يكتب خليل حيدر عن كباب 'الفلوجة'!

زاوية الكتاب

كتب 858 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  كباب 'الفلوجة'

خليل علي حيدر

 

أين اختفى المصفقون والمطبلون لمدينة «الفلوجة المقاومة البطلة»؟ اين ذهبت مقالات الكتاب وكتب المؤلفين وكراريس المنشدين؟ التي تغنى بها المشرق والمغرب العربي، واعتبرها الجهاديون من السلفيين والاخوان من معارك الاسلام الحاسمة، تداولتها ايدي المجاهدين والتكفيريين والتصفويين والالغائيين، فغدت المدينة اليوم اثرا بعدعين، ولحقت بالتي سبقتها في الصومال وافغانستان.. وليبيا!
كانت «الفلوجة» ثاني اكبر مدن الانبار من حيث السكان والنشاط الاقتصادي بعد الرمادي، التي هي مركز المحافظة. «سكانها - اي الفلوجة - البالغ تعدادهم نحو 703 آلاف نسمة حسب احصائية عام 2013»، يقول مناف العبيدي، «لم يتبق منهم في داخلها سوى 100ألف فقط بعد عملية نزوح كبرى شهدتها المدينة، حيث انها المدينة الاولى من مدن الانبار التي وقعت تحت سيطرة مسلحي داعش قبل اكثر من سبعة اشهر». (الشرق الاوسط، 2014/12/27).
«اكثر مدن الانبار شهرة بل والعراق كافة اليوم هي مدينة الفلوجة»، كتب الباحث العراقي د.رشيد الخيون عام 2004، واضاف: «شهرت الفلوجة جثث الامريكيين الاربعة حيث سحلوا واحرقوا، وتجمع فيها مقاتلون عرب من كل حدب وصوب، ولولا الحل الاخير لتحولت الى امارة على طراز «توربورا» الافغانية».
«مدينة الفلوجة»، اضاف د.الخيون في مقاله بمجلة «الديموقراطية»، يوليو 2004، «مدينة طريق»، يعيش اهلها على القوافل المارة فيها. وما يحدث من حروب عادة عندها، حروب بين الغرباء، ليس للفلوجيين ناقة فيها او جمل، واكثر ما اشتهر بين العراقيين كباب الفلوجة، وتكاد لا تخلو مدينة عراقية من مطعم كتب على واجهته كباب الفلوجة، لانها ارض مراع ومزارع يربّى فيها اسمن الغنم».
كان للضربة الامريكية وغزو افغانستان واسقاط حكومة طالبان عام 2001 اثر مدمر على تنظيم القاعدة، اذ انقسم عمليا الى خمسة تنظيمات محددة اقليميا هي العراق، والسعودية، وافغانستان - باكستان، وجنوب شرق آسيا، واوروبا - شمال افريقيا. ويضيف الباحث «توماس هيغهامر»، ان حرب العراق «منحت الجهاديين العالميين بؤرة مرغوبة لصراعهم ضد الولايات المتحدة، ومن الممكن الجدل بان النزاع في العراق اسهم في تطوير فكر استراتيجي اكثر تعقيدا في الدوائر الجهادية، والى زيادة العداء تجاه اوروبا ودول الخليج». (السلفية الجهادية، مركز المسبار، 2011، ص98).
هناك خمس فئات اساسية، يقول الباحث نفسه، تشكل معا عقائد جماعات الجهاد العالمي اليوم الاولى قادة تنظيم القاعدة مثل بن لادن والظواهري، والثانية علماء الدين الذين يصدرون الفتاوى ويسمون شيوخ الجهاد، مثل «ابوقتادة» الفلسطيني، والسعوديين ناصر الفهد وعلي الحضير، والمصري عمر عبدالرحمن، والفلسطيني ابومحمد المقدسي وابوبصير الطرطوسي. وتتضمن الفئة الثالثة «المفكرين الاستراتيجيين» وهم في الغالب في العشرينات او الثلاثينيات واعضاء في جماعات مسلحة ولكنهم لا يشاركون في القتال، وهؤلاء يكتبون الكتب والمقالات التي توزع عبر شبكة الانترنت، ومن بينهم السعودي يوسف العييري، وابومصعب السوري، والايديولوجي السعودي عمر السيف وهناك غيرهم يستخدمون أسماء وهمية مثل «لويس عطية الله». وتتمثل الفئة الرابعة من الفاعلين الايديولوجيين في الجماعات المسلحة الناشطة، التي تصدر بياناتهم ومجلاتهم عبر الانترنت. ومن هذه المجلات «صوت الجهاد» و«معسكر البتار» و«الخنساء». اما القاعدة في بلاد الرافدين فتنشر مجلة تحت اسم «ذروة السنام»، واخيرا الفئة الخامسة، وهم «الآلاف من المشاركين المجهولين في النقاشات الاسلامية الراديكالية في المواقع الحوارية على شبكة الانترنت، مثل الانصار والقلعة والاصلاح». (المرجع نفسه، 108/105).
ماذا عن العراق؟ يعتبر العراق الآن، يقول الباحث، «أهم ساحة معركة في محاربة التحالف اليهودي – الصليبي»، واكثر قضية فرضت نفسها على اجندة الجهاديين الاوليين منذ عام 2002، ففي سبتمبر 2002 اصدر الشيخ السعودي الراديكالي البارز «ناصر الفهد» كتابه بعنوان «الحملة الصليبية في مرحلتها الثاني: «حرب العراق» واصدر في اكتوبر مع ستة شيوخ سعوديين «منتدى حول تكفير كل من يساعد الامريكيين ضد المسلمين في العراق».
واصدر شيوخ الجهاد المعروفون بيانات عن اهمية محاربة الصليبيين في العراق، و«ابرز شيخ تناول الموضوع العراقي هو من دون شك العالم الكويتي حامد العلي، الذي كتب اكثر من عشرين فتوى في مختلف جوانب الصراع في العراق»، (السلفية الجهادية، ص111).
وقد ركزت مطبوعات ومنشورات الجهاديين على العراق لانه بات «يمثل افضل مثال لمعاناة المسلمين على أيدي الامريكيين»، وحذر اسامة بن لادن ان «الولايات المتحدة هاجمت العراق وقريبا ستهاجم ايران والسعودية ومصر والسودان، ويجب ان تنتبهوا الى ان الكفار لا يتحملون وجود المسلمين ويريدون الاستيلاء على مواردهم وتدميرهم بالظلم والقتل المتعمد للابرياء من النساء والاطفال هو سياسة امريكية متعمدة» (ص117).
واظهر منشور بعنوان «العراق الجهادي» هدف اساسي للارهابيين في اواخر عام 2003 فيه، «اذا خسر الامريكيون وهو ما نتمناه باذن الله تعالى، ستُفتح جميع الابواب للمد الاسلامي، وستكون لدينا قاعدة متقدمة للنهضة الاسلامية بالقرب من ارض الحرمين الشريفين والمسجد الاقصى».
وظهرت انتهازية الكثير من النشطاء السياسيين في العالم العربي ازاء الارهاب والتفجير والمدن في العراق، مثلا، اجرى الصحافي «حازم امين» في جريدة الحياة سلسلة من اللقاءات في ديسمبر 2004، مع مؤيدي ابي مصعب الزرقاوي، وكتب الامين قائلا: «العديد من الناشطين يقولون انهم يدعمون عمليات ابي مصعب الزرقاوي في العراق، لكنهم يعارضونها في الاردن. المجاهدون ليس في وسعهم فتح جبهة قتال جديدة حتى لو كان حكام هذه الدولة من الكفار الطغاة» (عن الحياة 2004/12/14)، الكثير من العرب والمسلمين يؤيد «داعش» اليوم بنفس الازدواجية! ما احوال مدينة الفلوجة اليوم، 2014، بعد ان مرت بشوارعها وبيوتها اهوال الجهاد ورأت في عشر سنين ما لم تره في قرون؟
يقول عبدالرحمن (49 عاما) وهو موظف حكومي يعمل في بلدية الفلوجة: «الاحياء السكنية في اطراف المدينة دُمرت بالكامل، كنت اسكن في الحي العسكري شرقي المدينة وقبل نحو ستة اشهر نزح كل سكان الحي الى خارج وداخل المدينة.. اما الاسعار، فلم يشهد تاريخ مدينة الفلوجة ارتفاعا بالاسعار كالتي شهدتها وسجلتها اسعار البضائع والمواد الغذائية ومواد الوقود واغلب الناس يعيشون حالة فقر لعدم تسلم رواتبهم منذ شهور».
ويقول ابو عبدالله، 50 عاما المعلم في احدى المدارس الابتدائية لنفس الصحيفة: «التعليم متوقف بشكل كامل، وزارة التربية العراقية قد الغت الدوام في المناطق التي يسيطر عليها مسلحو تنظيم داعش، الحال لا يطاق هنا».
السيدة ام احمد، 58 عاما، تقول: «نعيش ظروفا قاسية جدا، بالكاد نحصل على الطعام، احيانا اذهب الى السوق فأجد هناك مشاهد محزنة ومؤلمة، نساء يبحثن عن بقايا خضراوات تالفة يتركها البقال بعد الانتهاء من بيع مواده، ورأيت امرأة تجمع في كيس صغير بيض مائدة تعرض للكسر ورمي قرب احدى الاسواق التجارية الخالية اصلا من المواد».
وتضيف ام احمد «ان معظم العوائل لم يعد لديها المال لشراء الطعام، نحن نضع الخبز في بيوتنا، حالتنا النفسية انهارت، القلق يعيش فينا ليل نهار، اصبحنا يائسين مستسلمين، الموت قد يداهمنا في اي لحظة».
احد وجهاء الفلوجة قال للصحيفة دون ان يذكر اسمه خشية بطش داعش به، ان المسلحين عزلوا معظم الائمة والخطباء في المساجد، وفرضوا الاقامة الجبرية على البعض من علماء الدين وشيوخ العشائر، وفرضوا على الناس تطبيق قرارات اصدرتها محاكم داعش الشرعية.
ماذا عن كُتّاب آلاف المقالات التحريضية على «الجهاد» و«الاعمال البطولية»، في المدينة ضد الصليبيين والكفار والغزاة؟ ربما كانوا اليوم يتمتعون في عواصمهم وبلدانهم.. بكباب الفلوجة!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك