هل في المناهج الإسرائيلية 'تعددية'؟!.. سؤال يطرحه ويجيب عنه خليل حيدر
زاوية الكتابكتب مارس 21, 2015, 12:57 ص 540 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / هل في المناهج الإسرائيلية .. 'تعددية'؟!
خليل علي حيدر
أعطت إسرائيل أهمية خاصة للتعليم المهني والتكنولوجي في مرحلة الدراسة الثانوية، فلخريجي هذا التعليم دورهم الأساسي في تطوير الصناعة، وفي القيام بمهمات أساسية في الجيش، وتحول اسم هذا المسار من التعليم المهني الى التعليم التكنولوجي، ثم الى التعليم التكنولوجي العلمي، وتعددت مناهجه وفق هدف التحاق كل طالب به، فهناك منهج يؤهل الطلاب للحصول على شهادة انهاء الفرع المهني والاندماج في سوق العمل، ومنهج مهني عادي يؤهل الطلاب للحصول على الثانوية العامة، «شهادة بغروت» جزئية.وهناك ثالثاً مسار يؤهل الطلاب أو يتيح لهم الحصول على فرصة للالتحاق بالدراسات العليا.
كما تم تصنيف العلوم من حيث أهميتها، فكان ترتيبها:
الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، ثم علم الأحياء. وتطبيقاً للتوصيات، فقد تم تجديد المناهج وادخال التكنولوجيا الى الصفوف الدنيا. وقد زاد عدد الطلاب في المساقات العلمية المركزة من %18 سنة 1998 الى %27 في سنة 2004، وهو تطور لم يشمل المدارس العربية في اسرائيل، نظراً الى التكاليف الباهظة للنهوض بمثل هذه التخصصات.
ويقول الباحث «خالد أبوعصبة»، الذي نعرض دراسته عن التربية والتعليم والبحث العلمي، ان التطورات التي أدخلت على هذا المجال لم تكن كلها لصالح الجيش حيث وجدت هذه المؤسسة نفسها أمام نوعين من الخريجين أولهما: المهندسون والفنيون والباحثون والعلماء، ممن تم اعدادهم بكفاءة عالية، واخرهما: العمال المهرة اللازمون لأعمال الصيانة الذين تزايدت حاجة الجيش اليهم ولا يجد كفايته منهم.
وتعطي اسرائيل أهمية قصوى للعنصر البشري في المخرجات الدراسية، ونرى ان جهاز التعليم فيها يشمل، الى جانب أطر التعليم العادية، عدداً من الأطر الرسمية وغير الرسمية.
وأشهر أطر التعليم البديل الرسمية، يضيف أبو عصبة: «هو التدريب المهني للطلاب الذين يتسربون من المدارس العادية الرسمية، اذ يمكنهم الالتحاق بمراكز التدريب المهني التي تقدم دورات مهنية مدة عام أو عامين».
ومن دلائل اهتمام اسرائيل بمثل هذه الشريحة المهملة في دول كثيرة، ان الكنيست سن في عام 1953 قانوناً خاصاً بالشبيبة، ضمن للمتسربين من المدارس حتى سن 18 عاماً الحق في استكمال دراستهم وتدريبهم المهني خلال العمل.«ويفرض القانون على أصحاب العمل السماح لهؤلاء بالدراسة في المؤسسات المختصة يومين في الأسبوع».
وتشمل هذه المؤسسات المدرسة الصناعية، مدرسة الشبيبة المتعلمة، حلقات التدريب بمعسكرات الجيش، دورات خاصة بالشبيبة تعقدها مؤسسات متعددة.
ومن الأمور التي تهتم بها المؤسسات التعليمية الاسرائيلية تعددية المجتمع، وانقسام السكان الى «أصليين» و«مهاجرين».فالتعددية هنا في الأساس تنوع القيم الثقافية وكيفية دمجها وصهرها في مجتمع واحد.
ويقول الباحث ان المؤسسات الاسرائيلية لا ترحب بالتعددية الثقافية في الواقع، لأن مثل هذه التعددية تتصادم مع شروط نجاح المشروع الصهيوني، وقدرته على دمج الهويات والمصالح.
«لذا تم تجنيد التربية الصهيونية لخلق رواية وحيدة تعمل على محو الانتماء التاريخي والثقافي الى بلاد الأصل لدى المهاجرين، وخصوصاً تلك الثقافات التي تعارضت مع مصالح الصهيونية، أو مع أهدافها». (ص408).
ويضيف ان قوة نفوذ الأيديولوجية الصهيونية في الجهاز التربوي الاسرائيلي تعتمد على «سياسة الوحدة الثقافية» وعلى «الغاء الاختلاف والتباين الثقافي».
ويمكن القول ان موقف المؤسسة التعليمية الاسرائيلية من التعددية الثقافية يشبه مواقف دول لا حصر لها في العالم النامي والمتقدم.ففي أوروبا وأمريكا، وآسيا وأفريقيا دول ومجتمعات كثيرة لا تتحمل التعددية الثقافية ولا تشجعها، ونرى في ثقافتنا السياسية العربية مثلاً دعوة حارة الى مختلف الأقليات العرقية والمذهبية والدينية بالذوبان والاندماج في الوعاء العربي والاسلامي، بينما نحذر الأقليات العربية والاسلامية في أوروبا وأمريكا..من «الذوبان» في تلك المجتمعات!
ولا نجد في الحياة السياسية والتربوية العربية أي جهد حقيقي لتشجيع التعددية الثقافية Multichuralism، التي تركز على استعداد كل مجموعة لتقبل حق الآخرين في الاختلاف، والمحافظة على ثقافتهم والعيش وفق نمط حياتهم الخاص، والتعددية التي تقوم على احترام الخصوصية الثقافية والقومية لكل مجموعة، والاعتراف بأهمية المواطنة المشتركة مع محاولة خلق حد أدنى من القيم المشتركة.
ورغم طغيان المخاوف الصهيونية على الجهاز التعليمي الاسرائيلي، كما يبين الباحث، الا ان الحريات والتسامح الثقافي وواقع التنوع السياسي والاجتماعي واسعة وملحوظة في المجتمع الاسرائيلي، مهما كانت درجة رضا او استياء المؤسسات التعليمية والسياسية من هذه التعددية.ونجد ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 وجدت نفسها متعايشة مع تركيبات برلمانية غير مريحة في الكنيست، وتنوع حزبي لا يسهل دائماً استيعابه، وتعددية قومية ولغوية ومذهبية ودينية متنافرة، بين اليهود المهاجرين أنفسهم.
كما لم نجد السلطات هناك تلجأ الى ما هو معهود في بلداننا من وسائل القمع والمنع في الحياة الثقافية والاجتماعية بل والسياسية ففي اسرائيل يهود متشددون وحركة اسلامية نشطة، وحزب شيوعي يضم العرب واليهود، وهناك كذلك تحركات ناقدة للسياسات الاسرائيلية المختلفة بين اعضاء الكنيست وفي الاعلام وحركة النشر والانترنت والجمعيات وغيرها.
وعلى الرغم من مرور العلاقات بين العالم العربي والإسرائيلي بظروف دقيقة، وتعرض اسرائيل لمخاطر كثيرة، وعلى الرغم من التهديدات والحروب الاعلامية وحتى طرد اليهود من البلدان العربية، الا ان الحريات الاعلامية والأكاديمية والسياسية في اسرائيل لم تمس تقريباً، الا في اضيق الحدود.
ولو قارنا هذه المضايقات بما نفعل نحن في الدول العربية بالمسيحيين مثلاً، وببقايا اليهود، بل وما يفعله المسلمون شيعة وسنة ببعضهم..لفضلنا السكوت! ولكن هل اسرائيل، على الرغم من كل هذه التسهيلات وصور التعددية، تسلك سلوكاً ليبرالياً حقيقياً مع العرب مثلاً؟
يقول الباحث د.خالد أبو عصيبة متسائلاً: «هل من الممكن ان تكون ثمة تربية تعترف بالتعددية الثقافية في دولة تعترف نفسها بأنها احادية القومية وتمتاز بالطبقية الاثنية القومية؟» ثم يضيف: «اعتبرت الحكومات المتعاقبة في اسرائيل المواطنين العرب خطراً أمنياً، كما ان انتماءهم القومي والديني يشبه الانتماء لدى «العدو الفلسطيني»، الامر الذي يخرج الجمهور العربي من الاجماع القومي الاسرائيلي، ولا يسمح بأن يتحول المجتمع الاسرائيلي الى مجتمع مدني تعددي».
ويلفت الباحث انتباه القارئ الى مأخذ مهم، على ما تتيحه السلطات من خيارات تربوية للفلسطينيين، فيقول: «لم تكن سياسة التعليم المتعلقة بالعرب في اسرائيل مبنية يوماً على الاعتراف بحقهم في تطوير هويتهم وتحصيلهم العلمي في ظل تعددية ثقافية اسرائيلية، انما انشأت الدولة جهاز تعليم خاصا بالعرب، فُصل عند التعليم الدرزي لاحقا، وهو عزل مفروض – بين اليهود والعرب – من المرحلة المبكرة في رياض الاطفال حتى نهاية المرحلة الثانوية.وفي حين يركز جهاز التعليم العبري على التوجه القومي – الصهيوني، فان جهاز التربية والتعليم العربي خال من أي توجه قومي عربي، أو وطني فلسطيني».وينفي الباحث وجود أي تماثل في اهداف كل من التعليم العربي والعبري في الموضوعات التعليمية المتعددة، وبخاصة في مجال تدريس اللغة العربية واللغة العبرية، ويشير الباحث الى دراسة اجراها «ماجد الحاج» عن مناهج تدريس اللغتين في المدارس اليهودية والعربية ووجد ان جهاز التعليم الاسرائيلي لم ينجح في خلق قاسم مشترك للتعددية الثقافية، ففي حين عمل التعليم في المدارس العربية من اجل سيطرة الثقافة العبرية وسيادتها، لم تكن هناك أي محاولة لتعريف الطالب اليهودي بالثقافة والتاريخ والحضارة العربية او الاسلامية من خلال كتب التدريس، او كما يقول الحاج: «يمكن التوصل الى نتيجة ان التوجه الذي تبناه جهاز التعليم الاسرائيلي حتى اليوم كان توجها تربويا ذا مركزية اثنية وليس تعددية ثقافية، اما في المدارس العربية فكان التوجه لتعددية ثقافية مسيطرة» (ص410).
ويشير الباحث ماجد الحاج في دراسته ان الطلبة الفلسطينيين «لم يدرسوا موضوعات ادبية كتبها ادباء وشعراء فلسطينيون، وبالذات اولئك الشعراء الذين اصبحوا رمزا للحركة الوطنية الفلسطينية، امثال محمود درويش وفي المقابل تم التركيز على تدريس اللغة العبرية في المدارس العربية واطلاع الطلبة العرب على الثقافة والتاريخ اليهوديين» (دراسة الباحث ماجد الحاج، التي يشير اليها د.خالد أبوعسبة، بعنوان «التربية للتعددية الثقافية في اسرائيل في ظل عملية السلام»، وهي بالعبرية ضمن كتاب صادر عن جامعة تل أبيب عام 1998، بعنوان «تعددية ثقافية في دولة ديموقراطية ويهودية»، انظر دليل اسرائيل ص 410(.
وثمة شكوى مماثلة في مجال تدريس التاريخ للطلاب العرب، حيث تركز المناهج الدراسية على تاريخ اليهود منذ ايام مملكة داود حتى دولة اسرائيل، بينما يدمج تاريخ الثقافات والشعوب الاخرى، يقول الباحث في «مسيرة تاريخية هي في الاساس تاريخ اليهود».
تعليقات