أصبحنا نتعايش مع بعضنا بعضاً وفق المظهر.. تركي العازمي مستنكراً

زاوية الكتاب

كتب 876 مشاهدات 0


الراي

وجع الحروف  -  الحكم من... 'الظاهر والمظهر'!

د. تركي العازمي

 

في عامي 1986 أو 1987 كتبت تحقيقاً صحافياً حول «المظاهر في الكويت» في جريدة القبس واستأنست برأي دكاترة علم اجتماع ومواطنين وتبين من ذلك التحقيق أننا في الكويت نحكم على ظاهر الأمور، وبالنسبة للأشخاص يصدر الحكم على نمط شخصية الفرد من مظهره ناهيك عن رأي البعض بأن الأغلبية تتباهي عند شراء الملابس والإكسسوارات وتقترض للسفر كي يقال عنها كذا وكذا..!

هذا قبل قرابة 30 عاماً... وهذا «الطبع» تطبع به كثير من الناس منذ القدم، وخذ عندك هذه الحكاية التي تعد من الطرائف التي يتناقلها البعض عبر وسائل الإعلام الإلكترونية والتي تدلل على قدم هذه النكسة الأخلاقية، والتي تروي أن «الشيخ علي الطنطاوي انتدب ليدرس الأدب في العراق... وقبل أن يدخل إلى القاعة في الجامعة تجول في بغداد ومشى طويلاً ثم دخل القاعة في حالة رثة فظنه الأستاذ الذي كان موجوداً عندهم طالباً.. فقال الأستاذ الموجود للشيخ علي الطنطاوي وأنت يا (حمار) لماذا تأخرت عن المحاضرة؟، فاعتذر منه الشيخ علي ودخل الصف يجلس مجلس الطلاب.. فصار الأستاذ يقول للطلاب: سيأتي لتدريسكم الأديب الكبير علي الطنطاوي.. لا تسودوا وجهي أمامه ثم صار يسألهم في الأدب والشيخ علي الطنطاوي يجيب كطالب...

ثم قال له الأستاذ: هل تستطيع المقارنة بين البحتري وأبي تمام فتكلم الشيخ علي كلاماً رصينا فقال له الأستاذ إنك طالب جيد.. ما اسمك؟

فقال له: اسمي علي الطنطاوي... فكاد الأستاذ أن يغمى عليه... انتهى الاقتباس كما وصلني.

أما الآن فالحكم لم يقتصر على الظاهر من الأمور ولا على المظهر بل تجاوز الانحلال الأخلاقي لدى كثير من أحبتنا لدرجة أنهم يحكمون عليك من اسمك، ويحللون نيتك وهم لا يعرفون عنك سوى الاسم وأحياناً لا تربطك بهم سوى لحظات لقاء عابر.

وفي المجتمعات الغربية هناك دورات لــ «اتيكيت» تعلمك ماذا تلبس وماذا تقول وطريقة وقوفك وجلوسك وحركة يديك وغيرها من علامات لغة الجسد وهي فن يستخدمه البعض بحكم وظيفته لكن اجتماعياً بلغت الحال إلى أنهم يحكمون عليك من حذائك «أجلكم الله» ومن ساعتك.. و..إلخ.

هذا ليس بالمهم بالنسبة لما أود إيصاله.... المهم هو لماذا نحكم على ظاهر الأمور؟، ولماذا ندخل في النوايا؟، ولماذا نحكم على البعض لمجرد تبعيتهم لكتلة أو مجموعة.

البريء يُتهم لأنهم «ما يحبون شكله» أو لأنه «ليس من ثوبهم» أو لأسباب آخرى غريبة لا سند عقلاني لها، والمتهم الفعلي بريء لأنه محصن لظاهره أو مظهره أو علاقته كما هم يعتقدون اجتماعياً.

لهذا السبب أوجد الدين قواعد ثابتة للقياس فالله عز شأنه يقول في محكم تنزيله «إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...» ونذكربما جاء في الحديث الشريف إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «.. إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، والحديث الآخر «لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى»!

مشكلتنا أننا نملك حوكمة واضحة منذ أكثر ١٤٠٠ عام وعندما هجرنا قيمها ومرتكزاتها أصبحنا نتعايش مع بعضنا بعضاً وفق المظهر أو الظاهر ولا احترام للأسس التي يجب أن نبني عليها قياسنا الصحيح للأمور والذي ينتج عنه حكم عادل ومعذرة إن كانت الأفكار متداخلة فــ «الشق عود»... والله المستعان.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك