حمد الجوعان ... الضمير حين يهزم الرصاص

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 4418 مشاهدات 0

حمد الجوعان


حمد الجوعان
ضمير انتصر على  الرصاص

داهم القحطاني

حزن حقيقي لف الكويت بوفاة النائب السابق حمد الجوعان فكان الثناء والتبجيل من الكويتيين بقدر النزاهة والتضحية والصلابة وحسن الخلق التي تميز بها الجوعان طوال حياته ... مواطنا وسياسيا .

قبل 7  سنوات عاش الكويتيون دقائقاً من الزمن الجميل مع حمد الجوعان في آخر ظهور علني له وكانت الكويت حينها تعيش على وقع المعارك السياسية التي أشعلت انتخابات 2009 .

في فعاليات برلمان جريدة القبس والتي تنظمه الجريدة خلال فترات الانتخابات كان اللقاء مع حمد الجوعان فكانت الإطلالة المهيبة والحنونة والتي قابل فيها الجوعان أنهاراً متدفقة من المحبة والتقدير صدرت بعفوية من حضور من مختلف أطياف الكويت حضر ليستمع لأحد فرسان الزمن الجميل .

في تلك الليلة المشهودة والتي كانت بمثابة تكريما شعبياً لحمد الجوعان قل مثيله شخّص الجوعان حالة الكويت التي كنّا ولا زلنا نعيشها حين أشار وبشجاعة للمرض الذي تعاني منه الكويت والذي تمثل حسب رأيه في تلك الليلة في وجود سلطة رابعة غير دستورية تتحكم بالسلطات الثلاث .

غاب حمد الجوعان قبل تلك الليلة بنحو 15 عاما عن العمل السياسي وحين عاد ترك لنا وصفا وتحليلا عن العلة الحقيقية التي تواجه الكويت في كل زمن .

في تلك الليلة المشهودة شارك كاتب هذه المقالة في مداخلة تحدث فيها عن جزء من تاريخ حمد الجوعان ووجه سؤالا عن مقترح أن تنال الحكومة ثقة البرلمان قبل أن تبدأ عملها ضمانا لإستقرار العمل الحكومي , وهو المقترح الذي رأى حمد الجوعان في الرد عليه أنه يتوفر عمليا في المسؤولية الدستورية للحكومة عن أعمالها أمام سمو الأمير ومجلس الأمة .

هو رجل قانون وسياسة فليسانس الحقوق كان من جامعة القاهرة سنة 1970 ما جعل الرجل محنكاً في التشريعات والقوانين وهو ما يميز السياسيين عن بعضهم البعض  .

استعان به أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد العام 1975 لإعداد أول قانون لمؤسسة التأمينات الاجتماعية وهو ما كان حيث كتب حمد الجوعان القانون بنفسه بعد أن عاش منعزلا في شاليهه الخاص نحو عام ، فكانت هذه المؤسسة العريقة والحضارية والذي أدارها في بداياتها فكانت بالفعل أجمل هدية تقدم لكل الكويتيين ، وحتى لمن لم يلد منهم بعد .

وحين حانت اللحظة رشح حمد الجوعان نفسه لعضوية مجلس الأمة العام 1985 فكان أحد أهم فرسان هذا البرلمان الإستثنائي الذي يوصف على الدوام بأنه أحد أهم وأقوى مجالس الأمة في تاريخ الكويت .

بدأ حياته البرلمانية بنقطة نظام جعلته أول المتحدثين في مجلس 1985 وهي نقطة النظام المتعلقة بمخالفة الحكومة للمادة 98 من الدستور التي تلزمها بتقديم برنامج عملها فور تشكيلها , وقاد حمد الجوعان حينها نقاشاً برلمانياً راقياً انتهى الى لفت انتباه البرلمانات والحكومات المتعاقبة الى ضرورة أن يكون برنامج عمل الحكومة هو أساس وجود الحكومة،  وهو أيضا في الوقت نفسه  أساس المحاسبة البرلمانية .

وكان لافتاً أن حمد الجوعان استخدم المعجم الوسيط في هذا النقاش لينبه الحكومة الى الفرق اللغوي بين مصطلحي ’ الخطاب ’ و’ البرنامج ’ في رده على رأي بهذا الشأن لوزير العدل آنذاك الشيخ سلمان الدعيج مفاده أن برنامج عمل الحكومة يأتي ضمن الخطاب الاميري .

وفي مطلع عمله البرلماني قاد أهم استجواب في تاريخ الكويت البرلماني والذي شاركه فيه المرحوم أحمد الربعي والنائب السابق مبارك الدويلة حيث اضطر وزير العدل آنذاك الشيخ سلمان الدعيج الى الاستقالة لتجنب طرح ثقة محقق .

وفي القضية التي أدت إلى حل مجلس 1985 والمتعلقة بأزمة سوق المناخ وكيفية معالجة الحكومة لها كان حمد الجوعان محور الأحداث فيها حيث ندبه مجلس الأمة بقرار ليتولى الكشف على سجلات البنك المركزي.

وبعد معركة دستورية أجازت المحكمة الدستورية  لمجلس الأمة أن يكلف عضو مجلس أمة ، وهو حمد الجوعان ، ليفتش عن سجلات البنك المركزي عبر لجنة تحقيق ذلك الأمر فأستبقت الحكومة آنذاك هذا الإجراء غير المسبوق  بحل مجلس 1985 .

هذا الحل نقل الأحداث إلى مشهد مختلف وهو انطلاق الحركة الشعبية لإعادة مجلس الأمة التي عرفت آنذاك بدواوين الاثنين , والتي كان حمد الجوعان أحد فرسانها حيث تم اختياره ليلقى خطابا شهيرا في تجمع  عقد ،بعد مواجهة مريرة مع السلطة ورجال الأمن ،في ديوان الشريعان بالجهراء  .

خلال عمليات تحرير الكويت تعرض حمد الجوعان في يوم الخميس 28 فبراير 1991 لمحاولة اغتيال غادرة  تمت رمياً  بالرصاص عبر مسدس كاتم للصوت أصابه في نخاعه الشوكي , ونتج عن ذلك آلام ومعاناة لازمته وأسرته إلى آخر يوم في  حياته .

وقال الجوعان عن تفاصيل هذه المحاولة في لقاء صحافي أن أحدهم طرق الباب في منزله في ضاحية عبدالله السالم وحين سأله الجوعان من في الباب لم يرد فظن الجوعان أنه ابتعد عن الباب كعادة الكويتيين حفاظا على حرمة البيت لكنه وحين خرج له  تفاجأ بشخص ملثم يطلق عليه النار ويهرب .

وكم كان حمد الجوعان كبيرا حين كتب مقالة في العام 1992  في جريدة القبس ، وهو لا يزال في رحلة العلاج يعلن فيها أنه تجاوز تداعيات محاولة اغتياله ، وأنه لا يفكر بالبحث والانتقام عمن حاول قتله.

بالطبع استطاع حمد الجوعان تجنيب الكويت الفتنة بهذا التسامح غير المسبوق خصوصا أن البلد كان في تلك المرحلة  في مرحلة ما بعد الغزو العراقي و التحرير وتتطلب حالة من الاستقرار .

وعن هذه المحاولة قال حمد الجوعان في ندوة 2009 ’ أنا لو عرفت إسم من حاول اغتيالي لقلته من زمان ’ .

وأضاف ’ سأروي هذه المعلومة وأترك التحليل لخيالكم … بعد 40 دقيقة من محاولة اغتيالي أتصل أحدهم بالدكتور أحمد الخطيب في لندن وقال له خلصنا من اليوعان والدور دورك … وفي ذلك الوقت لم تكن لدى الناس في الكويت تلفونات ... لكن كانت هناك في حينها ثلاثة تلفونات في الكويت إحداهما أوصلت المعلومة للدكتور الخطيب ’ .

في مجلس 1992 كان حمد الجوعان أيضا من فرسانه كعادته دوماً رغم أنه كان قعيد الكرسي المتحرك ، وكان يعاني مضاعفات المرض والتي كانت تزداد مع مرور الوقت .

تولى الجوعان  في مجلس الأمة 1992   رئاسة اللجنة التشريعية في أهم مراحل العمل التشريعي في الكويت حيث تولت اللجنة برئاسته التعامل مع مراسيم القوانين التي صدرت في فترة تعطيل الدستور من 1986 إلى 1992 وهي مهمة لم تكن بالسهلة في ظل التمسك الحكومي في هذه المراسيم التي صدرت  في فترة الحل غير الدستوري  .

هذه التمسك من قبل الحكومة أدّى إلى اندلاع أزمة دستورية بين الحكومة والمجلس  عرفت بأزمة المادة 71 من الدستور حيث اعتبرت الحكومة هذه المراسيم ذات مشروعية لصدروها وفق نظرية الضرورة في حين اعتبرها مجلس الأمة غير دستورية لعدم دستورية حل مجلس 1985 .

هذا النزاع تم نقله إلى المحكمة الدستورية من قبل الحكومة من أجل تفسير  المادة 71 من الدستور ،  انتهى لاحقاً بتسوية بين مجلس الأمة والحكومة تمت بعد لقاء في قصر الشعب حيث يقيم رئيس الحكومة آنذاك المرحوم الشيخ سعد العبدالله وقضت هذه  التسوية بسحب الحكومة لطلبها من المحكمة الدستورية .

تاريخ حمد الحوعان البرلماني حافل بكثير من المواقف والمشاهد المميزة حيث قام وفي سابقة برلمانية بالتعقيب ولمدة ساعة كاملة على سؤال برلماني كان قد وجهه لوزير المواصلات بشأن مخالفات مست الأموال العامة في  مؤسسة الموانئ الكويتية , ليسفر هذا السؤال  عن استقالة مدير النواميس آنذاك .
هذا السؤال يعتبره كثيرون من أقوى الأسئلة البرلمانية في تاريخ الحياة السياسية في الكويت حيث عادل في تأثيره بل وفاق كثيراً من الاستجوابات البرلماني المطولة  .

حنكة برلمانية تميز بها حمد الجوعان في هذا السؤال البرلماني السابقة لم تتوفر إلا في القلائل من النواب على مدى تاريخ الكويت البرلماني .

آخر المداخلات البرلمانية لحمد الجوعان كانت في تاريخ 25 نوفمبر 1995 وكانت ضمن نقاش المجلس لقضية ندرة الوظائف للكويتيين في الوزارات .

وفي مداخلته استذكر حمد الجوعان مشاركته والوزير في هذه الجلسة مشاري العنجري ( وزير العدل والشؤون الإدارية ووزير الأوقاف ) في لجنة خاصة شكلت برئاسة وزير الأشغال السابق حمود الزيد منذ 20 عاما ( 1975) وطرحت حلولا لتكويت الوظائف الحكومية لكن التوصيات وضعت بالأدراج .

وحين انتهى وقته وتنازل له النائب السابق عبدالله النيباري اقترح حمد الجوعان حلولا طبقت في سنين لاحقة ومنها إحلال الكويتيين محل الوافدين بنسب معينة تتزايد سنويا , كما أقترح الموافقة على ما أسماها العلاوة العائلية أي إعطاء الكويتيين العاملين في القطاع الخاص علاوات اجتماعية وعلاوة أولاد على أن تدفع الدولة ذلك ضمن صندوق تساهم في تمويله الشركات الخاصة في سياسة أسماها سياسة العصا والجزرة .

وقد تساءل في نهاية مداخلته الأخيرة في تاريخه البرلماني : " قانون رقم 15 لسنة 1965 يلزم كل شركة صناعية بألا تقل نسبة العمالة الكويتية عن  25 % وأريد أن أسأل وزير التجارة هل طبقت هذه النسبة على أي شركة صناعية من سنة 1965 إلى الآن أم لا ؟ .

وحين أبلغه الرئيس أحمد السعدون بأن وقته انتهى قال حمد الجوعان ’ لدي حديث كثير الأخ الرئيس ’ ... لكنه لم يستكمل هذا الحديث الكثير وشاء الله أن تكون هذه كلماته الأخيرة في مجلس الأمة حيث لم يشارك في الحديث في الجلستين البرلمانيتين اللتين  شارك بهما بعد ذلك لكنه صاغ مقترحاته وأفكاره في مقترح موسع وافق عليه مجلس الأمة في جلسة 2 ديسمبر 1995 وهي الجلسة الأخيرة التي حضرها حمد الجوعان إذ بدأت حالته الصحية بعدها تسوء ما أضطره إلى الاعتذار عن حضور بقية جلسات دور الانعقاد الأخير .

وفي الجلسة الأخيرة التي حضرها في مجلس 1992 وكانت في تاريخ 2 ديسمبر 1995 لم يكن من المتحدثين لكنه شارك في إعداد مقترح يتعلق بتوظيف المواطنين الكويتيين في الجهات الحكومية خلال 6 أشهر من تقديم الطلب , وكذلك يتعلق بإقرار العلاوة الاجتماعية للموظفين الكويتيين العاملين في القطاع الخاص .

السؤال البرلماني الأول لحمد الجوعان وجهه في تاريخ 24 مارس 1985 لوزير المالية آنذاك جاسم الخرافي واستفسر فيه عن أسماء كل من قامت وزارة المالية أو جهة تابعة لها بشراء أسهم له في الشركات المساهمة منذ بدء أزمة سوق المناخ ومقدار خسائر الدولة في ذلك .

أما سؤاله البرلماني الأخير فوجهه في 24 أكتوبر 1995 لوزير المالية ناصر الروضان واستفسر فيه عن الإجراءات التي يمكن للوزارة اتخاذها لحماية المواطنين من شراك بعض الجهات الأجنبية التي دأبت على إرسال رسائل عن طريق الفاكس والبريد تلح فيها هذه الجهات على المشاركة في عمليات تحويل أموال مشبوهة .

وقد كان مقترح القانون الأول الذي تقدم به حمد الجوعان يتعلق بإعداد خطة سنوية تعمل وفقها الحكومة , وكذلك إنشاء مجلسا أعلى للتخطيط , وهو القانون الذي تمت الموافقة عليه وعلى هذا الأساس تم اعتماد نهج الخطط السنوية في العمل الحكومي .

أما القانونين الأخيرين فأولهما قدمه مع آخرين ويتعلق بتجميد أي زيادة على الرسوم الحكومية وهو القانون الذي منع منذ العام 1995 أي زيادة بهذا الشأن , أما الآخر فقدمه منفردا وتعلق بتعديلات على قانون المديونيات الصعبة من أجل تصحيح مخالفات دستورية وردت في القانون ومن أجل المساواة بين المواطنين الكويتيين في هذا الشأن .

كما كان له دور مهم جدا في تشريع وإقرار قانون حماية الأموال لعام وهو القانون الذي قلل إلى حد كبير من انتهاكات الأموال العامة .


رحم الله حمد عبدالله الجوعان.

وحتما سيظل هذا الإسم حاضرا على الدوام في أذهان الكويتيين في كل مرة يتحدثون فيها عن العمل الوطني الصادق الذي ينبع من القلب ، ويحركه الضمير ويستهدف مصلحة هذا الوطن وهذا الشعب .


تعليقات

اكتب تعليقك