أحمد عبدالملك يكتب - الديمقراطية في الخليج
زاوية الكتابكتب أكتوبر 8, 2015, 1:49 م 906 مشاهدات 0
يحلو لكثير من المُنظرين وصف دول مجلس التعاون بأنها تحتاج إلى الديمقراطية بشكلها الكامل وغير المنقوص، وأن كثيراً من دول العالم قد نحَت نحو الديمقراطية وسايرت ركبَ التحول الديمقراطي، رغم فقرها وقلة إمكانياتها.. ويضربون مثلاً بالهند وديمقراطيتها العتيدة، وبعض الدول الأخرى في آسيا وأميركا الجنوبية.
ولأن منطقة الخليج لها خصوصية معينة، وسيسولوجية أهلها ونمط تفكيرهم يختلفان عن كثير من مناطق العالم، فإن الشكل الكامل للديمقراطية لم يكن قابلاً للتطبيق، وإنما جاء على مراحل وأشكال تتلاءم مع بيئة المنطقة ونمط حياتها العام.
ثم إن المواطن في هذه الدول، والذي اعتاد نمطاً معيناً في التعامل مع السلطة الرسمية ورموزها عبر تاريخ من التعايش والتصالح، قد ارتضى هذا النمط من العلاقة، والذي لم يحدث ما ينغِّصه في بعض البلدان، وهذا ما جنَّبَ المنطقة الكثير من الويلات التي عرفتها البلاد العربية الأخرى حين تبنَّت شعارات مجلوبة من الخارج، وقامرت بمستقبل شعوبها.
من ناحية أخرى فإن بعض المتشددين يصفون الديمقراطية بالكفر، لأنها -كما يفهمون- سلعة أجنبية جاءت من بلدان «كافرة»، دون أن يتمعَّنوا في مفهومي الشورى والتشاور، كما حث عليهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ثم إن نمط الدولة الريعية خلق واقعاً معيناً جعل هذه الشعوب تتشكك في أي طرح يتبنى الديمقراطية، لما يوفره نمط الدولة الحالي من مستلزمات الحياة الهانئة، خاصة بعد أن شاهدت هذه الشعوب مرارات ومآلات البلدان العربية التي ذهبت تطارد «شبح» الديمقراطية.
إن المواطن في الخليج يعيش حياة رغدة دون عسف أو زوار ليل، والدولة الخليجية تتكفل بتعليم وتطبيب أبنائها وتوفير السكن والعمل وسائر مستلزمات الحياة الكريمة، كما تستخدم جزءاً من عائد الثروات الطبيعية في دعم المشاريع الإنمائية والبنى التحتية التي تعود بالخير على المواطنين، الأمر الذي لا نظير له في كثير من البلدان «الديموقراطية».
لذلك فإن الحديث عن الديمقراطية الحقيقية يبدو للكثيرين سابقاً لأوانه حالياً، ولا بد من دراسة تجربة الكويت عام 1961، وتجربة مملكة البحرين عام 1973، ونتائج التجربتين.
إن دول مجلس التعاون من أكثر دول العالم استقراراً، وهو استقرار يدعم مشاريع التنمية ويوفر الرخاء الاقتصادي والأمن الاجتماعي، وعليه فإن تطلعات النخب المحلية لا تتجاوز المشاورة والمشاركة، والتي تطبّّقها كل دولة حسب ظروفها الداخلية الخاصة، دون مساس بثوابت العلاقة بين المواطن والدولة، والتي تبدو ملائمة لبناء مستقبل الأجيال القادمة.
وأرى أن هنالك مؤثرات للتحول الديمقراطي في المنطقة، ربما أهمها، السياسات السكانية، الاختلافات بين النخب السياسية والنخب الثيوقراطية، الواقع الديموغرافي والقبلي، علاقة الأُسر الخليجية بالنظام السياسي، سعى البعض لتحقيق مكاسب شخصية دون اعتبار للمصلحة العامة، تراجع إرادة التغيير في ظل الرخاء الاجتماعي، تراجع الدور السياسي والثقافي لبعض الفئات، ووجود حالات تغريب بالتزامن مع تراجع وهج الهوية المحلية.
أما الحلول المطروحة هنا، فتشمل: تأهيل الشباب لقيادة المجتمع تأهيلاً علمياً لا عاطفياً، إصلاح التعليم كأساس لبناء المستقبل، معالجة الخلل في التركيبة السكانية، دعم الوحدة الوطنية، حل الانقسامات داخل المجتمع الواحد في بعض الدول (بين قبلي/ حضري، أصلي/ متجنس، سني/ شيعي، متدين/ ليبرالي.. إلخ)، تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص للجميع، محاربة دور «الفزعة» التي تقوِّض أُسس التحول الديموقراطي، وإصلاح الإعلام بجعله أداة لترسيخ الوحدة الوطنية ونشر الثقافة العقلانية.
هذه على ما أعتقد بعض الخطوات الممكنة للتعامل مع موضوع الديمقراطية، مع ضرورة إخضاع ذلك لمناقشة عامة مفتوحة وبنوع من روح المسؤولية وعدم «التطيُّر»، فالحوار هو أساس الإصلاح في كل المجتمعات، وليس «الأحزمة الناسفة» أو تفجير السيارات عن بُعد.
تعليقات