يكتب فيصل الشريفي: تعايش العرب كراهية
زاوية الكتابكتب فبراير 18, 2016, 11:33 م 434 مشاهدات 0
الجريدة
تعايش العرب كراهية
أ.د فيصل الشريفي
قبل فترة كتبت عن أهمية التسامح كضرورة للتعايش السلمي، وأنه صفة إنسانية عظيمة خصها الله عز وجل في أكثر من آية في كتابه الكريم، وسنها نبيه عليه وعلى آله أفضل الصلاة بالفعل والقول، حتى كانت محور مديح الله لنبيه بوصفه بعظيم آيات الكمال والخلق الكريم.
حاضرنا وماضينا العربي والإسلامي مؤلمان ومليئان بالمآسي، فلا صفح ولا تسامح إلا من خلال السيف ودخان البنادق، وإن وجد فمن خلال صفح المنتقم لا المنتصر، ولذلك عندما نرى أو نسمع بقصة عن الصفح نملأ الدنيا فخراً بالتهليل والتكبير.
مسكين الإنسان المسلم ومسكين أكثر لو جمع الهويتين العربية والإسلامية اللتين لم تجلبا له سوى الكراهية، فبالأنساب نتفاخر ونتعالى على بعض، وبالمذاهب نكفر ونقتل على الهوية، فكل ما سمعناه عن مقومات الوحدة من دين ولغة واحدة لم يتعدّ أسوار الجامعة العربية وبعض سطور مادة الجغرافيا والتاريخ، وكأنها ورق فتية أصحاب الكهف.
في الثاني من نوفمبر لعام 1917 أرسل آرثر جيمس بلفور رسالة إلى اللورد وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود، ومنذ ذلك الوقت تقاطر اليهود ومن كل أقطار العالم على فلسطين ومعهم كل تناقضات الدنيا، إلا أنهم تحكموا بالقرار العالمي في أقل من نصف قرن من الزمان.
هذه الدولة الهجينة تمكنت من فرض نفسها على القرار العالمي لأنها قدمت مصلحة مواطنيها على ما سواها من المصالح، فعلا كعبها في عالم الصناعة الحربية وصناعة الجواهر والكيماويات حتى وصل دخل الفرد فيها إلى أكثر من 40 ألف دولار بفضل اهتمامها بتنمية الإنسان واعتمادها مبدأ قبول الرأي والرأي الآخر، فالمواطن اليهودي يتمتع بكل حقوقه، وتكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا تسمع فيها عن إرهاب يهودي رغم ارتكابها أقسى أنواع المذابح والجرائم في العرب.
على فكرة هذه الدولة الهجينة فيها من الأحزاب ما يفوق عدد أحزاب الوطن العربي مجتمعة، وفيها مؤسسات إعلامية تناهض سياسة الدولة التوسعية والعدائية، لكننا لم نسمع عن سجون فتحت لمخالفيها ما داموا يهودا يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية.
سؤال للمستقبل لأبناء قومي من العرب المسلمين ممن طالهم التشريد والقتل، هل بمقدوركم نسيان الحاضر وغدر الأخ والصديق وابن العم والجار؟ أم ستظل رائحة البارود والدم هي الوسيلة التي تطفئ نار غضبكم؟
قبل أن أنهي هذا المقال سأذكر قصة حدثت معي في مرحلة الدراسة الثانوية، حيث تعديت بالضرب المبرح على صديق لي في ساعة غضب وطيش مراهق، وبعد تفريقنا عن بعض أخذنا مشرف الجناح إلى ناظر المدرسة، وأثناء سيرنا وجدت صاحبي يبكي، وهو الذي لم يعرف بالجبن يوماً، وهنا أخذني الفضول والحسرة على حال صديقي فقلت له لماذا تبكي؟ فسكت لدقائق ثم قال لأجل صداقتي معك.
صاحبي هذا لم يكتف بذلك، بل طلب من مشرف الجناح أن يرجع بنا إلى الفصل خوفاً عليّ من العقوبة، وهنا وفي تلك اللحظات لم أتمالك نفسي من البكاء لهذا الموقف النبيل الذي كان سبباً في استمرار علاقتي مع صديقي إلى اليوم، ودرسا عمليا لمعنى الصفح، اتخذته نهجاً لي في حياتي كلها.
ودمتم سالمين.
تعليقات