خليل حيدر يتساءل: هل تنعش كارثة داعش ذاكرة العالم الإسلامي؟!
زاوية الكتابكتب مارس 22, 2015, 1:08 ص 593 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / 'داعش'.. يدمر تاريخ البشرية
خليل علي حيدر
عشرات وربما مئات المواقع الاثرية الغنية في العراق وسورية، باتت تحت رحمة تنظيم داعش الارهابي.. ولصوصه.
أهم وأجمل وأعرق ما في العالم العربي بات مهددا بالضياع الابدي، وقد يأتي الدور على آثار مصر وغيرها!
المعاول تحطم مقتنيات متاحف الموصل و«اصنامها» التاريخية، آثارها الحقيقية والبدائل الجصية التي قيل انها وضعت في المتاحف، كل ما قيل ويقال من قبل بعض شيوخ الدين المستنكرين مثل هذه الاعمال، منذ تدمير آثار باميان في افغانستان، لا يلقى تجاوبا حقيقيا لدى الكثير من المسلمين عموما، وقوى التشدد خصوصا، ممن يصمون ارقى المنحوتات والتماثيل بانها مجرد اصنام واوثان.
خطباء المساجد وكليات الشريعة لا يستنكرون مثل هذه الاعمال المخجلة المدمرة، ولايزال موقف المتشددين نفسه من انه «لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس، لان ذلك وسيلة للشرك بالله، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله، وتشبها بأعداء الله».
ومن الفتاوى ان «التصوير والنحت لذوات الارواح محرم، ولا يجوز للمسلم ان يبيع التماثيل او ينجز فيها.. ولاشك ان الاتجار فيها ترويج لها واعانة على تصويرها ونصبها في البيوت والنوادي ونحوها، واذا كان ذلك محرما فالكسب من انشائها وبيعها حرام لا يجوز للمسلم ان يعيش منه بأكل او غيره، صنع التماثيل المجسمة ان كانت من ذوات الارواح فهي محرمة لا تجوز»، ومن الفتاوى عن حكم صنع العرائس وشرائها للاطفال «ان صنعها على وجه يضاهي خلق الله حرام، لان هذا من التصوير الذي لا شك في تحريمه» (الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام، تجميع د.خالد الجريسي، الرياض، 2009).
وهذا تقريبا نفس موقف فقهاء الشيعة، فمرشد الثورة الايرانية السيد علي الخامنئي يفتي بان «لا بأس في نحت وتصوير ورسم الكائنات غير ذوات الارواح، ولا في نحت وتصوير ورسم الكائنات ذوات الارواح اذا كان من دون تجسيم او كان بصورة غير كاملة، واما صنع تماثيل الانسان او سائر الحيوانات بصورة كاملة مع التجسيم، بأية وسيلة كانت، ففيه اشكال، ولكن لا بأس في بيع وشراء واقتناء الصور والتماثيل مطلقا، كما لا بأس في عرضها مسرحيا»، (أجوبة الاستفتاءات، الجزء الثاني، الكويت 1998، طباعة دار النبأ).
وقد وصف العراق فيلم تنظيم داعش بتدمير المتحف التاريخي في مدينة الموصل التي يسيطر عليها بانه عمل ظلامي لعصابات ارهابية لا تأبى للحضارة وللتاريخ، وقال رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري «ان هذه المجاميع الظلامية تثبت في كل يوم انها عدو العراق بماضيه وحاضره ومستقبله»، وظهر في التسجيل المصور الذي بثه تنظيم داعش متحدث يقف امام مجسم اثري كبير، فيما يفترض انه متحف نينوى الاثري، واشار بيده الى المجسم قائلا: ان هذه اصنام واوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تُعبد من دون الله»، واضاف ان «ما يسمى بالآشوريين والاكاديين وغيرهم، كانوا يتخذون آلهة للمطر وآلهة للزرع واخرى للحرب يشركون بها بالله ويتقربون اليها بشتى انواع القرابين»، ويعتبر علماء ومتخصصون، بالآثار متحف نينوى في مدينة الموصل العراقية من اهم متاحف العالم، حيث يحوي آلاف القطع الاثرية، وقال مصدر امني ان عناصر «داعش» اقدموا على تهديم اجزاء كبيرة من «بوابة نركال» التاريخية شرقي الموصل والآثار في ناحية النمرود جنوبي الموصل، كما فخخ مواقع اخرى تمهيدا لتفجيرها (ايلاف 2015/2/26).
وكشفت مصادر محلية في محافظة نينوى عن «ان مسلحي تنظيم داعش احرقوا اكثر من ثمانية آلاف كتاب ومخطوطات نادرة تعود لعصور تاريخية مختلفة في مكتبة الموصل المركزية التي تعتبر احدى اقدم المكتبات التاريخية في نينوى، وافادت المصادر بأنهم فجروا ايضا بالعبوات الناسفة كنيسة مريم العذراء شمالي الموصل التي كان قادة التنظيم يتخذونها مقرا لهم». (الجريدة 2015/2/23).
وكانت الصحيفة قد نقلت عن «التايمز» البريطانية تصريحات لخبراء آثار قالوا ان تنظيم الدولة الاسلامية داعش، قد اعلن الحرب على تراث سورية الغني، وانه بصدد «ازالة جميع ادلة التعددية الدينية»، وحذرت التايمز من «ان قوة التدمير لديهم رهيبة».
ولفتت الصحيفة الى ان منظمة الدفاع عن المعالم الاثرية احصت 450 حالة تدمير مواقع اثرية في سورية، منذ بداية يوليو 2014، ولعل عدد حالات التدمير ارتفع كثيرا منذ ذلك الوقت، حيث بدأت عمليات تدمير المواقع الدينية منذ سبتمبر في مدينة حلب وكذا ريف دمشق، وبخلاف النسف والتدمير، تحولت آثار سورية الى تجارة رائجة عبر الحدود، حيث تشير الارقام الى ان قيمة الآثار المنهوبة وصلت الى ملياري دولار» (الجريدة 2015/2/20(.
وتعاني سورية الغنية بالتاريخ والآثار من مأساة حقيقية، ذلك ان ميراثها الثقافي العظيم عرضة للتدمير على يد قوى لا ترحم، فمن جانب هناك التدمير الناجم عن الحرب الطاحنة بين النظام والثوار، وهناك من جانب ثان عمليات التدمير والسرقة التي يقوم بها تنظيم داعش. لقد كسب داعش ملايين الدولارات جراء اعمال النهب التي قام بها، ومع استحواذ التنظيم على قطع اثرية يعود تاريخها الى ثمانية آلاف سنة سيكون اكثر قدرة على مواصلة جرائمه ولكن ان كان داعش مدركا لحجم الثروة الممكن جمعها من بيع الآثار والتماثيل والمجسمات فلماذا يقوم بتحطيمها؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي ان يحاصر نشاطات هذا التنظيم في سوق الآثار؟
هناك من يدعو، كما نشرت الشرق الاوسط في 2014/9/22 الى «تشكيل جهة عالمية – ربما يكون مقرها في دافوس بسويسرا – تضم الاطراف المعنية المسؤولة في سوق الآثار، مثل الحكومات ودور المزاد العلني والمتاحف والتجار وشركات التأمين والموانئ الحرة وهواة جمع الآثار، توافق كلها على معيار موحد لمصادر ومبيعات الآثار، وضمان ان تكون اي آثار من مناطق صراع نشطة، معلومة المصدر بصورة صحيحة قبل بيعها او نقلها او التأمين عليها او تخزينها او عرضها».
ان مثل هذا التنسيق الدولي لن يحمي تراث البشرية وآثار الشرق الاوسط فحسب، بل ويسهم في محاصرة تمويل الارهاب، لقد نسى العالم الاسلامي جرائم طالبان الثقافية في افغانستان، فهل تنعش كارثة داعش ذاكرته؟
تعليقات