أحمد عبدالملك يكتب - 'الكتاب.. ما بين الورق والشاشة'

زاوية الكتاب

كتب 448 مشاهدات 0

ارشيف

في جلسة أدبية جمعتني مع الروائي العربي واسيني الأعرج وأستاذ السرديات الدكتور عبد الله إبراهيم خلال معرض أبو ظبي للكتاب، تطرق الحديث عن عادة القراءة، وهل ستتغير من الكتاب الورقي إلى الكتاب الإلكتروني؟ سألت واسيني: هل تغيّرت عادة القراءة لدى الفرنسيين (حيث يقيم) مع دخول الإنترنت والقراءة الإلكترونية! أجاب بأنه لاحظَ أن 20% فقط من الفرنسيين اتجهوا نحو القراءة الإلكترونية، في حين بقى 80% منهم متمسكون في الكتاب، ويلاحظهم في الأماكن العامة والقطارات والطائرات، ليس في فرنسا فحسب، بل في سائر بلدان أوروبا.
وأشار إلى أن أدب العالم الافتراضي لا يمكن التعويل عليه في دراسة أدب المرحلة. وأنه سوف يظل الكتاب الورقي يحتل المكان الأول في أساليب القراءة، وذلك لسهولة استخدامه، وإمكانية تدوين ملاحظات على الهامش، بينما الآيباد أو الهاتف يحتاج إلى شحن باستمرار، ناهيك عن الأعطال الإلكترونية أو انقطاع الإنترنت.

تطرقنا إلى ما يُسمى 'ظاهرة أدب الشباب عبر الإنترنت'، حيث رأى الدكتور عبد الله إبراهيم أن الشهرة السريعة عبر الإنترنت والتي تُفتن كثيرين، تظل مرحلية، وأن الشهرة لا تأتي عن الطريق الأسهل، والفقاعات تنتهي. وأن أدب وسائل التواصل لا يخلق الأديب ولا يُدخله منصة التنافس في الجوائز. كما أن تأثيره محدود في المجتمع. ويضيف، كان يوجد في عصر المتنبي ثلاثة آلاف شاعر، لم يصلنا منهم إلا اسم المتنبي! ؟ وهذا دليل على دور الموهبة في بروز المبدع.

وعلى هامش المعرض دارت حوارات بيني وبين بعض الأدباء الشباب من شعراء وكتاب قصة ورواية. وكان رأيي أن عالم الإنترنت – رغم إغرائه بكثرة المتابعين - يظل محدودًا، وأن الإنتاج الأدبي ما لم يتعرض لعمليات نقد حقيقية لن ينضج، وتظل التجارب الأولية تتمأسس على الاتجاهات الجديدة لدى الشباب. ولابد أن ترتكز الحالة الإبداعية أولًا على الموهبة التي تستقي أساسها مما تم توارثه في عالم الأدب حتى يتمكن المبدع من أدواته.

تداخلت إحدى الشابات ممن أصدرن أول رواية لها، قالت: دعنا نكتب بالعامية، فنحن نجذب الشباب إلى القراءة أولًا، وعندما نخلق (حالة القراءة) يمكن أن يتجه الشاب إلى جذب الشباب للغة الأم وللتقاليد المؤسسة للإبداع!
رددتُ عليها: المشكلة أننا نتمسك بلغتنا العربية لأنها تشكل الهوية والحضارة. ثم إنها لغة القرآن الكريم، وعندما يتأسس أدبُ الشباب على العامية فإنها سوف تنتشر بشكل أوسع، ولديَّ طالبات في المرحلة الجامعية بعضهن لا يعرف إملاء كلمة لكن، ويكتبها (لاكن) أو كلمة شأنًا، ويكتبها (شأنن) أو كلمة فصاحة، ويكتبها (فصاحتن) وهكذا. فإذا أسهم أدب الشباب في الترويج للعامية، فإننا سوف نواجه حقيقة تلاشي اللغة العربية، وهذا ما تحاربه الدول والمعاهد والمراكز العلمية. كما أن الذي يتأسس على ضعف سوف يواصل ضعفهُ ما لم ينتبه ويُعدِّل المسار.
تداخل أحد المتحمسين من الشباب للغة العربية، مؤيدًا ما ذهبتُ إليه؛ مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من الشباب لا تقرأ إلا هذا النوع من الأدب (الأدب العامي)، وهذا يشوه اللغة العربية. تلفّتُ حولي فإذا بشابات في أوائل العشرينيات يتحلقن حول أحد الشباب كي يوقع لهم كتابه (المؤلف بـاللهجة المحلية) !
لم أُخفِ هذه الحقيقة، أن الشباب يمثلون أدبًا افتراضيًا، وتصورتُ أنه بعد ثلاثين عامًا، وعندما يبلغ هؤلاء الكتاب الخمسين، ويكونون قد تخرجوا من الجامعة، وبعضهم نال درجة الدكتوراه أو الماجستير من جامعات عربية، كيف كتبوا رسائلهم وبحوثهم.. إن كانوا قد تأسسوا على اللهجة المحلية، أو على 'اللغة الافتراضية'؟
لم أتمكن من الصورة، لكن التحليل المنطقي يقول - ووافقني على ذلك الصديقان الروائي واسيني الأعرج والدكتور عبد الله إبراهيم – إن الأدب في العالم يمر بمراحل صعود وانحدار! وأنه لابد من عودة الأجيال إلى الأصل، والتمسك بالمبادئ الأساسية للإبداع عبر اللغة السليمة وجمالياتها، وتزول مرحلة الخواطر والوعظ والذكريات واليوميات.
إن الغرب والمجتمع الأمريكي ما زال شبابهُ يقرأ عبر الكتاب الورقي، الذي يمرُّ بمراحل عديدة من المراجعة والتصحيح اللغوي والموضوعي، كما أن دور النشر ما زالت تطبع مواضيع قديمة جدًا، ولقد رأيتُ كتب الإلياذة والأويسة لـ(هوميروس)، والأغاني لـ(أبي الفرج الأصفهاني)، والبيان والتبيين لـ(الجاحظ)، جنبًا إلى جنب مع أعمال محمود درويش، غازي القصيبي، إسماعيل فهد إسماعيل، عبد الله القذامي، طالب الرفاعي، محمد عبد الملك، ميسون صقر.. وغيرهم.

الآن - الشرق

تعليقات

اكتب تعليقك