بين الديمقراطية والديكتاتورية - يكتب د.علي الطراح
زاوية الكتابكتب سبتمبر 1, 2015, 9:25 ص 661 مشاهدات 0
كان العراق يُحكم من ديكتاتور ونظام سياسي استبدادي إلا أنه لم يكن يعاني من ويلات الانقسامات الاجتماعية التي جاءت بها الديمقراطية. واليوم ينفتح الباب على مصراعيه نحو أكثر من عراق تحت شعار الديمقراطية. ربما نمضي بأمثلة كثيرة حول نجاح ديكتاتوريات في بناء مجتمعاتها كما حدث في كوريا الجنوبية وسنغافورة وهي أمثلة بسيطة تجعلنا ألا نعتبر الديمقراطية بمثابة الحل السحري لكل مشاكلنا. دول تدهورت حالها عندما أخذت بالديمقراطية. والعراق هو أحد الأمثلة الصارخة على مدى تمزق المجتمع، وعلى درجة انتشار الفساد الذي تخرج المظاهرات لأجل وقفه. حالة التدهور تحت الديمقراطية حصلت في فنزويلا وإندونيسيا، كما زادت الانقسامات القبلية والدينية في أفريقيا وانهارت يوغسلافيا. وفي الوقت نفسه استطاعت دول أوروبا أن تحقق نجاحات كبيرة في ظل الديمقراطية، إلا أن هذه النجاحات هي كذلك كان لها ثمنها، حيث تغيرت العلاقات الاجتماعية، وتحولت الديمقراطية من شكلها السياسي إلى أشكالها الاجتماعية على مستوى الفرد. ونحن لا ندافع عن الاستبداد أو النظم الديكتاتورية بقدر ما نسلط الضوء على الانجراف الكبير لشعار الديمقراطية في ظل حالة تنازع كبيرة، أو ربما نقترب من تسميتها بكوارث تحل بمجتمعاتنا العربية نتيجة لإيمان البعض بأن الديمقراطية هي الحل السحري لمشاكلنا. فالديكتاتورية الآسيوية صنعت المعجزات بسبب طبقة سياسية تملك رؤية نافذة، استطاعت أن تحقق نجاحات باهرة بينما ديمقراطياتنا العربية أصيبت بالفشل في لبنان والعراق ومصر والكويت، وهي أمثلة بسيطة تعبر عن تشوهات جلبتها الديمقراطية معها، وأدت إلى انقسامات اجتماعية حادة إلى أن غيبت الانتماء للوطن باعتباره الحاوي لكل التنوعات الاجتماعية والثقافية. وربما نتذكر قول «تشترشل» عندما اعتبر الديمقراطية الأقل سوءاً.
وهذا يدعونا للتفكير حول مستقبل مجتمعاتنا العربية التي تعتقد أن الديمقراطية بمثابة الحل السحري لكل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فنحن لا نتكلم عن ديمقراطية واحدة جاهزة للتطبيق، وهي ليست بمثابة ثوب نلبسه كما قال الأمير تركي الفيصل.
فنحن عندما نتحدث عن الديمقراطية نعني بها تحقيق مبادئها التي نلخصها بتحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي وتقليل نسب الفساد والاستحواذ على مقدرات المجتمع، وهي مبادئ قد تقودها الديكتاتوريات في مرحلة تاريخية انتقالية شريطة أن تتوافر لها الرؤية المستقبلية لشكل الدولة والمجتمع الذي تسعى إلى تحقيقه.
ولكي لا يساء الفهم، نحن لا نتحدث عن اختلاف الثقافات الحاضنة للديمقراطية، وإنْ كانت تشكل أحد الركائز، إلا أن الاختلاق الثقافي ليس بالعامل الحاسم في نجاح ديمقراطيات وفشل بعضها. لو أخذنا المثال الكويت، وهو الأقرب لنا في دول الخليج العربي، نجد ان الديمقراطية في تطورها مرت بمراحل، فكانت هناك انجازات تحسب للطبقة السياسية في مرحلة تاريخية، وانحدر الوضع في مراحل أخرى وتحولت إلى معضلة اجتماعية حيث جلبت انقسامات دينية واجتماعية واضعفت هيبة الدولة ويقترب الوضع في لبنان من المثال الكويتي في تطور طبقة سياسية مستفيدة، بينما الخاسر هو المواطن الذي كان يعتقد أن ممثليه يحملون همومه. إذن نحن أمام مشكلة تحتاج منا إلى تفاهم حول مسار المستقبل، وكيف نستطيع أن نحمي مجتمعاتنا من مزيد من الشروخ الاجتماعية. وبكل تأكيد السلطة السياسية عليها مسؤوليات ضخمة حيال حالة التراجع، لأنها طرف فاعل عليه أن يمارس دوره المسؤول. فالمسؤولية مشتركة وتحتاج إلى قرارات شجاعة في مرحلة حرجة تمر بها المنطقة العربية.
تعليقات