عن مخطوطة برمنغهام القرآنية!.. يكتب محمد الشيباني
زاوية الكتابكتب يوليو 29, 2015, 12:49 ص 1383 مشاهدات 0
القبس
مخطوطة برمنغهام القرآنية..!
د. محمد بن إبراهيم الشيباني
تُشكر جامعة برمنغهام على إخراجها هذا المخطوط، ولا نعلم ما المقاصد من وراء ذلك في هذا الوقت، ولكني لم أفاجأ، وجمهرة من المتخصصين بعلم المخطوطات، وتحديداً في تاريخ المصاحف، بهذا الخبر لأسباب عدة، أولها: أن مجموعة كبيرة أصلية منه موجودة في عالمنا العربي والإسلامي، بل والغربي وفي بريطانيا نفسها، بلد المصحف المعلن عنه، وفي مكتبة تشستربتي في دبلن، ونسخة في المتحف البريطاني تعود إلى القرن الثاني محفوظة فيه تحت رقم O.P.B.29، وكذلك في المتاحف والمراكز الوثائقية والعلمية في مصر والعراق وسوريا وإيران والسعودية والمغرب وتركيا، وفي الكويت سابقاً ضمن مجموعة جاسم الحميضي (رحمه الله) التي بيعت إلى متحف قطر الإسلامي، وضمن مجموعة الشيخة حصة الصباح نسخة منه بالخط «المائل» تعود إلى القرن الخامس الهجري، وكلها يرقى إلى التاريخ نفسه أو قبله أو بعده بقليل.
الأمر الآخر: ذكر الخبر أنه بعد فحص المخطوط المختبري في معمل أكسفورد عبر تقنية الكربون المشعّ لمعرفة عمره الافتراضي أن تاريخه يعود إلى نحو 600 ميلادية، والأصح أن يقول 622 ميلادية، وتحديداً في 7 /622/15م ، حيث بداية التاريخ الهجري، أي السنة الأولى الهجرية، كما ذكر ذلك الفلكي د. صالح العجيري في «تقويم القرون»، ومعلوم أن الفرق بين التاريخ الهجري والميلادي ستمئة سنة وفوق، أي بزيادة الميلادي على الهجري.
والأمر الثالث: ذكر الخبر أن جامعة برمنغهام جزمت بنسبة %95.4 أن المخطوط قد يكون كتب بين عامي 568 و645 الميلاديين!
وذكر عام 568 ميلادي مرفوض تماماً، ويعني هذا أنه قد كُتب قبل التاريخ الهجري، كما بينته، واستحالة أن تكون كتابة هذا المصحف وبهذه الدقة والجمال والتزويق وفواصل الآيات بشكل دوائر صغيرة وجرات متراكبة والفواصل بين السور بالخطوط الملونة في ذلك الوقت، لأن هذه التقنية تعود إلى ما بعد القرن الثاني والثالث.
أما التاريخ الثاني المقدر له، وهو عام 645م، وهذا التاريخ يقابله بالهجري سنة 25 هجرية، فهذا كذلك من المستحيل للأسباب آنفة الذكر، وإنما تعود تقريباً إلى القرن الثالث أو الرابع أو الخامس الهجري أي 1100 - 1300 ميلادي.
ومصحف أو ورقات من مصحف برمنغهام هذا الذي نُشر لم يُعثر عليها في الوقت نفسه الذي عُرضت فيه وانتشر خبرها في الإعلام، أي في هذه الأيام، إنما عُثر عليها في وقت مبكر لا يقل عن سنة أو سنتين أو أكثر، حيث ورقاته الكثيرة المرممة تحتاج إلى وقت طويل للترميم، وهي المدة التي ذكرت التي تعرض لها المصحف إلى هذا الترميم المتقن والتجليد كما هو منشور مع الصور في الخبر الذي طارت به ركبان أجهزة التواصل الاجتماعي والعالمي.
والمعروف أن الخطوط الأولى القديمة التي كانت تكتب بها المصاحف كما قال أهل العلم من الصعب نسبتها إلى أزمانها، لأننا لا نملك أمثلة مؤرخة نستطيع أن نعلم شيئاً عن صفاتها، اللهم إلا نماذج قليلة من الخط «المائل» وخط «الشق» وهذا المصحف نسب بعضهم خطه إلى الخط الحجازي، وهو غير دقيق.
ومصحف برمنغهام كتب بالخط المصحفي الكوفي «المائل» وهو تطور للخط المكي كما قال الأستاذ إبراهيم جمعة وغيره، لأنه يشبه من حيث نزعته إلى استلقاء حروفه وانضجاعها، ويرجحون أنه استعمل في القرن الثاني الهجري إثر الخط المكي، ويدللون على قدمه بخلوه من النقط وحركات الإعراب.
والخطوط التي استعملت في تدوين القرآن الكريم في مراحله، الخط المكي والخط المدني ثم الكوفي وخط البصرة، ثم تبع ذلك بقية الأقلام التي اخترعت بقصد التحسين والتجويد، وكان مصحف عثمان بالخط المكي.
أما أوراقها التي كانت تكتب بها في تلك الحقب، فكانت الرقوق (جلد الغزال والماعز وغيرها من الجلود الرقيقة) كما جاء في الخبر، واحتمال وارد أن ورق المصحف (الرق)، دون الخط والحبر، قد يعود إلى العمر الافتراضي الذي قالت به الجامعة مع الشك في ذلك، والمعروف أن العناصر التي تقوم عليها المخطوطات القديمة ثلاثة: الورق، الحبر، الخط.
أي ليس فقط معرفة عمر الورق (الرق) وإنما معه الحبر والخط. وعليه فهذا المصحف لم يكتب في عصر النبوة، ولا عصر الخلافة الراشدة، وإنما كتب في القرن الثاني أو الثالث. والله أعلم.
هذه إطلالة سريعة على مصحف برمنغهام، اقتضت الضرورة العلمية بيانها. والله المستعان.
تعليقات