الحقيقة اننا لم نستفد من الديموقراطية سوى وقاحة التطاول وبذاءة الحناجر,بلا ديموقراطية بلا مجلس أمة بلا.. «نيله»., .: فحوى مقالة نبيل الفضل
زاوية الكتابكتب ديسمبر 1, 2008, منتصف الليل 723 مشاهدات 0
الديموقراطية المتوحشة
نبيل الفضل
الديموقراطية هي نظام حكم استحدثه العقل البشري ليستبدل به استبداد وديكتاتورية الحكم الفردي، الذي اشتهر بقسوته وظلمه. والديموقراطية لا تعدو كونها مجرد اسلوب ووسيلة للوصول الى الغاية المبتغاة للمجتمعات، وهذه الغاية هي مثلث... الحرية والعدالة والمساواة.
فالديموقراطية ليست غاية وانما هي وسيلة، فإن عجزت أو علقت أو غرقت واستحال الوصول بها للغاية، وجب انتشالها واعادة صياغة هندستها لتواجه صعاب الطريق لتصل بالمجتمع الى مثلث النهاية.
ولعله من الطريف ان اهل الديموقراطية من مبتدعين وممارسين يقولونها ملء الفم، بأن افضل نظام حكم هو حكم الديكتاتور العادل، ولكن ليس هناك امكانية ضمان عدالة الديكتاتور الذي يأتي من بعده، لذا فالنظام الديموقراطي ان لم يأت بحكم عادل فإنه افضل وسيلة لعدم وصول ديكتاتور ظالم.
ولا يوجد كتاب أو مرجع في الكرة الارضية يدعي بأن الديموقراطية نظام يصلح لجميع شعوب الارض على اختلاف ثقافاتها وعاداتها واديانها ومزاجها الشعبي.
ونحن في الكويت اختار الحكم عندنا وفي فترة حرجة من مخاطر العروبة وتهديد القومية ان يستورد الديموقراطية الغربية كنظام حكم يفتح الباب للمشاركة الشعبية في الحكم، املا في دفع البلاد على خطى الغرب الذي حقق ما حقق عبر نظامه الديموقراطي.
ولقد فات كتبة الدستور يومها ان اصدار الدستور والدعوة الى انتخابات لن يجعل الكويت في مصاف بريطانيا وامريكا ديموقراطياً لسبب بسيط، وهو ان الشعب الكويتي لم يؤهَّل ولم يُعدّ لممارسة الديموقراطية كما حدث في بريطانيا وامريكا، اللتين لم تسمحا للمواطن العادي بالتصويت الا بعد قرون من تصويت الصفوة.. فقط.
الآن وقد مضت خمسة واربعون عاماً على بدء الديموقراطية الكويتية، لننظر اين نحن من اهداف الديموقراطية ومثلثها الذهبي.
الحريات تقلصت ولاتزال تتقلص عبر القوانين غير الدستورية التي اقرها نواب الدستور، فمن منع للخمر الى منع للحفلات، الى منع للادب اذا خالف عاداتهم، الى منع الفن اذا خالف تقاليدهم، الى منع الاختلاط الى تقديم قانون يجرم حرية التعبير لمن يطالب بحل مجلس الامة، الى منع الفضائيات التي تنتقد نواب الدستور!
المساواة انمحت على يد نواب الدستور، فمن ليس عنده نائب «يراكض» بمعاملته فلن يصل اليها الا بعدما تنتهي حاجته لها، في حين ان من لديه نائب يكسر القانون لأجل صوته، فإنه سيأخذ ما تريده انت وتلهث وراءه وهو جالس في البيت.
العدالة، حدث ولا حرج، فما هو حقك كمواطن يطير الى حضن من لاحق له او من لم يصل له الدور، وتظل انت فاغر الفاه تعصر الحسرة قلبك.
وحق ابنك بالوظيفة ينتزعه نائب ليعطيه من ليس بكفاءة ابنك ولا هو متقدم عليه في شيء سوى الواسطة النيابية.
الحقيقة ان المثلث الذهبي للغايات والديموقراطية قد تهشم وعلاه الصدأ في دولة الكويت الديموقراطية عبر اختلالات دستورية تتيح الابتزاز النيابي عبر أداة الاستجواب، التي تركت دون صمام أمان بيد أي من هب ودب ونجح في يانصيب الانتخابات النيابية.
الآن وقد اختفت ملامح الغايات الديموقراطية من حرية وعدالة ومساواة، تعالوا ننظر الى ارض الواقع من حياة معاشة، ماذا فعلت هذه الديموقراطية المتوحشة في الكويت؟!
لقد تمزق المجتمع الكويتي الى قبائل وبطون وفخوذ وعوائل وقبائل مستجدة، وفصائل متصارعة من السنة، وفصائل اخرى متباغضة من الشيعة.كل ذلك بسبب الانتخابات ومحاولة كل فرقة ان تفوز بجزء من الكيكة البرلمانية لما لها من بريق وعوائد استحواذية.
ولعله من المضحك او المبكي ان الانتخابات ما دخلت مجالا من مجالات الحياة الكويتية الا واتت لنا بالكوارث. هذا مجلس الامة وهذه الجمعيات التعاونية وتلك الرياضة وهناك الانتخابات في القطاع الخاص وغيرها. فكلها يجمعها عنصر عدم ادراك الناخب لقيمة صوته وجهله بمسؤوليته الوطنية.
ثم انظروا لمجالات الحياة الاخرى.. فالتعليم في انحدار منذ عبثت به الايادي النيابية ووظفت من زرع القنابل في المناهج لتنهار وتتراجع، حتى اصبح مستوى التعليم في الستينات يتفوق على مستواه في التسعينات.
والرعاية الصحية التي كان مواطنو دول الجوار يتمنونها عندهم ويأتون للحصول عليها، امست في وضع مهترئ مخجل بسبب التدخل النيابي في التوظيف او انهاء خدمات القيادات الصحية.
وحركة المرور في الكويت هي الاغبى في العالم بعدم انضباطيتها، لان قانون المرور لا يمكن تطبيقه مع تدخل واسطات نواب الفزعة واقتحام فصل السلطات.
والقضية الاسكانية في مهب الريح لان اغلب نواب المجلس تجار عقار واراضي، لعل اكبرهم واشهرهم العم أحمد السعدون الذي تصدى للازمة السكنية فانهى مستقبل الابناء في امتلاك بيت او سقف فوق رؤوسهم.
وهكذا الحال في شتى مجالات الحياة اليومية، لم يسلم من يد الديموقراطية الكويتية المتوحشة مجال.
والغريب في الديموقراطية الكويتية المضحكة، ان الديموقراطية نظام علماني ومع ذلك فلم يعلُ سلطان التدين والشريعة المزعومة الا في ظل هذه الديموقراطية.
والديموقراطية نظام مجتمع مدني ومع ذلك لم تتعملق القبيلة يوماً كما تعملقت في الكويت، حتى وصلنا الى قيام بني عبس تحت ظلال الدستور!. مع خالص احترامنا لبني عبس وغيرهم من قبائل.
والديموقراطية نظام سيادة القانون، ومع ذلك فهيبة القانون في الكويت هي هيبة ساقطة مبتذلة تسوقها اكف النواب اينما ارادوا.
والحقيقة اننا لم نستفد من الديموقراطية سوى وقاحة التطاول وبذاءة الحناجر.
اعزاءنا
الديموقراطية تحضر وتطور وتمدن ورقي. وديموقراطيتنا المتوحشة تحولت من مشاركة في الحكم الى استبداد بالحكم النيابي، وامست ديموقراطية بداوة وتخلف وتطرف وابتذال و... وحشية.
بلا ديموقراطية بلا مجلس أمة بلا.. «نيله».
تعليقات