اختبارات اللغة العربية..فشل ذريع وأخطاء فادحة - بقلم حسن بن نخي
زاوية الكتابكتب إبريل 6, 2015, 7:49 م 3927 مشاهدات 0
كثيرا ما تساءلت عندما كنت طالبا في الثانوية كيف يمكن لطالب مجتهد ومتفوق ومثابر على الدراسة، مثقف ومحيط بنبذ واسعة في الأدب واللغة أن ينال درجة كاملة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء واللغة الإنجليزية وجميع الاختبارات التي يقدمها، ولكنه لا يجد مفرّا من فقدان سبع أو ثمان درجات على الأقل في اختبار اللغة العربية؟! هل اللغة العربية معقدة أكثر من الفيزياء والهندسة والجبر واللوغاريتمات ودقائق موضوعات البيولوجيا من تركيب جسم الإنسان وأجهزته وأعضائه وتشريحها، إلى سائر الكائنات الحية المجهرية، ومن بحوث اللغة الإنجليزية وآدابها وكلماتها الجديدة، إلى ما شاء الله من علوم معقدة ومتشعبة؟! هل بالفعل تعتبر أسئلة الفهم الشامل لاستخلاص زبدة فقرة موجزة أمر متعسر إلى هذا الحد؟ هل النحو العربي أصعب من معادلات الكيمياء العضوية؟... كنت أتساءل وأنا طالب، ومع أول اختبار صححته بعد توظيفي كمعلم لغة عربية عرفت الجواب...
ليست العلة في الطالب المسكين، ولا في المعلم ـ وإن كان معلما ضعيفا ففي سائر المواد معلمون ضعاف وهذا طبيعي! ـ ، إنما العلة في الاختبارات الضعيفة التي يعدها التوجيه الفني، هكذا أدركت الحقيقة وشخّصت المرض، وأدركت موضع الداء من أول نظرة، دون عناء التحاليل، فهي علة واضحة لا تستدعي طبيبا حاذقا يفتش عن موطنها، ويسبر أغوارها...
قبل إلقاء نظرة على طبيعة الأسئلة وكثرة أخطائها، أود الإشارة إلى أن المسألة لا تقتصر على سوء الأسئلة بل سوء الإعداد، فدائما تتكرر الأسئلة الخاطئة أو غير المطلوبة من الطلاب، ودائما تتكرر الأخطاء الإملائية والنحوية، فضلا عن سوء الإخراج الفني في ترتيب أوراق الأسئلة ما يشتت الطالب أكثر فأكثر وإن تم تجاوز بعض هذه الأخطاء في اختبار فإنه سرعان ما يتكرر نفس الخطأ في الاختبار القادم! ولا أدري هل من الصعب (مثلا) على التوجيه أن يصمم ورقة غلاف الاختبار بتنسيق يناسب عدد الأسئلة بدلا عن الجدول البليد المتكرر في كل اختبار ما يضطر المعلمين إلى شطب الأرقام المكتوبة في الجدول وإعادة ملئه بأرقام الأسئلة يدويا كل مرة!
ومن الأخطاء الفنية المبتلى بها توجيهنا المحترم عدم قدرته على تقليص الأسئلة بعد دمج الورقتين الأولى والثانية تأسيّا باختبارات اللغة الإنجليزية، إذ ألغى موجهو اللغة الإنجليزية فقرات التلخيص والترجمة وغيرها ودمجت بفقرة الاستيعاب، فيطلب من الطالب ترجمة عبارة محدد من فقرة الاستيعاب وتلخيص أخرى... وكان يجدر بموجهي اللغة العربية أن يحذوا حذو زملائهم في توجيه اللغة الإنجليزية توفيرا لجهد ووقت الطالب، فيدمجوا سؤال التلخيص بسؤال التطبيق الخارجي مثلا وغيرها من أبواب فنية يمكن من خلالها تقليص عدد الأسئلة وتوفير جهد الطالب والمصحح...
أما عن طبيعة الأسئلة فإني أوجه تعليقات ناقدة لنموذج اختبار الصف العاشر لمنطقة حولي التعليمية دون غيره، لا على نحو الحصر ولكن مراعاة لضيق مساحة النقد في مقال، مع ملاحظة أن هذا النموذج يعتبر من أقل نماذج الاختبارات سوءًا...
وأول الملاحظات ترتبط بسؤال التعبير، فقد فرض على المعلمين تدريب طلاب العاشر على مهارة كتابة المقال وكتابة المذكرات، لكن سؤال الاختبار جاء في كتابة الرسالة!... وقبل أن يتفضل علينا أحد الموجهين بالتبرير سأكفيهم هذا العناء وأبرر بأن اللغة العربية شاملة وواسعة ولا يمكن حصرها في مهارة محددة، بل على الطالب أن يكون ملما بكل شيء، وإن من يتمكن من كتابة مذكرات سيكون قادرا على كتابة رسالة... وغيرها من تبريرات واهية لا أظن أن التوجيه الفني يملك غيرها... والرد عليها واضح وبسيط، فهل على الطالب أن يدرس كل مهارات اللغة العربية قبل خوضه كل اختبار أم عليه أن يختبر في مهارات محددة؟! هل يقدم الطالب اختبار ماجستير شامل أم يقدم اختبارا للصف العاشر؟ فلنفرض أن موجهي الرياضيات أعدوا اختباراتهم بنفس المنطق... يدرس الطالب في الفترة الثالثة هندسة الدائرة، فيأتيه سؤال الاختبار في متوازي الأضلاع الذي درسه في الفترة الأولى أو في العام الماضي بحجة شمولية الرياضيات وسعتها وغيرها من تبريرات؟... إننا نُدرس الطالب مهارات محددة ويقدم الطالب اختباره بها، وفي الفترة التي تليها يدرس مهارات جديدة ويختبر فيها... الأمر لا يحتاج إبداعا وعبقرية!
وبعد سؤال التعبير يبدأ السؤال الأول، في (ب) من الأسئلة الموضوعية صيغ السؤال بشكل خاطئ تماما، فقد نقل الشطر بتغيير كلمة (الفرد) إلى (المرء)، ولم يقيد السائل طلبه معنى الشطر بما ورد في سياق الأبيات بل طلب المعنى بشكل عام، وهذا يعني أن جميع الخيارات تحتمل الصحة، والخيار الأول هو الأقرب للصواب، ولكنه لو نقل الشطر بشكل صحيح وقيد سؤاله عن المعنى بما جاء في الأبيات سيكون الخيار الوارد في نموذج الإجابة هو الصحيح فقط، وهذا أمر مؤسف أن موجهي اللغة العربية لازالوا غير قادرين على سبك سؤال متماسك، وبهذه الصياغة للسؤال يحق للطلاب تقديم شكوى لاحتمالية صحة جميع الأجوبة، والتوجيه يتحمل قصوره وتشتيت ذهن الطالب!
وكذلك في (ج) من الأسئلة الموضوعية كان الخيار الصحيح في نموذج الإجابة هو (الثالث)، ولكن لو تأمل الموجه قليلا لوجد أن خيارات (الثاني ـ الثالث ـ الخامس) كلها تحتمل شيئا من الصحة كل واحد من زاوية، وإن سعة اللغة العربية وفتح باب الفهم والذوق في التعامل مع النصوص الأدبية لا يسمح بتخطئة كل من يختار أي إجابة من هذه الإجابات... إن وضع السؤال المتكامل والصحيح دائما يكون أصعب من الجواب! لأن صيغة السؤال تستلزم أن يكون محكما لا يحتمل تعدد الإجابات والاحتمالات، أو تأويل وجوه السؤال، وفي اللغة العربية صعوبة أكبر من غيرها من المقررات الدراسية لسعتها وشمول دلالات ألفاظها واحتمالية تعدد المعنى المراد من السؤال...
وفي سؤال الحفظ من السؤال الأول خطأ متكرر في جميع الاختبارات، إذ إن السؤال يختبر مهارتي الفهم والحفظ، فمن حفظ القصيدة كاملة ولم يفهم البيت المقصود من السؤال لن ينال الدرجة مع أنه سئل في الفهم مسبقا وينبغي أن يختبر هذا السؤال حفظه لا فهمه! وقد أخذت هذه الملاحظة عن الموجه الذي حضرت عنده دورة إعداد الاختبارات التحصيلية، فإن كان الموجهون آخر من يلتزم بتوجيهاتهم في إعداد الاختبارات التي تعتبر فاشلة بمقاييسهم أنفسهم، فالوضع مزرٍ أكثر من اللازم!
وفي نفس السؤال وقع معدو الاختبار بخطأ غريب وهو صرف اسم (عمر) وهم ممنوع من الصرف، ففي الجدول تكرر اسم (عمر) مرتين، في الأولى كان منونا وفي الثانية غير منون، وإن كان يحق للشاعر تنوين الممنوع للصرف للضرورة فلا وجه للالتزام بهذه الضرورة بعد تحويل النص الشعري إلى عبارة نثرية! وكان الأولى في العبارتين أن يتحاشى واضع السؤال هذه الصياغة، فإما أن يستبدلها باسم مصروف ككلمة (الخليفة) أو أن يسرد الاسم كاملا (عمر بن الخطاب) تحاشيا لهذه الضرورة التي قد تربك الطالب الذي لم يدرس الممنوع من الصرف بعد، كما أن الطالب وجدها منونة فعلم أنها منصوبة ثم وجدها غير منونة في العبارة التالية وظن أنها غير منصوبة ولم يعلم أنها منصوبة أيضا! هذا فضلا عن صياغة العبارة بشكل بدائي رديء لا يمت للفصاحة بأية صلة! ولا يليق بموجه دقيق في محاسبة الطلاب أن يسبك عبارته بهذا المستوى وأن يلحن هذا اللحن وإن ظنه بسيطا!
أما السؤال الثاني ففيه ملاحظة فنية في الجزئية السادسة منه حيث كتب رقم (6) ثم كتب (أ) دون وجود (ب) وهذا ضعف في التنسيق والإخراج، ويبدو أن النقطة (ب) كانت مرتبطة بالسؤال عن المحسن البديعي ثم حذفت بعد تعديل الاختبار دون مراجعة إخراجه!
وفي نفس السؤال الثاني في جزئية الإعراب سئل عن إعراب الماضي المبني على الفتح المقدر، ويبدو أنه سؤال غير مناسب للطالب كونها مهارة تراكمية وليست من مهارات الفترة الثالثة، فإن كنت مخطئا في تقدير كونها مناسبة أم لا، فلا شك أنه سؤال فاشل لأن السؤال عن بناء الفعل الماضي على الفتح تكرر مرتين في الاختبار (س7 من السؤال الثاني، وس8 من السؤال الثالث) وهذا لا يصح في مهارة تراكمية أن تتكرر بنفس الجزئية في اختبار واحد، وتخفض أسئلة مهارات الفترة المقررة!
أما السؤال الثالث من الاختبار فإنه أفشل ما جاء في الاختبار، أراهن على أن أكثر من 75% من معلمي منطقة حولي عاجزين عن حل أسئلته والموجهون معهم اللهم إلا واضع السؤال! فأول الملاحظات عليه أن القراءة لتنمية الحصيلة اللغوية يصعب أن يُختبر فيها الطالب بتطبيق خارجي، إذ هو مجال بحاجة للرجوع إلى المعاجم، إلا أن يكون النص بليغا إلى حد تكون الثروة اللغوية فيه معتمدة على الإطناب وسرد المرادفات أو علاقات التضاد ما يعين على تنمية الحصيلة اللغوية في نفس النص دون حاجة للرجوع إلى معجم، أما أن يطلب من طالب في الصف العاشر أن يكتشف أن كلمة (فجة) هي ضد كلمة (يانعة) من ثقافته العامة دون دراسة مسبقة فهذا ما يعجز عنه جل معلمي المنطقة، وكذا الأمر في التفريق بين زاغت الشمس وزاغ البصر، خصوصا وأن كلمة زاغ البصر مستخدمة في الثقافة الدارجة عكس المعنى الفصيح، إذا يقال باللهجة الدارجة لمن يدقق النظر دائما (عيونه زايغة) فكيف سيكتشف الطالب أن زاغ البصر تعني ضعف البصر ولا تدل على شدة الملاحظة؟!
وكذلك الأمر في عبارة (مباحث نظرية شاحبة) فالطالب لا يعرف معنى شاحبة، ليعلم أنها استعارة، ليكتشف أن الموجه يريده أن ينتخب هذه العبارة ويفضلها على العبارة الثانية لأن فيها استعارة!
ويختتم الاختبار بسؤال البلاغة، وفيه ملاحظتان، الأولى ترتبط بإفراد سؤال كامل للبلاغة، وكان ينبغي أن يدمج بأسئلة الموضوعات كما جرى لسؤال النحو بعد دمج الورقتين، خصوصا وأن في موضوعات القراءة تشبيهات واستعارات وكنايات واقتباسات وتضمينات... فلا وجه لإفراد سؤال خاص بالبلاغة في الموضوعات المقررة لطلاب الصف العاشر، شأنها شأن النحو!
والملاحظة الثانية في سؤال البلاغة المؤكدة لفشل السؤال أن جميع جزئيات هذا السؤال تعتمد على الحفظ لا الفهم، فهي عين الأمثلة الواردة في الكتاب؛ ربما اضطر الموجهون لهذا الأمر لصعوبة البلاغة المقررة على طلاب عاشر، فرأوا أن يختبروا الطلاب في حفظ الأسئلة لا في استيعاب أبواب البلاغة؛ لتفقد البلاغة رونقها وجوهرها وحقيقتها وتتحول من علم مرتبط بالذائقة والفهم، إلى أوراق عمل تحفظ ويعاد تدوينها!
هذا وإن تخطى الطالب كل العثرات وأجاب على كل الأسئلة، وتمكن بقدرة الإعجاز أن يتنبأ بما في ضمير الموجه الفني الذي وضع هذا الاختبار وكتب الإجابة التي وضعها في النموذج، فإنه لا محالة سيقع في مطب التعبير الأول والأخير الذي لا يتمكن طه حسين من تجاوزه ونيل الدرجة الكاملة فيه!
مسلسل فشل الاختبارات مستمر ومتكرر ولا أحد يتدخل! لا يوجد نموذج اختبار لغة عربية جيد أبدا، التوجيه مشغول بمحاسبة المعلمين: هل يجب أن يكتب (أبريل) أو (إبريل)؟ لماذا كتب (3 ربيع الأول) ولم يكتب (3 من ربيع الأول)؟ لماذا اكتفى المعلم بهدفين من الأهداف الوجدانية؟ كان أجدر بالمعلم أن يكتب (الأقلام الملونة) ضمن الوسائل المستخدمة... وغيرها من تفاهات لا قيمة لها... أما إعداد الاختبارات والأخطاء الفاحشة المتكررة فلا بأس بها ولا أحد يحاسب!
أ. حسن بن نخي
ثانوية جابر الأحمد
تعليقات