السياسة.. كم ألقاب وأسماء عطلتها!...يكتب راشد الخيون
زاوية الكتابكتب يونيو 29, 2016, 11:36 ص 395 مشاهدات 0
ثرت السياسة وتقلباتها، وما بين الأحزاب مِن مناكفات، على ما تلقب وتسمَّى به النَّاس، بل حتى أثرت على ثيابهم وطعامهم، فهذا رايته حمراء وذاك رايته زرقاء، والنِّزاع الحزبي والسِّياسي تعدى إلى الدَّماء، وهنا أتحدث عن العراق، راح الآلاف مِن شبابه في تلك الصّراعات قتلاً وتشريداً ونفياً وسجناً، وقطع أرزاق. فكم كادر علمي ومهني ركلته السياسة، وبعد حين تحوَّل العراك بين الأحزاب إلى ما بين الطوائف، ففي سنوات الاقتتال (2006-2007) بين الجماعات الطَّائفية اضطر الكثيرون، رعباً أو تملقاً، تغيير أسمائهم أو ألقابهم وكناهم.
فمِن المهازل أن ذكرَ لون معين قد يؤدي بك إلى التهلكة، في وقت كان نزف الدّم جارياً، ولا أبالغ إذا كان يؤخذ الإنسان على بشرة وجهه. لي قريب كان يجالس مجموعة مِن المحسوبين على الحزب الشيوعي العراقي، ولما اعتقلوا بُعيد انقلاب 8 فبراير 1963، أتوا به إلى التحقيق، والكل يعرفه ليس مِن أهل السياسة، كان المحقق يضربه ويقول: «كيف لم تكن شيوعياً ووجهك يشبه وجه خرشوف»؟! كان أبيض البشرة وعيناه خضراوتين. هذا مجرد مثال، مضحك مبكٍ، على الضَّياع الذي كنا فيه، وكان النَّاس يراقبون في الاحتفالات مَن يصفق ومَن لا يُصفق، فظهر الهتاف «إلما يصفق عفلقي»! أي بعثي، وتلك كان شديدة بُعيد يوليو 1958.
مِن المبكيات المضحكات ما سمعناه من معاصري الحدث، انشق المجتمع العراقي، خلال الحرب العالمية الثانية، بين مؤيد لـ«الحلفاء» وبينهم الاتحاد السوفييتي، ومؤيد لـ«المحور» بزعامة ألمانيا الهتلرية، فأحدهم سمى ولده هتلر، وآخر سمى ولده لينين، إلا أن دائرة النفوس بإحدى مناطق بغداد قبلت تسجيل «هتلر» ورفضت تسجيل «لينين»، والأمر يتعلق بالسياسة، كون هتلر انتهى، ولا زال للينين حزب يرفع صورته داخل العِراق، وهكذا هيأت تلك النَّزاعات بتراكمها وعدم معالتجها إلى ما نحن فيه مِن انحدار.
ما شجعني لأطرق هذا الموضوع ما قرأته، في تراجم الرجال، مِن أسماء وألقاب، لو استعملت اليوم لكانت نهاية أصحابها، كلقب «الصهيوني»، أو «الإسرائيلي»، فسنة (1948) كانت فاصلة في تفاقم العداء لليهود، ليس لدينهم إنما للمتغيرات السياسية، وبسبب ذلك تحول اسم الطائفة «الإسرائيلية»(قبل 1948) إلى «اليهودية» و«الموسوية» حسب دليلي الدَّولة العراقية (1936 و1960).
من تلك الألقاب ما يتحفنا به شمس الدِّين الذَّهبي(748ه) في «سير أعلام النُّبلاء» وشهاب الدِّين الحنبلي(ت1023ه) في «شذرات الذَّهب» ألقاباً يعد تداولها اليوم نشازاً بسبب السياسة، مثل «الصِهْيَوْني»، وقد أختص به جماعة من الفقهاء، ذلك لانحدارهم من «صِهْيَوْن»، ولو كتب الذَّهبي والحنبلي معجمهما اليوم لحذفا هذا اللَّقب، بعد وجود «الصُّهيونية» (1897). فمِن الفقهاء الملقبين بالصِهْيَوْني: شمس الدِّين محمد بن عبد الرَّحمن(ت949ه)، وتقي الدِّين أبو بكر بن محمد(ت 993ه) وغيرهما، وكانوا مِن فقهاء الشَّافعية.
يُعرف «صِهْيَوْن» أنه مكان ببيت المقدس، وكنيسة وحصن أيضاً، وصار بيد الأفرنج حتى استرجعه صلاح الدِّين الأيوبي عام 584ه(الحموي، معجم البلدان)، ولأعشى قيس (القرن6و7م): «وإن أجلبت صِهْيَوْن يوماً عليكما/فإن رحى الحرب الدَّكوك رحاكما»(اليسوعي، شعراء النَّصرانية قبل الإسلام)، ناهيك عن ذكر صِهْيَوْن في «التَّوراة» ومعناه العبري في «قاموس الكتاب المقدس».
كذلك يتحفنا المؤرخان المذكوران بألقاب لفقهاء وقضاة تحولوا إلى الإسلام مع احتفاظهم باسم ديانتهم السَّابقة لقباً ظل يشتهر به أحفادهم، فمَن كان اسمه: إسرائيل بن يونس الحافظ(ت160ه)، أبو إسرائيل عمرو الهمداني(ت259ه)، والإمام يوسف بن سلام الإسرائيلي(ت43 ه). كذلك ظل لقب المندائي (الدِّيانة المعروفة) مرتبطاً بأبي الفتح محمد المندائي (ت605 ه)، على الرَّغم أنه صُنف بمسند أهل العراق.
ألفتُ النَّظر إلى تلاعب ربَّما حصل بلقب «السَّفَّاح»، ولم يخل مِن أمرين: إما تحوير حصل في معنى لقب الخليفة العباسي الأول عبد الله بن محمد(ت136ه)، أو أنه أذيع مرتبطاً بسفح الدِّماء للترهيب، وللسياسة دخل في هذا، وأراه الأرجح، وإذا كان عن كثرة القتل فخلفاء سبقوه ولحقوه كانوا مبيرين(كثرة القتل).
ما أرجحه بإطلاق لقب السَّفاح على الخليفة المذكور أنه من الأسماء التَّضاد، فالسفَّاح: الفصيح المتفوه(الجوهري، الصَّحاح)، مثلما يُقال للجميل قبيح. وكان أبو العباس يتعثر بنطقه، فعندما أعلنت دولته بالكوفة صعد المنبر ولم يتمكن مِن الخِطبَة، فارتقى عمه داوود بن علي(ت133ه) المنبر، وكان فصحياً. أما قوله: «فأنا السَّفَّاح المبيح» (الطَّبري، تاريخ الأمم والملوك) فلا يعني سفح الدِّماء على التخصيص. كذلك توحي رواية اليعقوبي(ت292ه) أن اللَّقب جاء مِن سفح الكلام لا الدَّم: «لما بويع صعد المنبر، في اليوم الذي بويع فيه، وكان حييَّاً، فأرتج عليه، فقام مليَّاً لا يتكلم» (تاريخ اليعقوبي).
تعليقات