الإقصائيون لا يستمعون إلا لأنفسهم.. هذا ما يراه وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 599 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  -  الإقصائيون

وليد الرجيب

 

ارتبط مفهوم «البقع البيضاء» بستالين، فبعد موت لينين أعدم ستالين مجموعة كبيرة من رفاق لينين، بتهم كبيرة مثل الخيانة العظمى وخيانة الثورة وغيرها، وفي لحظة الإعدام كان هؤلاء يهتفون بحياة الحزب وبحياة ستالين قبل أن يعدموا حفاظاً على وحدة الحزب.

وبعد إزالتهم من الوجود وإزاحتهم عن طريقه، ظلت صور هؤلاء المشتركة مع ستالين موجودة، لتثبت أنهم كانوا من أعضاء الحزب القدامى، والمشاركين في الثورة البلشفية، فأمر ستالين بمحو صورهم، فوضعت المخابرات السوفياتية بقعاً بيضاء على صورهم، ورغم أنه كان سلوكاً كاريكاتيرياً، إلا أنه كان يعكس روح ستالين الانتقامية، وتحقيقه لحلم الزعامة بأي شكل، حتى بتصفية أقرب رفاقه، لكن التاريخ لم ينسهم فها نحن نتحدث عنهم الآن.

وهذا ينطبق على كل شكل من أشكال الإقصاء، فكرياً وسياسياً، فالإقصاء يعكس ضعفاً واستسهالاً لإلغاء الآخر وإزالة رأيه وموقفه، حتى وإن كان بالتلفيق والإساءة لسمعته وتحجيمه، وصولاً إلى التصفية الجسدية، فالأمر عند الإقصائيين لا يتعلق بالحقيقة، بل ربما بضيقهم من الرأي الآخر، والتخلص من معارضته بدلاً من محاورته ومحاججته.

ومن أشهر سلوكيات الإقصاء في التاريخ، إقصاء مارك أنتوني لبروتس، بعد قتل يوليوس قيصر، بسبب أخطائه الشنيعة وتفرده وإلغائه للديموقراطية الرومانية، فقد استطاع مارك أنتوني إقناع الجماهير بقلب الطاولة على بروتس والنواب النبلاء، وأعتُبر خطابه من أشهر الخطابات في التاريخ، والتي أشعلت غضب ومشاعر الألم عند المستمعين، باتهام الآخرين بالخيانة والجريمة اللاأخلاقية، واللعب على عواطف البسطاء، فانقسمت الجماهير الرومانية ودخلت في حرب أهلية طاحنة، وكل يدعي أن الحق معه، حتى أصبحت الغلبة للانقلابيين مارك أنتوني وأوكتافيوس، لكن التاريخ أنصف بروتس والنبلاء.

وحتى بين القوى السياسية والأنظمة المستبدة، هناك دائماً محاولات لتهميش الآخر، لدرجة اتهامه بالكفر أو الخيانة، فقط لإزاحته عن الطريق وإلغائه، والإقصائيون لا يستمعون إلا لأنفسهم ولا يصدقون إلا ما يريدون تصديقه، سواء كان شخصاً واحداً أم جماعة، ولا ننسى إقصاء مناضلين، تمت تصفيتهم جسديا تحت التعذيب، ثم لاحقاً تذويب جثثهم بالأسيد، بسبب من رغبة دكتاتور متفرد، يعشق عبادة الآخرين لذاته المتضخمة.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك