بهم مؤيدو الخروج- هم من الشباب القادرين على العمل ودفع الضرائب وتغطية نفقات حياتهم. كما أن بقاء بريطانيا في الاتحاد يجعلها أكثر استقراراً وأمناً.

لكن آخرين يرون في خروج بريطانيا توجهاً إيجابياً نحو بناء الاقتصاد البريطاني الذي يشهد تراجعاً واضحاً، ونحو تحقيق مصالح المزارعين وأصحاب الشركات الصغيرة التي تتعرض لـ«الالتهام» من قبل الشركات الكبرى المحتكرة.

ويرى محللون أن خروج بريطانيا من الاتحاد سوف يؤدي إلى تراجع دورها ومكانتها على الصعيد الدولي، مما سيؤثر سلباً على التوازن الدولي والمصالح الأميركية في العالم، خصوصاً في ظل تنامي صعود قوى أخرى مثل الصين وروسيا.

في منطقة الخليج تركَّز الحديث حول التأثيرات الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد، وقامت بعض الدول بتعديل أنظمتها المالية المرتبطة بالخارج، حتى قبل ظهور نتائج الاستفتاء. وقلّلَ آخرون من أثر ذلك الخروج على الاقتصادات المحلية، نظراً إلى ارتباط عملات دول الخليج العربية بالدولار. في حين آثرَت بعض المراكز الاقتصادية الصمت، بغية قراءة أوراق المستقبل.

الآن - الإتحاد

تعليقات

اكتب تعليقك