الإنسان السوي فذ البصيرة!.. بنظر خالد الجنفاوي

السياسة

حوارات  /  عندما تقسو عليك الحياة لا تقس على غيرك

د. خالد عايد الجنفاوي

 

يظن بعض من قست عليهم الحياة أنه حري بهم دائماً اظهار جانبهم القاسي تجاه غيرهم, فبالنسبة لهؤلاء المتوهمين إذا كانت الحياة قاسية عليهم فلا خيار لهم سوى معاملة غيرهم, وفق المنوال والأسلوب نفسهما: يتناقض هذا الاستنتاج اللامنطقي مع الفطرة الإنسانية التي ترتكز بعامة على الخير والنية الحسنة وحب عمل ما هو حسن. شتان بين من يتألم ويتعلم من تجاربه ويغير أسلوب حياته للأفضل, وبين شخص آخر ضعيف الإرادة باختياره يستحوذ عليه الغضب وضيق الأفق والتفكير السلبي, فالأول اختار بإرادته الحرة أن لا تهزمه المصاعب والمعوقات فواصل اختيار الأفضل لنفسه, فزادته التجارب القاسية والمؤلمة حكمة وعلماً ودراية حول ما يجب على الانسان السوي فعله لمواجهة الحياة القاسية: عيش حياة إنسانية إيجابية ومجزية وفقاً لأفضل معايير الإنجاز والنجاح والتميز الأخلاقي, فالحكيم قولاً وفعلاً هو من يرى دائماً ضوءاً آخر النفق ويستثمر الفرص التي تخلقها الأزمات والتحديات النفسية لتطوير ذاته.
لا شأن للآخر البريء بما يحدث لغيره من تجارب أليمة, فحتى لو كان الألم نتج من شخص آخر, فليس بالضرورة أن يُصبح كل الآخرين مذنبين ويجب معاقبتهم! الإنسان السوي فذ البصيرة ومُنصف مع نفسه ومع الآخرين, فلا يبطش بمن هم حوله فقط لأنه استسلم في بعض لحظات لمشكلات الحياة ورفض أن يواصل محاولاته للتغلب عليها. إذا قست الحياة على الإنسان, فحري به اختيار أسلوب آخر مختلف عما أستخدمه سابقاً, وعليه محاولة العثور على بوابة أخرى مختلفة يدخل من خلالها, وليس حرياً به الجمود والتوقف فقط لأن حظه لم يحالفه في هذا الوقت أو في ذلك المكان أو في ذلك الظرف, بل عليه أن يُخلِّص نفسه من رواسب السلبية ويستمر يبحث عن النجاح والتميز والسعادة في مكان آخر.
عندما تقسو عليك الحياة فحري بك إدراك أن غالبية من حولك يعانون من المشكلة نفسها ولكنهم يختارون الترفع عن نزعاتهم السلبية ويقررون أن يصبحوا أفضل من السابق, فالإنسان شديد الشكيمة لا يقع بمحض إرادته تحت مقصلة التفكير الانهزامي.
يدرك الإنسان الحكيم أنه سيعيش مرة واحدة وسيقرر من تلقاء نفسه أن يحفر مسيرة حياته على جدار الزمن كشخص قوي الإرادة لم تهزمه قط قسوة الحياة أو تمنعه عن مواصلة عيش حياة مجزية وأن ما سيبقى على شَفَتَيْهِ وقت مغادرته الدنيا هي ابْتِسَامَةٌ هادئة وواثقة