جامعة الشدادية وبيروقراطية الدولة!.. بقلم خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 14, 2015, 12:55 ص 2441 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / الكويت تبني جامعة كبرى
خليل علي حيدر
أساتذة وطلاب جامعة الكويت وأولياء الامور، منذ فترة ليست بالقصيرة، بانتظار حدث معماري، اكاديمي، متميز، يتمثل في مواصلة بناء الجامعة الكبرى الجديدة وتجهيزها لاستقبال الطلاب، وذلك في مدينة صباح السالم الجامعية، بمنطقة الشدادية جنوب غربي البلاد، والتي بالكاد بدأت فيها اعمال صب الخرسانة.
ورغم ان جامعة الكويت قد تأسست عام 1966 قبل نحو نصف قرن، وجرت فيها اعمال توسعة لا تحصى، الا ان مبانيها تضيق بطلابها عاما بعد عام، وبخاصة وان الشكوى دائمة، ولا من مستجيب، من غياب التنسيق بين اعداد خريجي المرحلة الثانوية، وبين الطاقة الاستيعابية لهذه الجامعة العتيدة، التي تعاني من التكدس والتزاحم مع بداية كل موسم دراسي، وتدفق اعداد هائلة من الطلبة.. والطالبات.
طلبة الجامعة انفسهم، ممن يتلقون العلم في مختلف كلياتها وسط مناطق سكنية احيانا، يعانون من ازدحام المرور، وضيق المواقف، وصعوبة الوصول الى قاعات الدراسة في الوقت المحدد.
وقد لجأت الدولة ولا تزال الى انشاء مبان واعمال توسعة جامعية «مؤقتة»، لمبان وكليات هي نفسها غير دائمة كما يقال، حيث تتركز الانظار على الجامعة الشاملة الكبيرة في منطقة الشدادية، والتي بدأت اعمال البناء فيها وسط مصاعب ومشاكل قبل سنوات، ولا يزال اللغط حول استكمال بنائها في تزايد، بين متأمل في انشائها قريبا واستيعاب الطلبة في كليات منفصلة، «تجنبا للاختلاط» ومبان حديثة وقاعات رحبة، وبين متشائم من ان هذه الجامعة لن تفتح ابوابها ان فعلت، الا في المستقبل المجهول، بسبب قوى النفوذ والفساد و«لوبي» ملاك الجامعات الخاصة التي تزايد عددها في الكويت، وان هذه الجامعة الكبرى حتى لو فتحت ابوابها، واكتمل تزويدها بالاثاث والمستلزمات، ستكون ربما مثل غيرها، بحاجة الى اضافات وتوسعات!
د.حبيب أبل، الامين العام لمجلس الجامعات الخاصة، يرى ان «المشكلة تبدأ بالأساس من جامعة الكويت التي لا تتحمل اكثر من ستة آلاف طالب وباتت الآن تقبل 11 الف طالب، ليحدث التكدس الهائل الآن، حيث لا توجد مبان متكاملة. فالكليات متناثرة لا يوجد حرم جامعي يجمعها بالكامل» (الوطن، 2014/8/31). الجامعات الخاصة مساحتها محدودة، وكذلك طاقتها الاستيعابية، حيث تصل احيانا الى الفي طالب فقط، وافتتاح الجامعات الخاصة، يضيف د.ابل، قليل مقارنة بمخرجات الثانوية العامة.
ماذا عن «ازمة جامعة الشدادية»؟ أجاب: كان التخطيط لجامعة الشدادية منذ الستينيات، و«بمرور التسعينيات لم يتغير الواقع وها هو الامر لايزال محلك سر! هناك تشابك بين الوزارات ومازالت الامور معلقة. وها هي الدول المجاورة في وقت قصير لم يتعد السنتين استطاعت بناء جامعات تصل طاقتها الاستيعابية الى 60 الف طالب، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، اين المسؤولون من جدية القيام بجامعة الشدادية؟!».
الصحيفة نفسها تحدثت في ملف مطول عن حجم مشروع جامعة الشدادية. وقد اعتبر الفريق المشرف على مدينة صباح السالم الجامعية ان المشروع «يعد الاضخم في تاريخ الكويت»، وان العمل يسير فيه بوتيرة جيدة اذا ما اخذ في الاعتبار ان العمل الفعلي في المشروع بدأ عام 2010، بعد صدور المرسوم الخاص بانشائه عام 2004، ومرور فترات طويلة لدراسة المشروع ووضع التصاميم من قبل اقسام جامعة الكويت نفسها.
وقال الفريق ان الكثيرين لا يدركون عند حديثهم عن الحرم الجامعي الجديد لجامعة الكويت انهم يتحدثون عن «مدينة».
هذه المدينة، تحتوي على حوالي 60 مبنى ضخماً و8 محطات تحويل طاقة داخلية، ولا يمكن مقارنتها بأي من المباني الجامعية الحكومية او الخاصة المقامة حاليا.
«هذا الى جانب مشروع البنية التحتية للمدينة الذي يضم شبكة انفاق خدمات تحت الأرض تعد الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، كما يحتوي المشروع أعمال الطرق ومواقف السيارات والملاجئ ومحطات الخدمات المركزية والأنفاق الخدمية والزراعة التجميلية، فضلاً عن الأعمال الكهربائية والميكانيكية التي سوف تقوم بخدمة الحرم الرئيسي لمدينة صباح السالم الجامعية، متمثلة بثلاث محطات خدمات مركزية، تحتوي كل منها على معدات التبريد اللازمة لتبريد مباني الحرم الجامعي، كما تضم المدينة الجامعية 29 ملجأ ضد مختلف أنواع الأخطار ويستوعب كل ملجأ حوالي 300 شخص، وهي من المتطلبات التي ألحقت أخيرا بالمشروع وأدت الى تمديد فترة تصميم واعتماد المخطط الهيكلي لمدينة صباح السالم الجامعية.(الوطن: 2014/9/2).
وقلل الفريق من أهمية حوادث الحريق التي تقع في الموقع بأن «اي مشروع انشائي عرضة لاندلاع الحرائق خاصة في فصل الصيف».
واضاف ان المدينة الجامعية الجديدة تضم حرمين منفصلين احدهما للطلاب والآخر للطالبات لتستوعب ما يقارب 40 الف طالب وطالبة، في حرم يضم 11 كلية وحرما طبيا.
وقال «ان طول المدينة الجامعية كطول المسافة بين ابراج الكويت ودوار الشيراتون اي ما يزيد على 6 كيلومترات»، وتنتشر ادارة الجامعة على ستة مباني، ومن مكونات المدينة ثلاث عشرة كلية وثلاثة مواقع لكليات مستقبلية.
من ناحية اخرى، تم تجميع الكليات ذات الصلة في ثلاثة قطاعات وهي قطاع الكليات الانسانية «كلية الآداب وكلية التربية وكلية الحقوق وكلية الشريعة والدراسات الاسلامية وكلية العلوم الاجتماعية» وقطاع الكليات العلمية «كلية الهندسة والبترول وكلية العلوم وكلية العمارة وكلية العلوم الادارية وكلية البنات» وايضا قطاع الكليات الطبية «كلية الطب وكلية الصيدلة وكلية طب الأسنان وكلية الطب المساعد وكلية الطب الوقائي».
وتم توفير ثلاثة مواقع لكليات مستقبلية بواقع موقع لكل قطاع، وتعبر كل كلية عن التزام الجامعة باستحداث بيئة تعليمية للطلبة وذلك عن طريق تصميم مساحات مشتركة للحوار والنقاش بالاضافة الى الاستراحات الدراسية كما تتضمن الكليات أنظمة اضاءة وتهوية متطورة لضمان استدامة المباني.
نتمنى بالطبع أن يترجم كل هذا التخطيط الى واقع اكاديمي معاش، ولكن ما حقيقة وجود أيد خفية تعرقل مسيرة المدينة الجامعية؟ نفى عضو مجلس الامة النائب كامل العوضي اي دور لأصحاب الجامعات الخاصة في ذلك، اما النائب عادل الخرافي فقال ان سبب الاطالة في انجاز جامعة الشدادية، «ربما يعود الى ان من يقومون بتنفيذها تغيروا وتولاها اشخاص اخرون، اضافة الى بعض الامور الادارية المستحدثة التي تعرقل، وكانت وزارة الأشغال في السابق هي التي تقوم بتلك المهام، واما اليوم فكثير من المشاريع لم تعد بيد تلك الوزارة وحدها، فهناك الكثير من المشاريع باتت بيد الديوان الأميري».
غير ان النائب الخرافي عبر عن شكوكه وقلقه حول ما يجري قائلا: «نحن ايضا كنواب نتساءل نفس التساؤل وقد شهدنا أحداثا كثيرة حول تلك الجامعة ولم نعلم منها الا القليل مثل الحريق الذي حصل وكان نتاجا عن سوء تأمين عناصر الأمن والسلامة واعتقد هذا خلل كبير».
واضاف: كل مشروع كبير لابد ان يحصل به اخطاء لكنها غير معتمدة وقد تكون ناتجة عن ضعف الادارة او ضعف التنفيذ او استغلال بعض ضعاف النفوس، وبالتالي فانه من الطبيعي ان يكون هناك خلل وخفايا ولكن التأخير الحاصل يعود في رأيي الى بعض البيروقراطية من جانب الدولة اضافة الى ضعف الخبرة عند تنفيذ مشروع بهذا الحجم.
وحول شبهة وجود انتفاع من تأخير هذا المشروع قال الخرافي: قد يكون هناك انتفاع، وهذه بالاصل اخطاء ولكن نحن لا نملك النظرة التقديرية للناس وقد يراها البعض «تنفيع»، ومثل هذه المشاريع الكبيرة ان حصل بها %1 او %2 او %3 نوع من عدم السيطرة على بند من البنود فهذا امر وارد ويحدث.
«ديوان المحاسبة»، أرجع اسباب تأخير انجاز مشروع الشدادية الى 15 معوقا، على رأسها كما جاء في الصحف، «غياب الرؤية والتخطيط لدى الجامعة». من اسباب التعثر، كما قال الديوان، «عدم وضوح الرؤية بشأن مكونات المدينة الجامعية»، و«كثرة التعديلات التي طرأت على المخطط الهيكلي وعلى تصاميم الكليات المختلفة نتيجة عدم وضوح المتطلبات أو كثرة طلبات الجهات المستفيدة أو زيادة الطاقة الاستيعابية».
من مسببات تعثر سير المشروع، كما جاء في تقرير الديوان، «تداخل اختصاصات وتعدد الجهات واللجان متخذة القرار بالجامعة»، و«عدم اعطاء مشروع مدينة صباح السالم الجامعية اولوية»، و«طول الدورة المستندية لدى الجامعة بشقيها المالي والاداري نتيجة الجهات واللجان المشرفة».
ومن اهم الاسباب التي يذكرها الديوان كذلك «عدم تناسب الجهاز الفني لدى الجامعة مع حجم الاعمال الموكلة له، ومحدودية الجهاز العامل ضمن البرنامج الانشائي المشرف على التنفيذ من قبل الجامعة» و«عدم قيام المكاتب الاستشارية، التي تستعين بها الجامعة، بدورها على الوجه الاكمل وقصور الجامعة في متابعتها لاعمال هذه المكاتب» و«عدم تقيد ادارة الجامعة بالضوابط والاختصاصات المالية والادارية للجهات الرقابية وعدم الاخذ بتوصيات الجهات الرقابية لتعديل المدة الواردة في القانون بشأن انشاء المدينة الجامعية». («الوطن»، 2014/9/4).
المشاركون في «ملف الوطن» بخصوص الجامعة تحدثوا عن الجامعات الخاصة ودورها في تخفيف العبء عن الحكومة. الكويت، يضيف د.أبل، يحتاج التعليم العالي فيه المزيد من الجامعات الخاصة، ولكن الروتين الحكومي لا يسهل انشاءها بسرعة. «هناك مستثمرون ينتظرون الترخيص منذ ما يقارب عشر سنوات الى الآن بسبب الاجراءات الادارية والموافقات المسبقة من عدة جهات، كما ان المستثمر يستلم الارض غير صالحة دون بنية تحتية».
ولكي لا تكون هذه الجامعات مجرد وسيلة جديدة للاستثمار المربح، على حساب جودة التعليم والارتقاء به، أثار د.حبيب ابل نقطة في غاية الاهمية قائلا: «باستطاعة الدولة ان تشجع القطاع الخاص على انشاء جامعات خاصة غير ربحية مثل الكثير من الجامعات المرموقة في العالم، مثل جامعة هارفارد وكمبريدج واكسفورد، وذلك من خلال تحفيز الحكومة للقطاع الخاص عن طريق هيئة الاستثمار أو الصندوق الكويتي للتنمية، وكذلك مؤسسة الكويت للتقدم العلمي». واضاف ان جميع هذه المؤسسات قادرة، منفردة أو متشاركة، على تشييد جامعة خاصة غير ربحية، تحت اشراف الدولة، تستوعب 30 الف طالب وطالبة، تستقبل من الدولة البعثات وتستفيد من الارباح المالية في تطوير نفسها وقال، «باستطاعة الكويت ان تفعل ذلك بكل سهولة لكن تحتاج الى عزيمة ورؤية جادة ومتابعة صادقة». وبعكس ما يتوقع الكثيرون، اكد د.أبل ان الطالب في الجامعة الحكومية اكثر كلفة، «من حيث ما توفره له من هيئة تدريسية ومكان ومعدات ومكافآت، والبعثات الداخلية ايضا تكلفتها اقل على الدولة من البعثات الخارجية». غير ان الجامعات الخاصة، رغم انها توفر الكثير من التخصصات الهندسية والعلوم الادارية والإعلام والادب الانجليزي، الا انها لم توفر حتى الآن التخصصات الطبية وافرع هندسة البترول، ومن الاسباب الرئيسية في هذا، التكلفة المالية لهذه التخصصات، يقول د.أبل: «بالنسبة للتخصصات الطبية فالامر بالنسبة للمستثمر مكلف جدا، حيث ان مركز العلوم الطبية الذي يتبع جامعة الكويت، يكلف الطالب فيه الدولة 100 الف دينار حتى يتخرج، فلهذه الدراسة طبيعة خاصة حيث تحتاج لمستشفى ومواد مكلفة وكذلك الهيئة التدريسية نفسها تعيينها مكلف، والربح في هذا المجال لن يكون الا على الامد البعيد».
ولكن ألا يستطيع المستثمرون تجاوز هذه المشكلة المالية من خلال التنسيق والاستثمار المشترك الموسع فيما بينهم؟.
سنرى المزيد من التفاصيل في المقال المقبل.
تعليقات