حكم قضائي ينتصر لحرية الرأي

أمن وقضايا

التمييز عن مقال الزيد عن أنس الصالح: يستهدف الحفاظ على المال العام

4836 مشاهدات 0


عن المقالة التي وصف فيها ناشر الكاتب زايد الزيد وزير التجارة والصناعة السابق وزير المالية حاليا أنس الصالح بأنه خادمالفاسدين وتابع المبتزين قالت محكمة التمييز في حكم لها بأن  ماورد في مقالة الكاتب زايد الزيد من عبارات ناقدة لمسلك وزير الماليةأنس الصالح حين كان وزيرا للتجارة 'أتت في سياق يمثل طرحا يهم المجتمع في مجموعه بوصفه يستهدف الحفاظ على المال العام'.
 
وأضافت المحكمة في حيثيات الحكم الذي برأت فيه الزيد منتهمتي سب وقذف الصالح ' إن العبارات التي أعتبرها الوزير أنسالصالح قذفا وسبا بحقه ' إنما وردت في سياق التعليق على مانسب له إبان عمله وزيرا للتجارة والصناعة من تقدمه بإستقالته منمنصبه ثم عدوله عن هذه الإستقالة وإرتباط ذلك - في رأي المتهم- بمشروع إنشاء أحد الجسور وما ساقه في هذا الخصوص من أنالمجني عليه ( أنس الصالح) إنما لوح بتلك الإستقالة للضغط نحوتمرير ذلك المشروع والموافقة عليه لصالح أحد الاشخاص .
 
وأضافت عن الوزير أنس الصالح ' أنه بهذه المثابة يتعين أن يكونعرضة للتناول نقدا وطعنا أو إستحسانا وتأييدا خاصة أنه يحملصفة سياسية تنفيذية يهم أبناء المجتمع الوقوف على تصرفاته وهوما لا يتأتى سوى بتناوله بالنقد وإن اشتدت عباراته وعنفت ألفاظه . '
 
وقالت المحكمة بعد بحثها في مقالة الزيد 'أن المحكمة يطمئنوددانها إطمئنانا كاملا بأن ما صدر من عبارات بحق المجني عليهفي ضوء ملابسات تقدمه بإستقالته ثم عدوله عنها جاءت مبرأة منسوء القصد ونية التشهير بالمجني عليه أو الإساءة إلى سمعته أوكرامته وقد جاءت - مع قسوة ألفاظها - مبتغية الصالح العام'.
 
وذكرت المحكمة أن الحكم الإبتدائي الذي أدان زايد الزيد والمتهمالثاني وزير الإعام السابق دكتور سعد بن طفلة وحكم عليهابالسجن أسبوع من النفاذ حكما معيبا بالقصور لخلوه من بيانكاف لواقعة الدعوى وكيف أن المتهم قد قصد المساس بشرفالمجني عليه وإعتباره وإيذاء سمعته .
 
وأوضحت المحكمة أنها لا تطمئن إلى صحة ما نسب في تقريرالإدعاء العام ( الإدارة العامة للتحقيقات - وزارة الداخلية) منإتهام إلى المتهم المستأنف ( زايد الزيد) بحسب ما جاء في التقريرولا تساير الإدعاء في إسناده له بعد أن أحاط ذلك الإتهام ظلال منالشك .
 
وإستندت محكمة التمييز في حكمها على المادة 214 من قانونالجزاء والتي تنص على أنه لا جريمة إذا كان القذف يتضمن واقعةتقدر المحكمة أن المصلحة العامة تقتضي الكشف عنها حيث أفردتالفقرة الأولى من تلك المادة مثالا لهذه الحالة وهي أن تتضمنالأقوال أو العبارات إبداء الرأي في مسلك موظف عام أو شخصمكلف بخدمة عامة بشأن واقعة تتعلق بأعمال وظيفته أو الخدمةالمكلف بها بالقدر الذي تكشف عنه هذه الواقعة .
 
وبينت محكمة التمييز أن هذا النص يكشف أن المشرع إنما ينحى- كأصل وتوجه عام - إلى أن ينأى القانون عن أن يكون أداة تعيقحرية التعبير وإبراز مظاهر الضعف والعور في أقوال وأداؤالموظف العام أو المكلف بخدمة عامة أو من يحمل صفة نيابية أويتصدى للأمور العامة على وجه العموم.

وكان أنس الصالح قد رفع الشكوى ضد الكاتب زايد الزيد وضد دكتور سعد بن طفلة وصدر حكم الدرجة الأولى بسجنهما أسبوع مع النفاذ وتم بالفعل تطبيق الحكم على بن طفله حين قبض عليه في المطار وهو يرتدي لبس الإحرام متوجها لأداء العمرة بصحبة أسرته قبل أن يطلق سراحه بعد قضاءه ثلاثة أيام إلى أن صدر حكم الإستئناف بتبرئته . 
 
وفيما يلي حيثيات حكم محكمة التمييز في القضية التي رفعها وزير التجارة والصناعة السابق وزير المالية الحالي أنس الصالح ضد الكاتب زايد الزيد :

باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
محكمة الاستئناف
دائرة الطعون بأحكام الجنح المستأنفة (التمييز)
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 9 رجب 1436 هـ الموافق 28/4/2015 م
برئاسة السيد المستشار / نايف المطيرات وكيل المحكمة
وعضوية المستشارين السادة / عبدالناصر علي خريبط - هشام عبدالله أحمد المستشارين
احمد احمد البحري - عاصم عبداللطيف الغايش
وحضور السيد / عبدالرحمن العلي ممثل النيابة العامة
وحضور السيد / السيد محمد علي أمين السر
صدر الحكم الآتي
في الطعن المرفوع من : زايد حربي ادهام الزيد
ضد النيابة العامة
والمقيد بالجدول برقم 165/2015 تمييز الجنح المستأنفة
 
الوقائع
اسند الادعاء العام للمتهم الطاعن وثان يدعى سعد محمد فالح العجمي اتهما بتاريخ 11/11/2012 بدائرة اختصاص مخفر شرطة الصالحية:
اولا: المتهم الاول (الطاعن)
1 - اسند علنا للمجني عليه انس خالد ناصر الصالح واقعة تستوجب العقاب وتؤذي سمعته والمبينة بالاوراق عبر موقع جريدة الآن الالكترونية على النحو من شأنه المساس باعتباره وسمعته، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات
2 – سب علنا المجني عليه سالف الذكر بالعبارات المبينة بالاوراقبالموقع الالكتروني المشار اليه سالفا وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
 
ثانيا: المتهم الثاني:
اشترك مع المتهم الاول في ارتكاب جريمتي القذف العلني والسب العلني قبل وقوعهما بصفته رئيس تحرير جريدة الآن الالكترونية وكان ذلك عن طريق الاتفاق والمساعدة، فوقعت الجريمتان المذكورتان بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلب عقابهما بالمواد 48/2،3،209،210 من قانون الجزاء.
 
ومحكمة أول درجة قضت بجلسة 8/1/2015 غيابيا بحبس كل من المتهمين اسبوعا مع الشغل والنفاذ عما اسند لكل من اتهام وباحالةالدعوى المدنية الى المحكمة المدنية المختصة، استأنف المتهمان بعد ان قرر كلهما بتنازله عن الحق في المعارضة، وبجلسة 2/3/2015 قضت محكمة الجنح المستأنفة بقبول الاستئنافين شكلا وفي موضوع استئناف المتهم الثاني بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من ادانته والقضاء مجددا ببراءته مما اسند اليه وفي موضوع استئناف المتهم الاول (الطاعن) برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
 
فقرر المتهم الاول بوكيل عنه بالطعن بالتمييز في هذا الحكم بتاريخ 5/3/2015 مودعا اسبابه بذات التاريخ ونظرت هذه المحكمة بالطعن على نحو ما تكشف عنه محاضر جلساته ومثل الطاعن وحضر معه محاميه الذي تمسك باسباب الطعن وترافعه شفاهةوقررت المحكمة بجلسة 7/4/2015 حجز الطعن للحكم لجلسة 21/4/2015 ثم قرر أجل الحكم لجلسة اليوم.
بعد الاطلاع على الاوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة:
وحيث ان الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون
ومن حيث ان مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه انه اذ دانه بجريمتي القذف والسب قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والاخلال بحق الدفاع ، ذلك بانه خلا من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تحقق به اركان هاتين الجريمتين بحقه ولم يعرض لدفاعه بقيام سبب من اسباب الاباحة استنادا لنص المادة 213 من قانون الجزاء بما يعيبه ويستوجب نقضه.
 
وحيث انه من المقرر وبحسب ما جرى به نص المادة 175 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية ان حكم الادانة يجب ان يشتمل على الاسباب التي بني عليها والا كان باطلا، والمراد بالتسبيب الذي حفل به القانون هو تحديد الحجج والاسانيد التي بني عليها الحكم والمنتجة له سواء من حيث الواقع او القانون بحيث يتيسر الوقوف على مبررات ما قضي به، اما افراغ الحكم في عبارات عامة معماه او وضعه في صورة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من ايجاب تسبب الاحكام ولا يمكن محكمة التمييز من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار اثباتها في الحكم لما كان ذلك وكان من المقر كذلك  ان القصد الجنائي في جرائم  القذف والسب والاهانة لا يتحقق الا اذا كانت الالفاظ الموجهة الى المجني عليه شائنة بذاتها ومنطوية على ما يمس كرامته او حياته او معتقداته وكان البين من الحكم الابتدائي المؤيد لاسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه انه قد خلا من بيان كاف لواقعة الدعوى وواقعاتها وما تمسك به الطاعن من دفاع نفيا لقصده الجنائي – كيف ان المتهم قد قصد المساس بشرف المجني عليه واعتباره وايذاء سمعته ، فانه يكون معيبا بالقصور بما يوجب تمييزه.
 
وحيث ان موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه.
 
وحيث انه عن موضوع الاستئناف، فلما كان الادعاء العام قد ركن في اثبات الاتهام بحق المتهم الى ما شهد به وكيل المدعي بالحق المدني من ان المتهم قد حرر مقالا  بجريدة الآن وان الاخير امره بالعدول عن الاستقالة التي كان قد تقدم بها فعدل عنها ، كما وصفه بعبارات خادمة الفسادين وتابع المبتزين، كما تساند الادعاء الى صورة ضوئية من المقال الذي تضمن العبارات سالفة البيان وكذا الى تحريات الشرطة.
 
وحيث أن هذه المحكمة – بعد أن احاطت بواقعة الدعوى وظروفها عن بصر وبصيرة وبعد استعراضها لواقعة الدعوى وظروفها عن بصر وبصيرة وبعد إستعراضها لواقعة الدعوى ,ولادلة الثبوت فيها – على النحو المتقدم – لا تطمئن الى صحة نسبة الاتهام الى المتهم المستأنف بحسب ما جاء بتقرير الاتهام ولا تساير الادعاء العام في اسناده له ، بعد ان احاط ذلك الاتهام ظلال من الشك لا تطمئن معه المحكمة الى ما ساقه الادعاء من ادلة قبل المتهم المستأنف، ذلك ان البين من نصوص المادتين 36، 37 من الدستور ان الاصل الدستوري هو حرية الفكر وابداء الرأي بما في ذلك حق النقد والاستثناء هو القيد، ولا يجوز ان يمحو الاستثناء من الاصل او يجوز عليه او يعطله فيقتصر اثره على الحدود التي وردت به، وان النقد المباح هو الذي لا يتضمن ما يخدش الاداب العامة او يحرض على مخالفة النظام العامة او مخالفة القوانين او ارتكاب الجرائم او ما يمس بكرامة الاشخاص او يؤذي سمعتهم حياتهم او شرفهم واعتبارهم، فاذا لم يتجاوز النقد هذه الحدود فانه لا محل لمؤاخذة المسئول عنه باعتباره مرتكبا لاحد الافعال المكنة لجريمته القذف والسب المنصوص عليهما بقانون الجزاء.
 
لما كان ذلك، وكان الاصل ان المرجع في تعرف حقيقة العبارات والالفاظ التي تتضمن قذفا وسبا وتمثل مساسا بسمعة الاشخاص وشرفهم واعتبارهم او تستوجب عقابهم هو بما تطمئن اليه محكمة الموضوع ومن تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليهما في ذلك لمحكمة التمييز ، ما دامت
لم تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة، لما كان ذلك وكان من المقرر ايضا الطعن في اقوال واعمال الموظف العام او من يتصدون التاثير على الرأي العام – مهما اشتدت او قست عبارته- يتعين ان يكون مجاله اكثر رحابة واتساعا، اذا لا يصب ذلك سوى في صالح الامة لما يكلفه من ايجاد توازن بين الاتجاهات المؤثرة على الرأي العام والذي يستطيع من خلال ذلك النقد ان يكون فكرة صائبة متوازنة عن القضايا العامة التي تهم صالح الشعب.
 
ومصداقا لذلك فقد حرص المشرع الجزائي في المادة 214 من قانون الجزاء  على النص على انه لا جريمة اذا كان القذف يتضمن واقعة تقدر المحكمة ان المصلحة العامة تقتضي الكشف عنها ، ثم افردت الفقرة الاولى من تلك المادة مثالا لهذه الحالة وهي ان تتضمن الاقوال او العبارات ابداء الرأي في سلك موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة بشأن واقعة تتعلق باعمال وظيفته او الخدمة المكلف بها بالقدر الذي تكشف عنه هذه الواقعة، وهو نص يكشف عن ان المشرع انما ينحى كأصل وتوجه عام الى ان ينأىالقانون عن ان يكون اداة تعيق حرية التعبير وابراز مظاهر الضعف والعور في اقوال واداء الموظف العام او المكلف بخدمة عامة او من يحمل صفة نيابية او يتصدى للأمور العامة على وجه العموم ، لما كان ذلك وكان الثابت للمحكمة من مطالعة اوراق الدعوى وما جرى بها من تحقيقات وقدم فيها من دفاع ومن مطالعة الصورة الفوتوغرافية المأخوذة من جريدة الالكترونية التي نشرت بها العبارات التي اعتبرها المجني عليه قذفا وسبا بحقه، ان تلك العبارات انما وردت في سياق التعليق على ما نسب للمجني عليه ابان عمله وزيرا للتجارة والصناعة من تقدمه باستقالة من منصبه ثم عدوله عن تلك الاستقالة وارتباط ذلك في رأي المتهم بمشروع انشاء احد الجسور وما ساقه في هذا الخصوص من ان المجني عليه انما لوح بتلك الاستقال للضغط نحو تمرير ذلك المشروع والموافقة عليه لصالح احد الاشخاص، وهو سياق يمثل طرحا يهم المجتمع في مجموعة بوصفه يستهدف الحفاظ على المال العام , وهو بتلك المثابة يتعين أن يكون عرضة للتناول نقدا وطعنا أو إستحسانا وتأييدا , خاصة وأن المجني عليه آنذاك كان يحمل صفة سياسية تنفيذية يهم أبناء المجتمع الوقوف على تصرفاته وهو ما لا يتأتى سوى بتناوله بالنقد وإن أشتدت عبارته وعنفت ألفاظها .
 
لما كان ذلك وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة لا يتحقق إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليه شائنة بحد ذاتها , وقد أستقر القضاء على أنه في جرائم القذف وعلى الأخص ما يتم منها بطريق النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم وجدودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الكتاب وتبين مناحيها , فإذا ما أشتملت على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة أو خاصة وأخرى يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة في نفس الكاتب أو الناشر .
 
لما كان ذلك , وكانت المحكمة – بما لها من سلطة في تقدير مرامي العبارات والألفاظ الماسة بكرامات الأشخاص أو حياتهم أو معتقداتهم على نحو ما تقدم – يطمئن وجدانها إطمئنانا كاملا إلى أن ما صدر من عبارات بحق المجني عليه في ضوء ملابسات تقدمه بإستقالته من منصبه الوزاري ثم عدوله عنها , قد جاءت مبرأة من سوء القصد ونية التشهير بالمجني عليه أة الإساءة إلى سمعته وكرامته , وقد جاءت العبارات مع-  قسوة ألفاظها – مبتغية الصالح العام , وهو ما يتأذى عنه لزمة عدم مؤاخذة المتهم المستأنف عما أسنده إليه الإدعاء العام من إتهام , ويكون الحكم المستأنف اذا تنكب هذا النظر الموافق للقانون والمستند الى حقيقة الواقع المطروح في الدعوى جديرا بالالغاء , ويضحى الاستئناف المقام من المتهم في محله ويتعين القضاء مجددا ببراءته مما نسب اليه عملا بنص المادة 209 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بتمييز الحكم المطعون فيه ، وفي موضوع الاستئناف بالغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من ادانة المتهم المستأنف والقضاء مجددا ببراءته مما نسب اليه.

وفي ما يلي صورا ضوئية من الحكم المشار إليه:



الآن- المحرر القانوني

تعليقات

اكتب تعليقك