رأيان في 'القندرة'
عربي و دوليعطوان يشيد وعزيز الحاج يدين
ديسمبر 15, 2008, منتصف الليل 1782 مشاهدات 0
تفاوتت وجهات النظر في عالمنا العربي حول استخدام الصحفي منتظر الزيدي للحذائه (قندرته) التي رمى بها الرئيس الأمريكي جورج بوش ببغداد أثناء مؤتمر صحفي.
ورصدنا أدناه وجهتي نظر متعارضتان: واحدة للسياسي العراقي عزيز الحاج، وأخرى للصحفي البريطاني (الفلسطيني الأصل) عبدالباري عطوان. الرأيان يشكلان وجهتي نظر متضادتين ومنظورين مختلفين، ولكم الرأي:
العراق هو الذي أهين، لا شخص بوش ..
عزيز الحاج
يخطئ الشامتون بما وقع في المؤتمر الصفي بين بوش والمالكي ببغداد. يخطئ من يتوهم أن صحافة الحذاء تنال قيد شعرة من مكانة رجل عظيم، ارتبط باسمه تحرير العراقيين من الفاشية ونظام المقابر الجماعية. بوش أرفع قدرا من كل أعدائه رغم أن هناك ما عليه مثلما هناك الكثير الذي يحسب له.
الصحفي، الذي قال تعليق بالشرق الأوسط إنه من الصدريين، لم يشرف الصحافة العراقية بفعلته، ولا برسالة الصحافة، وقد أساء استعمال الحرية، التي وفرها له ولأمثاله بوش، استخداما مدانا، كما تدان الجهة التي دفعته وشجعته، ولا نعرف كيف أمكن له الحضور.
لقد نشر أزنارن رئيس الوزراء الإسباني السابق، مقالا في الصحف الفرنسية عنوانه: 'ما ندين به لبوش'، قاصدا بضمير 'نحن' العالم المتحضر وأمن الشعوب. أزنار يشيد بشجاعة بوش في المواقف الحرجة والأزمات الكبرى، وبدفاعه المستمر عن الحرية في كل مكان. أقول إن الأحرى بنا نحن العراقيين أن نكون أول من يعلن: ما نحن مدينون به لبوش وإسقاطه لنظام المقابر الجماعية، وتوفير أوسع حرية صحفية حتى نمت الصحف والقنوات العراقية كالفطر، واندس فيها من اندس، لم نعد نعرف لأي اتجاه ينتمي هذا، ومن الممول!
لو قمنا بتفكيك موجة كراهية بوش لوجدنا أن محور الكراهية ومدارها هو حرب تحرير العراق؛ يستوي في الكراهية بن لادن والملا عمر وخامنئي وأحمدي نجاد ومقتدى الصدر والإخوان المسلمون والأسد وفلول صدام، جنبا لجنب مع غلاة التطرف اليساري واليميني في الغرب، وحكام فنزويلا وزميباوبوي ومن لف لفهم.
بوش أصبح شماعة لأخطاء كل من هب ودب، وإذا كانت إدارة بوش تتحمل جزءً من مسئولية أخطاء ما بعد سقوط صدام، فإن المسئولية الكبرى تقع على القيادات العراقية وإيران وسوريا والقاعدة وفلول صدام وبعض دوائر الخليج. هذا ما يتعمدون محاولة طمسه وإلقاء كل التبعات على الولايات المتحدة وبوش؛ ولو فككنا هذه الكراهية أكثر، لوجدنا جذرها في هوس العداء للولايات المتحدة كدولة ومجتمع وحضارة.
لقد غضبت حقا لوقاحة الحدث وابتذاله، كما أقول أما كان على السيد المالكي نفسه أن يعلق فيدين الفعل فورا وأن يعتذر لبوش باسم شعبنا، وهو ما تستدعيه على الأقل أصول الضيافة، فضلا عن أن رئيس الوزراء كان هو الآخر مستهدفا بالإهانة التي جرت بحضوره.
أقف من جديد لاستعراض مدى الخراب الأخلاقي والاجتماعي الذي قام به النظام المنهار، حتى تصبح لغة القنادر لغة شبه مستساغة في العمل السياسي، لغة يجرؤ اليوم على استخدامها من كانوا يرتجفون كالفئران أيام صدام!. كم من العظام من حوربوا وشتموا، ولكن أقدارهم ظلت عالية، والتاريخ أنصفهم أو في طريق الإنصاف.
وأخيرا، لا أدري لماذا يحضرني مشهد آخر لا علاقة له بالحادث، ولا شبيه، ومع ذلك فإن القاسم المشترك هو مدى هبوط أخلاق البعثيين وكل أعداء الشعب. منظر أمس هو اغتيال الزعيم قاسم في قاعة التلفزيون، والبصقة الوقحة على وجهه العطر وهو ميت. ترى لأي درك يمكن لإنسان أن يصل، ولأي مستوى من الانحطاط الخلقي! تلك الإهانة لجثة الزعيم لم تنزل من قدره، بل ظل خالدا في قلوب العراقيين، فيما بصق التاريخ على القتلة الأوغاد.
15 ديسمبر 2008
وداع لائق بمجرم حرب
عبدالباري عطوان
بعد ست سنوات من احتلال العراق، كان من المفترض ان تكون زيارة الرئيس الامريكي 'المحرّر' (بضم الميم وكسر الراء) الوداعية علنية، وسط احتفالات عارمة من 'المحررين' (بضم الميم وفتح الراء)، حيث من المفترض ان يصطف هؤلاء على طول طريق المطار، وفي ساحة الفردوس في قلب العاصمة بغداد حاملين الاعلام الامريكية ويلوحون بها وسط عزف الموسيقى والرقص طربا وفرحا، للتعبير عن حفظ الجميل، لهذا الزعيم الامريكي البطل الذي 'حرر' بلادهم. ولكن هذا كله لم يحدث على الاطلاق، فقد وصل الرئيس الامريكي متسللا الى بغداد، ووسط اجراءات امنية مشددة، ولم يغادر المنطقة الخضراء مطلقا، ونشك ان يكون السيد المالكي رئيس الوزراء، وجلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الجديد قد علما بالزيارة مسبقا، بل فوجئا بها مثل الزيارات السابقة.
العراقيون لم يستقبلوا الرئيس بوش بالورود والرياحين ولا بالرقص بالشوارع، وانما بالأحذية، مثلما فعل احد الصحافيين الذي كان يشارك في تغطية الزيارة، ويستمع الى المؤتمر الذي عقده الرئيس الامريكي مع السيد المالكي، واسهب فيه في وصف انجازاته ومكارمه للعراقيين باحتلاله لبلدهم.
استخدام 'الاحذية' كوسيلة تعبير عن الرأي عمل غريب، وغير مهني، في نظر الكثــــيرين، خاصــة عندما يصدر من صحافي، ولكنه مفهوم اذا علمنا ان هذا الصحافي يشعر بالاحباط والقهر من جراء الاوضاع المتدهورة في بلاده واستشهاد اكثر من مليون من ابناء جلدته واشقائه واقربائه بفضل هذا 'التحرير' الامريكي لبلاده.
فالعراق الجديد الذي يتغنى به الرئيس بوش تحوّل الى مقبرة جماعية، وساحة قتل وسلب ونهب. خمسة ملايين من ابنائه هربوا من ديمقراطيته المزدهرة، وسجله الناصع في حقوق الانسان، وهو السجل الذي اسهب السيد الطالباني في امتداحه في كلمته التي القاها في حضور ضيفه الأمريكي.
السيد الطالباني الزعيم اليساري الاشتراكي المخضرم، وصف الرئيس بوش بأنه 'صديق عظيم للشعب العراقي ساعدنا في تحرير بلدنا.. ويتمتع بقيادة شجاعة.. فلدينا ديمقراطية وحقوق إنسان.. كما ان الازدهار يتحقق شيئاً فشيئاً'.
فإذا كان هذا الصديق العظيم الشجاع قد دمّر البلد، وقتل مئات الآلاف من شعبه، وهجّر ما يقرب من ربعه في الداخل والخارج، وجلب إليه الحرب الأهلية، والتقسيمات الطائفية البغيضة، وجعل العراق الأكثر فساداً في العالم، فماذا بقي للأعداء إذن؟ فبمثل هكذا صديق لا حاجة للأعداء، مثلما يقول المثل الانكليزي المعروف.
وأين الشجاعة في غزو الدولة الأعظم في التاريخ، لبلد محاصر منذ ثلاثة عشر عاماً، ممنوع عليه استيراد أقلام الرصاص، ناهيك عن السلاح والذخائر، ودون أي مسوغات قانونية وفي انتهاك فاضح للشرعية الدولية؟
نعم الرئيس بوش صديق للسيدين الطالباني والمالكي وكل الذين تواطؤوا مع المحتل لتسهيل غزو بلادهم، والمشاركة في حملات التضليل والكذب على الشعب العراقي، وكوفئوا من قبل السيد الأمريكي بالوصول الى سدة الحكم، ولكنه قطعاً ليس صديقاً للشعب العراقي، أو الغالبية الساحقة من ابنائه الشرفاء الذين يملكون تاريخاً حافلاً في مقاومة الغزاة، ورفض احتلال بلادهم، وناصروا كل قضايا الامتين العربية والاسلامية العادلة.
الصحافي العراقي الذي قذف الرئيس الأمريكي بالحذاء، وان اختلفنا معه في اسلوبه، إلا انه كان معبراً عن الأغلبية العراقية الصامتة المسحوقة التي اكتوت، وتكتوي من جراء تدهور أوضاع بلادها الأمنية والمعيشية، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا فرص عمل، في بلد يعتبر واحدا من أغنى الدول في العالم بثرواته الطبيعية وعقول أبنائه المبدعة.
فهذا الصحافي مواطن غيور على بلده، قبل ان يكون صحافيا، وهو لم يفعل الا ما يفعله نظراؤه في الغرب يومياً في ذروة احتجاجاتهم ضد سياسات المسؤولين في بلادهم من رؤساء ووزراء، حيث يقذفونهم بالبيض الفاسد، والطماطم، والرئيس بوش ليس افضل من توني بلير رئيس وزراء بريطانيا ونائبه جون بريسكوت، والقائمة تطول.
فمن المؤسف ان هذا الرئيس الامريكي الذي لفظه ابناء جلدته، وعاقبوه باسقاط مرشح حزبه في الانتخابات الرئاسية الاخيرة بشكل مهين، لا يلقى ترحيباً الا من قبل المسؤولين العرب، بينما تستقبله المظاهرات في كل مدينة او عاصمة يزورها، ولو اعطي العراقيون البسطاء الفرصة للتعبير عن مشاعرهم تجاهه، مثل بقية الشعوب الاخرى، لاستنكفوا قذفه بالأحذية، لانه يستحق القذف بما هو اكثر اهانة منها.
العقاب الذي يستحقه الرئيس بوش، وكل الذين تورطوا في مجازره في العراق، سواء من المسؤولين الامريكان او العراقيين، هو الوقوف في قفــــص الاتهام كمجرمي حـــــرب، في محكمـــة عادلة، في حضور كل ضحاياه من العراقيـــين وأهاليـــهم، سواء اولئك الذين واجهوا التعذيب والانتهاكات الجســدية والجنسية في سجن 'ابو غريب' او الذين استشهدوا بالقنابل العنقودية واليورانيوم المستنفد والاسلحة المحرمة دوليا في الفلوجة والبصرة والقائم، او برصاص القوات الامريكية الغازية في معظم أرجاء العراق.
لا نشارك بعض الصحافيين العراقيين في اعتذارهم للرئيس الامريكي عما فعله زميلهم، وان كنا لا نجادل في حقهم في التعبير عن أسفهم، فالــــذي يجب ان يعتـــــذر للشعب العراقي هو الرئيس الامريكي، الذي سفك دماء ابنائه، وجاء اليه يطلب المكافأة والعرفان بالجميل. فهذا الزميل العراقي مارس حرية التعبير، وبالوسائل التي يعتقد انها مناسبة لهذا الرئيس القاتل المجرم.
قبل ست سنوات بثت تلفزيونات عربية واجنبية في غمرة 'الفتح الامريكي العظيم للعراق' لقطة لعراقي يضرب صورة للرئيس العراقي السابق صدام حسين بالحذاء وسط ابتهاج المخدوعين والمضللين.
وها هو التاريخ يعيد نفسه حيث يرد الكثير من العراقيين الاعتبار لرئيسهم الشهيد ويضربون الرئيس بوش شخصيا وليس صورته بالحذاء.
هذا الصحافي يمثل وجه العراق الحقيقي ورأيه بـ'محرري' بلاده ومن يحكمونها امام العالم بأسره.
تعليقات