المدير العام لليونسكو يكرم كلود ليفي ستروس بمناسبة ذكرى ميلاده المئة
عربي و دوليعدم المساواة تقوِّض فرص التعليم لملايين الأطفال
نوفمبر 25, 2008, منتصف الليل 612 مشاهدات 0
يشارك المدير العام لليونسكو، كويشيرو ماتسورا، في التكريم الذي يقام لكلود ليفي-ستروس، بمناسبة ذكرى ميلاده المائة.
صرّح المدير العام بما يلي: ' كلود ليفي-ستروس، أحد وجوه الفكر في القرن العشرين، رافق عن كثب تاريخ اليونسكو. ونتاجه الفكري، ذو الرسالة الإنسانية والمدى الشمولي، أحدث هزّة عميقة في رؤيتنا للعالم. فهو، إذ عُني بجميع الحضارات، علّمنا مقدار تعقيد الأساطير وتنوع الثقافات، وعلمنا في الوقت نفسه مدى هشاشتها. فأصبحنا نعرف بفضله أن ثراء الإنسانية يكمن في تنوعها وفي قدرتها على الاعتراف بمكان للآخر.وهذه الرسالة لا تزال رسالتنا'.
وجدير بالذكر أن كلود ليفي-ستروس شارك، منذ عام 1949، في أعمال اللجنة الدولية للعلماء المكلفين بصياغة إعلان اليونسكو الأول عن العنصر الذي صدر في عام 1950. وانتدبته اليونسكو في تلك السنة نفسها لإجراء استقصاء عن حالة العلوم الاجتماعية في باكستان. وفي عام 1951، عين عضوا في لجنة الخبراء المجتمعين لإنشاء المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية، ثم صار الأمين العام الأول لهذا المجلس من 1952 إلى 1961. وفي عام 1952 قام، ملبّيا طلب اليونسكو، بتحرير كتاب عن العنصر والتاريخ. ودُعي كلود ليفي-ستروس في عام 1971 لافتتاح السنة الدولية لمكافحة العنصرية، فألقى في مقر المنظمة محاضرته الشهيرة بعنوان 'العنصر والثقافة'.
وفي 16 نوفمبر 2005، افتتح كلود ليفي-ستروس، إلى جانب شخصيات أخرى عديدة، احتفالات الذكرى السنوية الستين لتأسيس اليونسكو. ومما صرّح به في المداخلة التي ألقاها وقتئذ: 'ومن ثَمَّ فليس التنوع الثقافي والتنوع البيولوجي ظاهرتين من النمط نفسه فحسب، بل إن بينهما ترابطا عضويا، ونحن ندرك كل يوم أكثر أن مسألة التنوع الثقافي تتجلّى فيها، على نطاق البشرية، مسألة أوسع منها بكثير، وحلها أشد إلحاحا، ألا وهي مسألة العلاقات بين الإنسان وسائر أنواع الأحياء؛ وأنه لا جدوى من ادعاء حل المسألة على مستوى ما دون معالجتها على المستوي الآخر، على اعتبار أن الاحترام الذي نتمنى الحصول عليه من كل إنسان تجاه الثقافات المختلفة عن ثقافته لا يعدو أن يكون حالة معيّنة من الاحترام الذي ينبغي أن يكنّه تجاه سائر أشكال الحياة'.
من ناحية اخرى يفيد تقرير نشرته اليونسكو اليوم أن تقاعس الحكومات، في مختلف أقطار العالم، عن معالجة جذرية لمعضلة عدم المساواة بشتى أشكالها في مجال التربية، يقضي على ملايين الأطفال بأن يعيشوا في الفقر، وتتناقص فرص نجاحهم.
التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2009، وعنوانه 'التغلب على عدم المساواة: أهمية الحوكمة'، يُلقي التبعة على مزيج من اللامبالاة السياسية، وضعف السياسات الوطنية، وتقاعس الجهات التي تمنح المساعدات عن العمل بالتزاماتها. ويحذِّر من أن أشكالا من عدم المساواة في مجال التعليم 'غير مقبولة'، قائمة على الصعيدين الوطني والعالمي، تقوِّض الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية الدولية.
وعلّق المدير العام لليونسكو على هذا الوضع قائلا: 'حين تصاب الأنظمة المالية بفشل أو قصور، تظهر العواقب بوضوح شديد، وسرعان ما تتحرك الحكومات. أما حين تصاب أنظمة التعليم بفشل أو قصور فإن العواقب تكون أقل ظهورا، ولكنها ليست أقل واقعية. لأن انعدام المساواة في فرص التعليم يغذي الفقر والجوع ووفيات الأطفال، ويضيِّق آفاق النمو الاقتصادي. فلهذا السبب يجب على الحكومات أن تعمل بشعور أكبر من الاستعجال'.
و يعزز تقرير اليونسكو بالوثائق ما يصفه 'هوّة واسعة' في فرص التعليم تفصل بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة. ويسترعي الانتباه إلى ما يلي:
· في البلدان النامية، واحد من كل ثلاثة أطفال (عددهم الكلي 193 مليونا) يبلغ سن الالتحاق بالتعليم الابتدائي وقد أفسد عليه سوء التغذية نمو الدماغ وآفاق التعليم – وترتفع النسبة إلى ما يربو على 40٪ في بعض الأنحاء من جنوبيِّ آسيا. ثم إن النمو الاقتصادي العالي في بلدان مثل الهند قلما أسفر عن تقليل سوء تغذية الأطفال، ما يبعث على الشك في السياسات العامة الراهنة.
· 75 مليون طفل في عمر الالتحاق بالتعليم الابتدائي باقون خارج المدارس، وثلثهم تقريبا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
· في حين أن أكثر من ثلث أطفال البلدان الغنية يكملون دراستهم الجامعية، نسبة أصغر من تلك بين أطفال بلدان جنوب الصحراء الكبرى من أفريقيا يكملون دراستهم الابتدائية، وفقط 5٪ منهم يلتحقون بالدراسة الجامعية.
الفوارق الوطنية مرآة لأوجه عدم المساواة على الصعيد العالمي. فأطفال البلدان الأفقر الـ 20٪ ، مثل إثيوبيا ومالي والنيجر، احتمال التحاقهم بالتعليم الابتدائي أقل بثلاث مرات من احتمال التحاق أطفال البلدان الأغنى الـ 20٪. وكذلك في بيرو والفلبين، أطفال الأسر الأفقر الـ 20٪ يتلقّون من التعليم أقل مما يتلقى أطفال الأسر الأغنى بمقدار 5 سنوات.
ليس الحرمان من التعليم متوقفا على حجم الثروة. فالبنات لا يزال تعليمهن مهملا. ولا تزال كبيرةً الفجوةُ بين عدد المسجَّلين والمسجّلات من الأطفال في المدارس، على امتداد جنوبي آسيا وما جنوب الصحراء الكبرى من أفريقيا. ولا تزال قائمة أشكال الحرمان المبنية على اللغة والعنصر والإثنية، والفوارق بين الأرياف والمدن لا تزال راسخة. ففي السنغال مثلا، حظ أطفال المدن في الالتحاق بالتعليم الابتدائي أكبر مرتين من حظ أطفال الريف.
ويعلّق مصنِّفو التقرير بقولهم: 'ينبغي ألا تتحكم بفرص تعليم الأطفال ظروف ولادتهم، ولا جنسهم، ولا ثروة آبائهم، ولا لغتهم، ولا لون بشرتهم'.
أهداف لا تزال صعبة المنال
ويُنبِّه تقرير اليونسكو إلى أن أرقام غير الملتحقين بالتعليم لا تدل إلا جزئيا على حجم التحدي. إذ إن ملايين الأطفال يبدأون الدراسة لكنهم يتسربون قبل إتمام مرحلة التعليم الابتدائي. وبالإضافة إلى ذلك، يُثبت تقييم التعلّم بقويّ التوثيق فشل الأنظمة التعليمية في توفير التعليم الجيد – إذ إن كثيرا من الأطفال يغادرون المرحلة الابتدائية دون أن يكتسبوا أدنى المهارات الأساسية في القراءة والحساب.
يقدّم تقرير اليونسكو السنوي تقييما تفصيليا لما يُحرَز من تقدم باتجاه أهداف التعليم الرئيسية، بما فيها تنمية الطفولة المبكرة، وتعميم التعليم الابتدائي، والمساواة بين الجنسين، ومحو الأمية، وجودة التعليم. وفيما يسترعي الانتباه إلى المكاسب المشجِّعة في بعض أفقر بلدان العالم، يحذِّر من أن كثيرا من الأهداف لن يُحقق بدون اتخاذ تدابير صارمة – وفي بعض الحالات باعتماد هوامش كبيرة جدا في التقدير.
ولْنأخذْ على سبيل المثال هدف تعميم التعليم الابتدائي. يبيّن التقرير بالوثائق بعض الأداء الوطني والإقليمي المرموق. ففي بلدان ما جنوب الصحراء الكبرى من أفريقيا، وبلدان جنوبيّ آسيا وغربيّها، ازداد المعدل الصافي للمسجّلين في المدارس زيادة ملحوظة من عام 1999 حتى اليوم. وخفض كل من تنزانيا وإثيوبيا عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم تخفيضا فاق 3 ملايين طفل. وسجّل نيبال مكاسب قوية، على الرغم من استطالة النزاع المدني. وفي منطقة متسمة بعمق عدم المساواة بين الجنسين، تساوى في بنغلاديش عدد البنات وعدد الصبيان الذين بلغوا مستوى التعليم الثانوي.
لكن الخبر السيِّئ الذي يأتي به التقرير هو أن العالم ليس في طريقه تحو تحقيق هدف التنمية الدولية المتمثل في تعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2015.
إذ تفيد إضاءات جزئية أنه سيبقى في عام 2015 خارج المدارس ما لا يقل عن 29 مليون طفل. وهذا الرقم الكبير ناجم عن تقدير أقل من الواقع، لأنه لا يشمل البلدان الرازحة تحت النزاعات، مثل السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتفيد الإضاءات أيضا ما يلي:
· يقدر أن يبقى خارج المدرسة 7.6 ملايين طفل في نيجيريا، و 3.7 ملايين طفل في باكستان، عام 2015. ويلاحظ التقرير: 'يعاني كلا البلدين من ضعف الإدارة وارتفاع سويات الظلم من حيث التمويل والتزويد'. ثم إن باكستان يشهد تسجيل 80 بنتا مقابل تسجيل كل 100 صبي.
· ويقدّر أن يكون في إثيوبيا وبوركينا فاسو أكثر من مليون طفل خارج المدارس في عام 2015.
· وهناك 12 بلدا يقدر أن يكون فيها نصف مليون طفل خارج المدارس في عام 2015.
· 60٪ أو أكثر من طلبة الثانويات في البرازيل، وإندونيسيا، وتونس يُحرزون أدنى مرتبة ممكنة في التقييم الدولي للتحصيل العلمي.
· وكشف تقييم أُجري في الهند أن قرابة نصف تلاميذ الصف الثالث استطاعوا قراءة نص لمستوى تلاميذ الصف الأول.
ويستلزم، التعويض عن أشكال العجز هذه، إصلاحات واسعة النطاق ومزيدا من الاستثمارات. ففي كثير من البلدان، تشكو الأنظمة التعليمية بصورة مزمنة من نقص التمويل ونقص الموارد الموفّرة. وفي بلدان جنوب الصحراء الكبرى من أفريقيا فقط يلزم توظيف 3.8 مليون معلم جديد من اليوم حتى عام 2015، بهدف تحقيق تعميم التعليم الابتدائي.
وعدا القصور الراهن، يبيّن تقرير اليونسكو بالوثائق وجود مقدار كبير من المتأخرات المتراكمة. إذ لا يزال يوجد ما يقدَّر بـ 776 مليون راشد في العالم يفتقرون إلى أساسيات محو الأمية – يعني 16٪ من سكان العالم. وثلثاهم من النساء. وبناء على الاتجاهات الراهنة، يُقدَّر بأن يبقى في عام 2015 ما يربو على 700 مليون من الأميين الراشدين.
سياسات من أجل تعزيز الإنصاف
يعرض التقرير التغلب على عدم المساواة: أهمية الحوكمة جدول أعمال إصلاحيا واسع المدى. والرسالة المحورية التي يتضمنها هي أنه لا بد للحكومات من إعطاء الإنصاف والعدالة الاجتماعية أولوية أعلى. وصرّح ماتسورا: 'إذا كانت حكومات العالم جادة بشأن التعليم للجميع، يتوجّب عليها مزيد من الجدية في معالجة معضلة عدم المساواة'.
ويستند التقرير إلى الخبرة الدولية فيحدد سلسلة من التدابير السياسية لإزالة الأشكال الحادة من عدم المساواة. وتشتمل هذه السلسلة على ما يلي: إلغاء الرسوم المدرسية المفروضة في إطار التعليم الأساسي، وزيادة الاستثمارات العامة، وتقديم حوافز من أجل البنات والفئات المهمَّشة، وتقوية الالتزام بجودة التعليم. وكشف التقرير عن نتيجة معاكسة تسببها السياسة اللامركزية، أي أن هذه كثيرا ما زادت عدم المساواة بتوسيعها الفجوات المالية بين المناطق الغنية والمناطق الفقيرة.
ويذكر التقرير مثالا مشجّعا وجده في أمريكا اللاتينية، وهو أن عدة بلدان في هذه المنطقة أعملت برامج تحويلات نقدية لصالح الأسر الفقيرة، دفعها مشروط بالمواظبة المدرسية والزيارات الطبية. وبرنامج Oportunidades (توفير الفرص) الذي ابتكرته المكسيك، وهو من أكبر البرامج في هذا المجال، أصبح يُطبّق في نيويورك على أساس تجريبي.
وينتقد مصنِّفو التقرير النهوج الحالية في إصلاح إدارة التربية. فيحذّرون من تصدير ما وصفوه 'مسوَّدات برامج الإصلاح الإداري' من البلدان الغنية إلى البلدان النامية. ويطعن التقرير في السياسات الرامية إلى توسيع دور القطاع الخاص من أجل التعويض عن فشل الدولة. فيشرح كيفين واتكينز: 'على الرغم من احتمال أن يؤدي القطاع الخاص التعليمي دورا في بعض المناطق، يبقى أن توفير القطاع العام للتعليم الأساسي بصورة فعّالة وفي مقدور الناس هو الأساس الحقيقي لتوفير التعليم للجميع. فإذا انكسر نظام التعليم العام، وجب على الحكومات جبره'.
الجهات المانحة لا تفي بتعهداتها
ويتهم تقرير اليونسكو الجهات المانحة بـ'التقصير الجماعي' في تقديم المساعدات التي تعهدت بتقديمها.
ويحسب التقرير، على أساس تقدير معتدل، أن نقص التمويل من المساعدات اللازمة لتحقيق التعليم الأساسي للجميع بحلول عام 2015 يبلغ سنويا نحو 7 مليارات بالدولار الأمريكي. وورد في التقرير أن 'مقادير النقص هذه في المساعدات تجمّد التقدم'.
صحيح أن الجهات المانحة التي حضرت القمة التي عقدتها الأمم المتحدة في عام 2008 بشأن الأهداف الإنمائية للألفية أعلنت إعلانات مشجّعة، لكن الميول الراهنة من حيث تقديم المساعدات تشير في اتجاه مقلق كما يتبيّن مما يلي:
· في عام 2005 تعهدت الجهات المانحة بزيادة حجم المساعدات حتى 50 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2010. لكن المساعدات الحالية تشير إلى نقص 30 مليار دولار أمريكي عما سبق التعهد به، والنصف تقريبا كان مقررا تقديمه إلى البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
· المساعدات المتعهّد بتقديمها للتعليم الأساسي ركدت منذ عام 2004، ما يبعث على الشك في التعهدات بالتمويل المتوسط الأجل.
· مبادرة المسار السريع، وهي إطار للمساعدة المتعددة الأطراف من أجل توفير التعليم للجميع، لا تلبّي التطلّعات حسبما يفيد التقرير. فتقديم المانحين دعما غير وافٍ يعني أن البلدان التي لديها خطط معتمدة ستواجه في عام 2010 نقصا في التمويل المقدم من مبادرة المسار السريع يساوي 2.2 من مليارات الدولارات الأمريكية.
ويعقِّب التقرير على الوضع بالقول: 'إذا كانت الجهات المانحة جادة في تعهداتها تجاه التعليم، فلن تتحمل زيادة على سنوات التقصير في الأداء'.
وينتقد مصنّفو التقرير أيضا شديد النقد ممارسة بعض الجهات المانحة الانحراف بالمساعدات نحو التعليم العالي. ففي حين تخصص بلدان مثل هولندا والمملكة المتحدة 60٪ من مساعداتها للتعليم الأساسي في البلدان المنخفضة الدخل، تعتمد بلدان أخرى أولويات مختلفة: إذ تخصص فرنسا 12٪ من مجموع مساعداتها الإنمائية للتعليم الأساسي في البلدان المنخفضة الدخل، وتخصص ألمانيا 7٪ فقط.
ويلاحظ التقرير: 'كلا هذين البلدين يعطي أولوية لإعانة المواظبين في جامعاته ... أكبر مما لدعم التعليم الأساسي في البلدان المنخفضة الدخل'.
ويحث التقرير أيضا كلا من الولايات المتحدة واليابان على رفع المساهمات التي يخصصانها من الدخل الوطني للاستثمار في المساعدات.
تعليقات