فى ذكراها الـ55: ثورة يوليو 'الثورة الأم' التى أحدثت تغييرا جذريا فى تاريخ المنطقة

عربي و دولي

274 مشاهدات 0


تحتفل مصر اليوم الاثنين بالذكرى الخامسة والخمسين لقيام ثورة 23 يوليو 1952 هذا الحدث التاريخى الذى يعد من أهم الأحداث التى شهدها العالم الثالث فى النصف الثانى من القرن العشرين . وثورة 23 يوليو .. ثورة شعب بأكمله عبرت عن آماله ومطالبه .. وجاءت مبادئها استكمالا لتطلعاته وسعت دوما للتعلم من أخطائها .. خاضت معاركها ببسالة وتجاوبت أحداثها مع العصر ولفتت الأنظار الى الحرية والمساواة والعدالة الأجتماعية . لقد كان سلاح ثوار 'ثورة يوليو' بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الارادة الوطنية والايمان بحق الوطن فى حرية أراضيه وحق المواطن فى احترام كرامته وأدميته وأمنه داخل وطنه . وكما قال الرئيس حسنى مبارك 'إن يوم 23 يوليو من كل عام يذكرنا بتاريخ ثورتنا المجيدة تلك الثورة الأصيلة التى قامت بقيادة نابعة من الشعب معبرة عنه ومحتوية لأماله ' . وثورة يوليو تندرج ضمن الثورات العظيمة فى تاريخ الشعوب المناضلة حيث لم يقتصر تأثيرها على تغيير جذرى فى مصر والمنطقة العربية فقط بل تجاوز تأثيرها قارات أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية وكان لها تأثير الريادة على هذه الدول والشعوب الى الدرجة التى تحقق فيها الألتحام بين الثورات المختلفة واعتبرت ثورة يوليو من قبل المؤرخين هى 'الثورة الأم' لتتجاوز التأثير الكبير للثورة الفرنسية فى أوروبا . وتتميز ثورة يوليو بأن حباها الله بثلاث زعامات متتالية جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك جسد كل منهم مرحلة هامة عبرت عن أمال وهموم المواطن المصرى. وكانت المرحلة الأولى هى مرحلة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مفجر الثورة وقائدها وهى مرحلة اعطاء الأولوية المطلقة لاحداث التغييرات الأجتماعية وتأكيد استقلال القرار السياسى . ثم المرحلة الثانية هى مرحلة الرئيس الراحل أنور السادات حيث قام بتصحيح مسار الثورة وانتقلت الثورة الى الشرعية الدستورية وفى عهده ايضا تحقق الثأر لهزيمة 67 بانتصار 73 وقاد معركة السلام . أما المرحلة الثالثة فهى بتولى الرئيس حسنى مبارك مسؤلية الحكم وسط أصعب ظروف يمكن أن يتولى فيها حاكم زمام الأمور فى وطنه وأثبت الرئيس مبارك أن جيل اكتوبر هو امتداد واستمرار لجيل يوليو حيث أعاد بناء مصر ورفع اسمها وهو انجاز تاريخى هام عادت ثماره على الشعب المصرى . وهكذا ستظل ثورة يوليو باقية فى أعماق ضمير الشعب المصرى . ويرى المؤرخون أن ثورة 23 يوليو تختلف عن غيرها من الثورات المصرية مثل ثورة عرابى 1882 وثورة 1919 حيث أنها جمعت بين الثورة على الحكام من أبناء أسرة محمد على والوجود البريطانى فى البلاد وانهاء مجتمع النصف فى المائة . لقد كان كل شىء فى مصر يطالب بالثورة وينتظرها بدليل انها كانت ثورة بيضاء لم ترق فيها نقطة دماء واحدة ووجدت تجاوبا قويا ومؤثرا من الشعب المصرى بجميع طبقاته لأنها وضعت حدا لسوء توزيع الثروات والجهل المستشرى فى البلاد . كما أن من أهم عوامل نجاح الثورة كما يرى المراقبون اعلانها عن ستة مبادىء عبرت جميعها عن طموحات ومطالب الشعب وهىالقضاء على الاستعمار وأعوانه - القضاء على الاقطاع - القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال -اقامة عدالة اجتماعية -اقامة جيش وطنى قوى -اقامة حياة ديمقراطية سليمة . وبدأت الثورة خطواتها الأولى بعزل الملك فاروق عن العرش وتنازله لابنه الطفل احمد فؤاد وفى 18 يونيو 1953 أعلنت الثورة الغاء الملكية وقيام اول جمهورية فى التاريخ المصرى وتولى اللواء محمد نجيب رئاسة الجمهورية وحلت الأحزاب السياسية بعد أن عجزت عن المقاومة أمام النظام الجديد . ثم بدأت الثورة باتخاذ مجموعة من الاجراءات لتحقيق هدف القضاء على الاقطاع واعادة توزيع الاراضى على الفلاحين وذلك عن طريق اصدار قوانين الاصلاح الزراعى وجعل الحد الاقصى مائتي فدان وتمليك الاراضى للفلاحين ليحصد الفلاح لاول مرة فى حياته ما يقوم بزراعته بدلا من أن يقدمه لمالك الارض . ولم تغفل الثورة الدور الرائد لمصر كدولة زراعية حيث بدأت بمجموعة من المشروعات وكان اولها هو انشاء مديرية التحرير التى بدأت باصلاح خمسة وثلاثين الف فدان من الاراضى الصحراوية القاحلة . كما جسدت ثورة يوليو حلم المصريين فى وطن مرفوع الرأس والكرامة فعملت على التخلص من الوجود البريطانى بتوقيع اتفاقية الجلاء فى 20 اكتوبر عام 54 بعد 74 عاما من الاحتلال وبموجب هذه الاتفاقية تقرر انسحاب القوات البريطانية من قاعدة قناة السويس خلال عشرين شهرا . وكان النجاح حليفا للثورة فى اتجاه تحقيق بقية اهدافها حيث خاضت معارك كثيرة من اهمها معركة تأميم قناة السويس فى 26 يوليو عام 56 ردا على قرار المؤامرة الدولية على مصر برفض تمويل مشروع السد العالى الذى يعد العمود الفقرى لخطط التنمية الاقتصادية وصاحب الفضل الاكبر فى انقاذ البلاد من خطر الجفاف . وواصلت الثورة تحقيق اهدافها ومنها القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال حيث حرصت الثورة على الحفاظ على مصلحة العمال واصحاب الاعمال معا من أجل بناء صرح اقتصادى جديد للدولة وهو ما تم من خلال المجلس الدائم لتنمية الانتاج القومى الذى انشىء فى سبتمبر عام 52 . وفى نفس الوقت صدرت قوانين يوليو الاشتراكية عامى 1961 و1964 لتأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد المصرى فى المجالات الصناعية والتجارية والخدمية واشراك العمال فى مجالس ادارتها ... وكانت قرارات التأميم الصادرة حجر الزاوية فى تغيير النظام الاقتصادى . كما قامت الثورة بتمصير البنوك الاجنبية التى كانت تحت السيطرة الاجنبية . واتجهت الثورة بعد ذلك لاقامة قاعدة صناعية ضخمة ومعالجة ظاهرة القهر الاجتماعى والسعى نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وصدر دستور 1956 ليؤكد ذلك وهو اول دستور مصرى يتضمن نصوصا خاصة بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية حيث نص على ان ينتظم الاقتصاد القومى وفقا لخطط مرسومة تراعى فيها مبادىء العدالة الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة وتعميم تكافؤ الفرص امام جميع المصريين . وكان بناء جيش وطنى قوى من أهم اهداف ثورة يوليو وبدأت جهود قادة الثورة بمحاولة احياء اتفاق 1950 بين الحكومتين المصرية والبريطانية بشأن بيع الاسلحة الثقيلة الا ان بريطانيا رفضت بحجة ان شراء السلاح الثقيل يجب ان ينتظر دخول مصر فى النظام الدفاعى الغربى فى الشرق الاوسط . وجاء رد مصر على هذا القرار فى سبتمبر 1955 بعقد صفقة الاسلحة مع تشيكوسلوفاكيا ثم تنوعت بعد ذلك مصادر السلاح من الاتحاد السوفيتى والصين ومعظم دول اوربا الشرقية وانعكس تنوع مصادر السلاح على التدريب حيث شاركت معظم قيادات الجيش العليا فى دراسات متقدمة فى اكاديميات الاتحاد السوفيتى العسكرية وباقى دول الكتلة الشرقية . ثم جاءت سنوات ما بعد هزيمة 67 والتى شهدت عمليات اعادة بناء مصر لقواتها المسلحة فكانت هذه السنوات بداية النضج لجيش الثورة الذى مهد لتحقيق الانتصار العسكرى فى حرب اكتوبر 73 . ولا شك ان حرب اكتوبر قد فتحت الباب لمرحلة تطوير جديدة فى القوات المسلحة و فى عهد الرئيس مبارك تم تخطيط سياسات دفاعية اكثر مرونة وانفتاحا ودخلت القوات المسلحة عصر الثورة الرقمية ونظم المعلومات . كما سعت الثورة الى تحقيق حياة ديمقراطية عن طريق وسائل عديدة ففى عام 1953 صدر قانون حل الاحزاب السياسية وفى عام 1956 صدر الدستور الذى نص على اقامة تنظيم جديد هو الاتحاد القومى الذى استمر ست سنوات وحل محلة الاتحاد الاشتراكى الذى اعيد بناؤه ثلاث مرات متتالية وبعد نكسة 1967 صدر بيان 30 مارس 1968 الذى نص بتحويل مصر الى مجتمع مفتوح وقبول الرأى والرأى الاخر . وفى عهد الرئيس السادات صدر قرار المنابر الثلاثة وبعد ذلك قيام الاحزاب 1977 مما عمق الممارسة الديمقراطية واثرى الحياة الحزبية ثم شهد العمل الحزبى طفرة كبيرة مع تولى الرئيس حسنى مبارك حيث عرفت مصر العمل الحزبى بمعناه الحقيقى وزاد عدد الاحزاب بالاضافة الى اتساع مساحة الحريات وتعميق وترسيخ معانى الحرية والديمقراطية . أما على الصعيد الخارجى فقد اتخذت ثورة يوليو سياسة خارجية طموحة ومتحررة استندت على تاريخ مصر وموقعها الجغرافى وكانت فلسفة الثورة عام 54 اول وثيقة مصرية حاولت رصد ثلاث دوائر رئيسية للتحرك الخارجى هى العالم العربى والقارة الافريقية والعالم الاسلامى والدائرة الافرو اسيوية . وكان التركيز على الدور المصرى فى المنطقة العربية ومن هذا المنطلق كان الاهتمام بقضية فلسطين التى جاءت فى مقدمة القضايا المتعلقة بقضايا التحرر الوطنى عربيا . كما قدمت الثورة العديد من اشكال الدعم لحركات التحرر الوطنى فى الجزائر وتونس والمغرب واليمن والعراق والسودان وليبيا والتقت الحركات الوطنية فى العالم العربى مع الثورة المصرية وتجاوبت مع فكرها فى حركة مذهلة . وعلى الصعيد الافريقى ودول العالم الثالث وقفت مصر مع الدول التى كانت تناضل من اجل تحرير ارادتها ايمانا منها بحق الشعوب فى تقرير مصيرها وبوحدة النضال فى مواجهة الاستعمار . وساندت مصر جميع الثورات الافريقية التى قامت ضد الاستعمار منذ عام 52 ابتداء من الثورة فى كينيا وثورة الكاميرون وثورة الكونغو ثم ثورات انجولا وموزمبيق وغينيا بيساو ووقفت مع شعب روديسيا 'زيمبابوى' كما أيدت حركات التحرر فتحت مصر ابوابها لتدريب حركات التحرير من روديسيا وانجولا وموزمبيق وجنوب افريقيا وهى المناطق التى عانت من الاستعمار بجنوب افريقيا وجزر القمر وغيرها . كما فتحت مصر ابوابها لتدريب حركات التحرير من روديسيا وانجولا وموزمبيق وجنوب افريقيا وهى المناطق التى عانت من الاستعمار والتزمت مصر فى جميع مراحل تعاملها مع الحركات والتنظيمات الوطنية فى افريقيا بعدم التدخل فى شئونها الداخلية . كما كان لمصر دور رئيسى فى تأسيس منظمة الوحدة الافريقية -سابقا- 1963 والتى تعد من المنظمات الاقليمية العريقة وساعدتها على تحقيق اهدافها فى النهوض بالقارة السمراء ومساندة شعوبها فى مسيرة التحرير والتنمية وانهاء الخلافات والقضايا الشائكة حتى قطعت خطوة الى الامام وتحولت الان الى الاتحاد الافريقى . أما على صعيد دول العالم الثالث فقد ساهمت مصر فى نشأة حركة التضامن بين قارتى أسيا وأفريقيا حيث عقد مؤتمر باندونج فى ابريل عام 1955 ومن مؤتمر باندونج شاركت مصر فى وضع اللبنات الاولى لحركة عدم الانحياز وعقد المؤتمر الاول للحركة فى بلجراد عام 61 . وفى عام 1962 شهدت القاهرة اول مؤتمر للتعاون الاقتصادى بين الدول النامية بمبادرة من مصر والذى شكل النواة لمجموعة 77 التى شهد مولدها اول مؤتمر للامم المتحدة للتجارة والتنمية فى جنيف عام 64 من منطلق أهمية وحدة صف دول الجنوب فى حوارها مع دول الشمال وهكذا امتد تأثير الثورة الى كل بقاع العالم . واستمرت مصر فى القيام بدورها الفعال على المستوى الاقليمى والعالمى.. فثورة يوليو لم تعزل نفسها عن متغيرات هذا العصر وفتحت الابواب وتعاملت مع الجميع بالمرونة والتخطيط العلمى وستظل دائما جزءا من ضمير الشعب ووجدانه ونبراسا يضىء القيم الوطنية للتمسك بها والحفاظ عليها .
القاهرة: الآن

تعليقات

اكتب تعليقك