تجفيف منابع التأييد السياسي والتعاطف الديني مع الإرهاب!.. بقلم خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 18, 2015, 12:29 ص 655 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / تجفيف منابع التعاطف.. مع الإرهاب
خليل علي حيدر
مع كل عملية ارهابية تقوم بها الجماعات المتطرفة في اوروبا وامريكا، يعود المسلمون عامة وكتاب التيار الديني خاصة الى معسكر «بن لكن» وثقافة التبرير، وجلد الدول الغربية وسياساتها ومؤامراتها تجاه العالم العربي والاسلامي، وفلسطين والعراق وافغانستان وكل مكان، ناسين ما يؤكدونه دائما من ان الجماعات الارهابية «لا تمثل الاسلام الصحيح»، وان بعض الاستخبارات العربية او الغربية هي التي اوجدتها! غير ان العقلية التبريرة السائدة في اعلامنا سرعان ما تنجر الى مسارات ومسارب تخفف كثيرا من وقع الجريمة الارهابية، ان لم تجعلها بعض مستلزمات الجهاد والنضال.
الكثير من المقالات لا تتوقف عندما اكده شيوخ الاسلام انفسهم حول «الجهة المخولة بالتصدي لإزالة المنكر» والاساءة مثلا، ولا الجهة التي تصدر الامر والفتوى، ولا مصالح الجماعة الاسلامية في هذه الدول او تلك، ولا مستلزمات محاكمة المسيء الى الدين في محكمة عادلة او استتابة، او غير ذلك مما نقرأ عادة في كتب الفقه ومداخلات شيوخ الدين، وسرعان ما ينتقل هؤلاء الكتاب الى ان ما وقع من فعل، جريمة تستحق الادانة، ولكن لا بأس ان قامت بها فئة، مهما كانت مقاصدها من المسلمين، اذا لم تقم الدولة المعنية بالدفاع عن مقدسات المسلمين، ومثل هذا التبرير قد يساق لتبرير الانتقام من مواقف سياسية ازاء قضايا عربية، كالذي كثيرا ما يتكرر في صحفنا ومقالاتنا التي لا ترى بأسا في نهاية التحليل من العمل الارهابي، ان كان هذا العمل هو «اقل ما يمكن القيام به» لتأديب هذه الدولة، وتحذير كل من «تسول له نفسه» ان يكرر الاساءة، او «يكيل بمكيالين».. الخ.
لا احد يعرف عن من يدافع الاسلاميون في حقيقة الامر، هل هي حرية العقيدة؟ ام حرية الاقليات؟ ام حرية النشر؟ ام حرية العبادة؟ وما الحريات التي يطالبون بها للمسلمين في الغرب ويوافق المسلمون بدورهم على اعطائها لغير المسلمين في بلادنا؟
ومتى ينتهي في ثقافتنا اعتبار الجريمة عملا اخلاقيا سليما، ان كان ردا على جريمة للطرف الآخر، دون الدخول في اي تفاصيل، ودون دراسة حال الضحايا.. وملف القضيتين؟ لقد انقلب هذا الموقف علينا داخل العالم العربي نفسه! فصار البعض يبرر لأسباب مذهبية التدخل في سورية، انتقاما للتدخل في البحرين، وصار المصلون الشيعة والمصلون السنة اهدافا انتقامية مشروعة، والتفجير والعمليات الانتحارية لا بأس بها في بعض المدن ومناطق واحياء العراق او لبنان، مادامت ترد على «جرائم الطرف الآخر»، بما يشفي الغليل وقطع الايدي الآثمة! لماذا لا تكن عن اعتبار «الخطأ انتقاما من الخطأ».. صوابا؟!
والعنف العشوائي في مكان، ردا مبررا وعدلا لممارسة العنف العشوائي في دولة اخرى او من قبل جماعة اخرى؟ هناك قنوات ووسائل واجراءات قانونية وسياسية ومالية للرد، وبخاصة للتعامل مع المجتمعات المتقدمة، ابلغ في التأثير واكثر قدرة على اكتساب الرأي العام حتى اقناع الخصوم والاعداء!.
«انا مسلمة، هل معنى هذا ان اعتذر عن هجمات باريس؟» ليس بالضرورة طبعا، ولكن لا تنسي ايتها المسلمة الاوروبية ان الذين قاموا بسلسلة طويلة من الاعمال الارهابية الكبرى في الولايات المتحدة واوروبا وآسيا وافريقيا واستراليا هم من المسلمين، بما في ذلك بالطبع العراق ومصر والسعودية والجزائر وباكستان وافغانستان وروسيا والصين وربما معظم دول العالم، على امتداد عشرين او ثلاثين سنة!
«لم يطلب احد من المسيحيين الاعراب عن الاسف بعد التفجير الضخم الذي شهدته مدينة اوكلاهوما»، تشتكي مسلمة بريطانية ربما من خلفية باكستان في صحيفة اندبندنت، («الوطن» 2015/1/13)، وتضيف متظلمة، «في حين هناك من يطالب المسلمين دائما بتقديم الاعتذار عن مثل هذه الاعمال».
وهناك كذلك من يذكِّر الغربيين بالعملية الارهابية التي قام بها بعض المسيحيين في امريكا او اوروبا.. ولكن الفارق كبير!.
وبالطبع لا يحق لأحد اجبار اتباع اي دين على الاعتذار، ولكن هناك مشكلة كبرى في سهولة وسعة لجوء المسلمين الى العمل العنيف في اوروبا والغرب وبين بعضهم البعض في العالم العربي والاسلامي، كالذي نعيشه يوميا في اكثر من عشرين او خمسين دولة!
ان العمليات الارهابية التي يقوم بها غير المسلمين نادرة مقارنة بعددها التي يقوم بها شباب العالم الاسلامي في بلداننا والغرب، وحتى الدول الخليجية الثرية الخالية من الاضطهاد السياسي القاسي يشارك شبابها بالمال والدم في «القاعدة» و«داعش».
وهناك فارق كبير بين قوى الاسلام السياسي وجماعاته في باكستان مقارنة بالهند، وفي امريكا الجنوبية والوسطى فقراء ومساجين ومظلومون ومعادون لأمريكا من اعماق الفؤاد، ولكن لانراهم يقومون بأعمال ارهابية في نيويورك ولوس انجيلوس، وهناك يهود متزمتون في اسرائيل وامريكا واوروبا، واذرع لا تحصى كما يقال للموساد وانصار الصهيونية، ولكنهم لم ينتقموا من المسلمين العرب داخل اسرائيل مثلا، ولا اقاموا جماعات مسلحة محلية ودولية ترفع اعلاما سوداء، فيها نجمة داود او كلمات عبرية او شعارات عبرية، تقوم «بتأديب» كل دولة او شخصية تسيئ لليهود او تهين معابدهم!
علينا تخليص اعلامنا وخطابنا الديني والثقافي من التبرير للارهاب تحت اي حجة، فنفس المنظمات الارهابية التي تقتل الناس الابرياء في اوروبا وامريكا تقتل الناس بقسوة اكبر في البلدان العربية والاسلامية، لا ينبغي لأمثال هؤلاء القتلة ان يقوموا بأي دور لإنصاف المسلمين، مهما بدت قضايانا عادلة، والعالم الخارجي ظالما لنا.
سيتضاعف الاحتراف الدولي للعرب والمسلمين ان بادروا الى تجفيف محاضن التأييد السياسي، والتعاطف الديني مع الارهاب، وكانوا ضد هذه الممارسة مهما كانت المبررات.
تعليقات