يكتب محمد المقاطع عن وثيقة المدينة الدستورية!
زاوية الكتابكتب إبريل 9, 2015, 12:56 ص 610 مشاهدات 0
القبس
الديوانية / دولة المدينة المدنية (5): البناء الدستوري
أ.د محمد عبد المحسن المقاطع
لا مشاحة أن «صحيفة المدينة» إنما هي وثيقة مرجعية دستورية، أقامت «سلطة سياسية»، وحددت «المدينة» الأرض لتسري عليها أحكامها، وأعلنت «الشعب» بكل مكوناته، وجسّدت «المواطنة» وعينت بها «الحقوق والواجبات العامة».
ونبرز هنا نوع وطبيعة السلطة السياسية التي أقامتها الوثيقة الدستورية الأولى في العالم، وهي «صحيفة المدينة».
فقد أوردت الصحيفة خمسة بنود مهمة تحدد تكوين وتنظيم السلطة السياسية التي تتولى إدارة الحكم في دولة المدينة على النحو التالي:
وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد.
وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مردّه إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله.
لقد أرست وثيقة المدينة الدستورية نظاماً للحكم على رأسه حاكم للدولة وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أوردت ذلك بصورة صريحة بالبنود الثلاثة الأولى المشار إليها أعلاه بتأكيده أن مرجعية الفصل في إدارة الأمور لمحمد (البند الأول)، بل إنه لا يؤذن لمتعاقد على صحيفة المدينة من غير المسلمين الخروج منها إلا بإذن الحاكم وهو محمد (البند الثاني)، كما أنه عند الاختلاف لأي سبب بين الشعب في المدينة فمرد الخلاف لمحمد أيضاً (البند الثالث)، بينما حدد (البندان الرابع والخامس أيضاً بمحمد عليه السلام، باعتباره حاكم دولة المدينة). وهنا لا بد لنا أن نقف أمام مسألتين مهمتين هما، أولهما أن تكوين السلطة وحاكمها كان من خلال «صحيفة المدينة» التي لها طبيعة توافقية في قبولها الطوعي وقبول الحاكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه ميزة رضائية تفقدها كثير من الأنظمة الديموقراطية في بداية تكوينها. وثانيهما أن سلطة «الحاكم» وهو نبي ومرسل ومنصور في تواجده بالمدينة كانت مقيدة وليست مطلقة، وترد عليها ثلاثة قيود واضحة قررتها «الصحيفة الدستورية»، وهي:
1 - مصدر التشريع الأول في المضي بإدارة الدولة هو مرده لله جل شأنه، فما ورد في القرآن الكريم من قواعد للحكم قيد على محمد الحاكم، وأي حاكم يأتي من بعده، ولا بأس من تبنيها أحكاماً قطعية في نظام الدولة عاجلاً أو آجلاً.
2 - إن ما ورد بالصحيفة ذاتها من أمور توافقية كونها مرجعية دستورية أيضاً قيد على الحاكم بعبارة «وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره».
3 - ما قررته الصحيفة من تحديد للسلطة والأرض والشعب والحقوق والواجبات هي أيضاً قيود على الحاكم، ليس له الخروج عليها منفرداً. والخلاصة هنا، أنه لم تحدد الوثيقة النظام بالرئاسي ولا البرلماني، فهناك قيد «شاورهم بالأمر» و«أمرهم شورى بينهم» يعزز النمط البرلماني دون جزم، ورضائية الوثيقة يعضد ذلك دون حسمه، ولنا وقفة لاحقة معه. كما أن هناك وضوحاً لميلاد مبكّر لسلطات ثلاث وبفصلها تشريعية، وحاكم تنفيذية، وقضاء، وسنبحثه لاحقاً.
تعليقات