ياسين الحساوي ناصحاً الشباب: قدِّر أباك قبل أن يرحل

زاوية الكتاب

كتب 949 مشاهدات 0




قدِّر أباك قبل أن يرحل
ياسين الحساوي

سمعت وقرأت كثيراً عن تضحيات الآباء من أجل الأبناء وعايشت بعضها واقعياً.. فالأب دائما يسعى لخير أبنائه أكثر مما يحب لنفسه.. ولا أدري لماذا فرض عليَّ السيد «إلهام فكري» في لحظة عاطفية أن أؤلف هذه الحكاية.. أوحاها إلي.. ربما حدثت فعلا وحقيقة الحكاية:
تمكن الحريق فجأة من العمارة السكنية وانحشر أب وابنه البالغ من العمر عشر سنوات في شرفة شقتهما.. لن يفيدهما الرجوع للأبواب لكثرة النيران التي بدأت تحرق شقتهما وتتطاول على الشرفة بشكل مخيف بألسنتها الحارقة.. نظر الأب إلى الأسفل وهو بالدور العاشر فرأى مظلات المقهى الكائن في الدور الأرضي ممدودة لخدمة عملاء الهواء الطلق.. وهنا أصبحت ألسنة اللهب تستعر شيئاً فشيئاً بفعل الهواء حتى لاصقت جسديهما وتشعرهما بحرارتها الحارقة.
صاح الطفل مذعورا: أبي ماذا نفعل هل سنموت؟..
قال الأب وهو يكتم أنات الشعور بالحروق المتوالية على جسده وهو يحمي ابنه فيها: لا يا بني سننجو إن شاء الله وربما ينجو أحدنا.. فإن كنت أنت الناجي فتذكر أن أباك يحبك ويضحي بنفسه من أجلك.. وإن كنت أنا الناجي فسأجعل كل ما أملك لفتح محلات باسمك تسعد جميع الأطفال.. فتسعد روحك بسعادة أحبابك... قال الطفل: ولكن يا أبي النار ستحرقنا فكيف سننجو من حريقها؟
سأقول لك كيف... ستمسك بيدي وسنقفز من الشرفة للأسفل وسندعو الله أن ينجينا.. صرخ الطفل: لا يا أبي أنا أخاف السقوط.. الأرض بعيدة جداً سنموت لو قفزنا..
قال الأب وقد بدأ جزء من ثيابه يحترق: لو بقينا هنا سنموت معاً.. فتشجع يا ولدي سأمسك بك ونقفز سويا ولا تخف.. إغمض عينيك فقط فأنا معك.. النار يا بني أشرس وأقسى من القفز إلى الأرض... حضن الأب ابنه المرتجف رعبا وقبله ثم دعا الله أن يحفظه وقفز معه من الشرفة إلى الأرض... السقوط لم يستغرق دقيقة أو دقيقتين وخلالهما الطفل كان يصرخ والأب يفكر.. ولحظة الوصول إلى مظلات المقهى تمكن الأب من الاستدارة ليجعل طفله خلفه بحيث يسقط هو أولاً ويسقط الطفل على جسده.. فارتطما بالمظلات التي انكسرت وخففت سرعة السقوط وبعدها السقوط على طاولة في المقهى ومن ثم على الأرض... وأخيرا كان سقوط الطفل على جسد أبيه الذي حماه من الارتطام بالأرض.
مات الأب في الحال.. ونجا الطفل إلا من رضوض.. انتهى.
.....
رحمك الله يا أبي.. لن أنسى أبداً ما ضحيت به لأجلي طوال عمري.... فسامحني إن قصرت في حقك والدعاء لك.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك