الهند بلد العجائب والمفارقات.. بقلم وائل الحساوي

الراي

نسمات  -  الهند.. بلد العجائب

د. وائل الحساوي

 

يسر الله تعالى لي زيارة الهند مع أهلي خلال العطلة الماضية، ولم أجد في ذلك البلد شيئا مميزا عن بقية البلدان، فالهنود الذين يملأون بيوتنا وشوارعنا في الكويت هم الهنود أنفسهم هناك، ولكن شاهدت التناقض في معيشتهم وعاداتهم، فهنالك القصور الفارهة التي تنافس أفضل القصور في العالم، لاسيما قصور حكام الهند السابقين من المغول المسلمين وقصور المهراجات، وقد سكنا في فندق «راج بالاس» في مدينة جابور، والذي بذل المهراجا جهده لتحويله الى تحفة معمارية، وشاهدنا الحدائق الغناء وأنواع الأثاث وعندما سألنا عن الغرف الفارهة التي وضعوا صورها في كتاب الفندق اخبرونا بأنها مقفلة ولايملك مفاتيحها الا ابناء المهراجا الذين يعيشون في الجهة الثانية من المدينة، ويجب أن يأخذوا منهم الإذن لفتحها!

مقابل الفندق ترى أسواقا شعبية مكتظة بالباعة المتجولين الذين يبيعون كل شيء، ويشوون جميع انواع المأكولات، حيث تتصاعد الادخنة من عرباتهم وتجتذب آلاف المارة، وكلما فكرنا في تذوق شيء من ذلك الشواء، تذكرنا التحذيرات الكثيرة التي قدمها لنا الاصدقاء بان هذا الأكل هو اقرب طريق الى المستشفى وإلى الموت!

أينما سرنا في شوارع الهند فإننا نرى آلاف البشر على الطرقات، والكلاب والخنازير والبقر الذي يقدسه الهندوس ويمنعون التعرض له لأنه - كما يرونه - آلهة، ولكن الغريب هو انهم يسخرون البقر في حمل أمتعتهم وفي الزرع ولشرب حليبه، فكيف يكون مقدسا ويتحمل كل تلك المشاق؟!

أما الطرقات فتعج بأنواع السيارات والشاحنات والسياكل «والتوكتوك» والدراجات، وتتزاحم بينها في مشهد غريب من الفوضى الممنهجة، وقد استغرقنا خمس ساعات ونصف الساعة في السيارة لنقطع طريقا بين مدينتين يبلغ طوله 220 كيلومتراً لشدة الزحام، والتعرج، وتشهّدنا مرات عدة خوفا من الاصطدم!

لكن لاحظت شيئين مميزين في الهند: الاول هو ان الناس بالرغم من الفوضى الشديدة في السير وعدم احترام القوانين، لكنهم لا يتخانقون فيما بينهم لكن يكتفون باطلاق (الهرن) والسير بسرعة، وتذكرت كيف يتصرف السائقون في الكويت بسبب امور تافهة مثل (ليش تخزني)، وكيف تصل بهم الامور إلى طعن الآخرين وقتلهم ! فالهنود شعب مسالم مع الجميع. الشيء الآخر هو أننا مررنا على مبان كبيرة قالوا لنا إنها منازل للوزراء يتم انتقالهم اليها ليعيشوا فيها خمس سنوات هي فترة توليهم للوزارة ثم يتركونها للوزراء الجدد، وتذكرت كيف ان الوزراء في الكويت قد لا يشغلون المنصب الوزاري الا بضعة ايام او اشهر ثم يتم استبدالهم، فكيف يتم توزيع البيوت عليهم !! قمنا بزيارة مدينة أجرا التي يقع فيها مسجد «تاج محل» الشهير، وقد تعجبنا من عدد الفنادق فيها والباصات السياحية، ثم اكتشفنا في اليوم التالي بأن ملايين السياح يأتون لزيارة هذا المسجد الكبير الذي هو عبارة عن ضريح شيّده الملك المسلم قديما وفاءً لزوجته التي ماتت وهي تضع مولودها الرابع عشر، وعندما تساءلت عن سبب تعلق الناس بهذا المكان، هل هو لعظمة بنائه الرخامي والذي لايضاهي ربع بناء الحرم المكي الشريف، اجابوني بان السبب الحقيقي هو شعور التقدير لذلك الملك الذي كافأ زوجته تلك المكافأة لتكبدها العناء من أجله!

مظاهر البذخ والزخارف والقصور الضخمة في الهند، يقابلها مظاهر الفقر والفوضى والمعتقدات الغريبة، ذلك ما يميز الهند عن غيرها من بلدان العالم ويجعلها فعلا بلد العجائب!

الأعجب من كل ذلك هو ان الهنود الذين استطاعوا التعايش السلمي فيما بينهم،بالرغم من اختلاف الوانهم ودياناتهم والسنتهم ومعتقداتهم، والذين استطاعوا تطوير اقتصادهم وصناعاتهم في ظل نظام ديموقراطي مهيمن على اكثر من مليار و200 مليون نسمة، يقابله فوضى خلاقة في بلداننا وعصبيات وقتال مستمر، والاهم هو الفشل في ادارة بلد لايزيد عدد سكانه عن مليون وربع المليون نسمة ويملك ثروات طائلة وشعبا متعلما!