اليمن بين قصور المبعوث والمبادرة
عربي و دوليفبراير 18, 2015, 4:29 م 719 مشاهدات 0
مفارقة شائنة أن يوكل مصير بلد عربي لمبعوث أممي عربي، وأن تضع منظمة عربية هيكل إخراج بلد عربي من أزمته فيكون وجود الاثنين مانعاً لوصول النجدة الحقيقية لذلك البلد.ففي يناير2003 قدم محمد البرادعي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، تقريراً غامضاً لمجلس الأمن عن نتائج التفتيش في العراق، فتشكل على طرفي القضية فريقان غاضبان؛ فواشنطن كانت تراه خصماً شن عليه دك تشيني حملة تنتقص الرجل وتقريره، ثم تطورت لصراع لإزاحته عن رئاسة الوكالة، أما الفريق الآخر فوجده مراوغاً أيضاً؛ فبدلاً من التصريح بخلو العراق قال: «لم نجد شيئاً حتى الآن، لكننا نحتاج إلى مزيد من الوقت»، ثم أسدل دخول القوات الأمريكية بغداد الستار معلناً فشل مهمته، وحين كُلف البرادعي بقضية النووي الإيراني لقي الفشل نفسه بين عبارات «وثائق ناقصة» و«أسئلة معلقة» التي طرز بها تقاريره.
أما تبني الخيارات السطحية في معالجة القضايا البنيوية فهو خير وصف لجهود الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، والتي انتهت في منتصف 2014 بعد عامين من البراميل المتفجرة والكيماوي، فيما كان الإبراهيمي يتحدث عن الانتخابات الرئاسية وأثرها على رفاه الشعب السوري.
وفي ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الأول في أكتوبر 2014 عرفتنا رئيسة مركز الإمارات للسياسات، د. ابتسام الكتبي، على السفير جمال بن عمر، وبدل رؤيته حول البيئة الأمنية أو السياسية في الخليج، ألقى سيرته الذاتية، حتى تبادر إلى الأذهان أن الرجل يبحث عن عمل جديد بعد إنجاز مهمته في اليمن، فربما سمع إن الخليجيين بصدد إطلاق العنان لواحدة من مبادراتهم العديدة، لكن بن عمر صدمنا حين أطل من المشهد اليمني الراهن في 13 فبراير الجاري معلناً أن اليمن قد أصبحت «في مهب الريح».
إن جمال بن عمر هو نفس المبعوثين العرب الآخرين الذين يعينهم الأمين العام للأمم المتحدة لإعطاء شرعية عربية لتدمير بلد عربي، فالمفاوض الجيد سريع البديهة وبن عمر لم يلاحظ مؤامرات صالح التي كانت بحجم بعير، بل ولم يسمع طلقات الحوثة في طريقهم لصنعاء إلا متأخراً، والمفاوض يتميز بصبر غير محدود، وبن عمر يعلن عن يأسه قبل تصويت مجلس الأمن على القرار الخليجي 15 فبراير 2015.
ولا يضاهي حيرتنا حيال اختيار بن عمر إلا كيفية تبلور الدعوة الخليجية في الاجتماع الوزاري 14 فبراير 2015 لقرار أممي تحت الفصل السابع، فهل كانت المطالبة باستخدام الأعمال العسكرية التي تمليها الضرورة للحفاظ على السلام موقف تفاوضي اقترحه الخليجيون حتى يتراجع الحوثة عن إعلانهم الدستوري وعودة الحكومة الشرعية! أم هي دعوة أصيلة يراد منها فرض حصار اقتصادي وعزلة دبلوماسية وتدخل عسكري دولي لإرجاع الغاصبين إلى صعدة؟
في تقديرنا إن كلا الأمرين كانا غير موفقين؛ فالتدخل العسكري الدولي في جزيرة العرب خطيئة استراتيجية ستتحملها دول الخليج حين تنفتح الأبواب أمام شذاذ الآفاق بذريعة الجهاد، فيتحول اليمن لأفغانستان. كما إن بيئة العلاقات الدولية كانت غير مهيأة أصلاً لمثل ذلك القرار، فموسكو تواجه في أوكرانيا حالة مماثلة، حيث يشبه أنصارها ما يقوم به الحوثيون وسترفض القرار، أما بكين فستراعي طهران، كما ستراعي موقفها الرافض للهيمنة الغربية على القرارات الأممية تحت البند السابع.
وعليه فاليمن لم يعد بحاجة لمفاوض عاجز لا ينتمي لدولة عظمى، كما إن اليمن لن تنجح به مبادرة لا تخدم مصالح أعضاء مجلس الأمن ودول الجوار الإقليمي، والحوثي لا يأبه لك إلا إذا علوت رأسه بالحسام، ولن يردعه إلا غضب يمني شامل.
تعليقات