خليل حيدر يتساءل: هل 'الإخوان' عبء على الإسلام؟!
زاوية الكتابكتب ديسمبر 30, 2014, 1:02 ص 649 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / هل الإخوان.. عبء على الإسلام؟
خليل علي حيدر
لا شيء يبهج الاسلاميين ويدخل السرور الى انفسهم كالشعارات الجارفة التي تتجاوز كل الامانيات والتفاصيل والوقائع والتوقعات.
من هذه الشعارات «المستقبل لهذا الدين»، كما عنون سيد قطب أحد كتبه، وكما عنون الزميل والنائب السابق مبارك فهد الدويلة مقاله في القبس، 2014/12/7. ومن هذه الشعارات «الاسلام هو الحل»، أو «الاسلام صالح لكل زمان ومكان»، دون خوض في التفاصيل. فمثل هذه الشعارات تغني الافراد والجماعات عن التفكير والتخطيط وكدّ الفكر في تعريف المصطلحات والغوص في التفاصيل والحيثيات فالكثير من الجماعات والمذاهب الاسلامية مختلفون على تعريف «الاسلام الصحيح»، والعديد من الاحزاب الاسلامية، حتى ضمن المذهب الواحد، تنظر بريبة للحزب الآخر، والكل يقول ان «الاسلام هو الحل»!
فلا خلاف بين المسلمين وغير المسلمين على ان الدين الاسلامي باق كدين وعقيدة لملايين الناس وعشرات المجتمعات لقرون طويلة قادمة لا يعلم مداها احد. ولكن ان كان لأي «نظام اسلامي»، كالذي يبشِّر به «الاسلام السياسي» منذ عقود، ان يحكم المجتمعات المستقبلية، أو يصبح اطارا واساسا للحضارة العالمية، فما سمات هذا النظام؟ وما تركيبته السياسية والاقتصادية والفكرية والقانونية، في ظل هذا التقدم العلمي المذهل وهذه العولمة الاقتصادية الشاملة وهذا التداخل الحضاري الواسع النطاق؟ وما قدرة مجتمعات العالم الاسلامي الاقتصادية والسياسية والعسكرية وما احتمالات تفوق الجماعات الاسلامية على نفسها وعلى التحديات المتوالية، لتتمكن من تنفيذ شعار حضاري جبار بحجم «المستقبل لهذا الدين»؟
ان الاسلام ليس نظاما عقائديا تنفيذيا يمكن ان تطبقه المجتمعات ذات الاغلبية المسيحية أو البوذية أو الهندوسية مثلا، للاستفادة منه في المجالين السياسي والاقتصادي. فلابد للناس ان تترك دينها وتدخل الاسلام اولا في مختلف دول العالم. ولابد ان تقتنع كذلك بمناهج الجماعات الاسلامية من اخوان وسلف، وسنة وشيعة. ولابد ان يكون تطبيق الاسلام ناجحا، واقتصاديات الدول الاسلامية مزدهرة وتكنولوجيتها متفوقة، ولابد ان تكون مجتمعات العالم غير الاسلامية قد وصلت الى طريق مسدود، ولابد من شروط اخرى لا مجال لذكرها، كي تقبل الولايات المتحدة وروسيا واوروبا وآسيا وافريقيا الاسلام، فيكون «المستقبل حقا لهذا الدين»، كما يتنبأ سيد قطب ومفكرو «الاسلام السياسي».
لم يضف «أبومعاذ» جديدا الى ملف القضية، فقال: «نحن نؤمن انه حتى في هذه الحياة الدنيا سينتصر المسلم على خصومه في نهاية المطاف.. نحن اليوم نخسر ونتألم ونعاني، وخصومنا كذلك.. لقد كلف الله تعالى الانسان بخلافة الارض ونشر العدل فيها، وعلينا ان نسعى الى ذلك ما استطعنا، فإن نجحنا فبها واكرم، والا فالآخرة خير وابقى».
وهذه بالطبع حيثيات دينية وتمنيات عقائدية، لا صلة لها بالتحليل السياسي والعلمي.
وهذا منهج ايماني لا ينفرد به المسلمون وحدهم بل يؤمن اتباع كل دين بانتصار دينه، وتفوق عقيدته في نهاية الامر. هذه «حتمية ايمانية» لا علاقة لها بالتحليل السياسي والدراسات المستقبلية.
ولكن هل يتوقف الزميل الدويلة منتظرا آخر الزمان وما سيجري بعد قرون؟ وهل يحاول مثلا اثراء هذا الشعار بمناقشة جوانب من التحديات المتوقعة، أو السلبيات التي تعاني منها الحركات الاسلامية نفسها، وتعمل في الاتجاه المعاكس لعنوان المقال؟!
شاهدت في التلفاز مقابلة مع الشيخ «عبدالفتاح مورو» عن حزب النهضة وتجربة تونس ورؤيته الشخصية للصراع السياسي هناك، ورحت اقارن بين افكار هذا الشيخ التونسي، ومواقف ومقالات الزميل الدويلة منذ فشل الاخوان في مصر، واصراره على تجريم الامريكان والعلمانيين والايرانيين وغيرهم، دون ان يفكر بعمق، بعد كل هذه الخبرة التي راكمها والتجارب التي خاضها، في سبب فشل الاخوان، ودون ان يقف ناقدا لتجربتهم في مصر أو غيرها، أو يكف عن الدفاع عن سياسات الجماعة رغم كل ما يتصاعد من التجربة ومن الاخوان ومن وقائع جملة سياساتهم الخاطئة، من دخان.
ثم ان الزميل الدويلة يقول «ان التيار الاسلامي المعتدل في الوطن العربي الذي يمثل الغالبية العظمى من جماعة الاخوان المسلمين، هو التيار صاحب المبدأ الذي لا يتغير بتغير المصالح». والواقع ان ثمة اختلافات بين الاخوان في الاقطار العربية كلها وحتى خارجها، ولا شك ان اساس هذه الاختلافات في مصر والخليج والعراق وسورية والاردن.. المصالح! المصالح المادية والسياسية والجماهيرية والحزبية والانتخابية!
ألا يتذكر الأخ مبارك موقف «حدس» من حقوق المرأة السياسية في الكويت مثلا، مراعاة للمصالح الانتخابية؟
ان الأخ مبارك الدويلة يقدم الاخوان المسلمين كجماعة «معتدلة». ونحن لا نعرف مقياس «الاعتدال» لديه، حيث وصل الاخوان في السودان الى السلطة في انقلاب عسكري خطط له احد اكبر مفكريهم القانونيين د.حسن الترابي، وبالتعاون مع «العسكر» الذين يجرِّم الاخوان في مصر كل من يتعاون معهم، واشادت قيادات الاخوان المصرية بكل «التطبيقات الاسلامية للشريعة» في زمن جعفر النميري وعمر البشير، واعتبروا وصول الاخوان للسلطة هناك بشرى خير وبركة. ما مدى عداء الاخوان في الاردن اليوم مثلا لجماعات التشدد والارهاب في العراق منذ 2003؟ ثم اما قدم الاخوان عبرسيد قطب وآخرين، الاساس الفكري والوعاء الحركي والتبرير الاخلاقي لكل جماعات التشدد؟ واذا كان الاخوان معتدلين، فما تقييم الزميل لجماعات التبليغ والدعوة والمتصوفة والمسلمين غير المرتبطين بالجماعات؟
يقول الأخ الدويلة: «مشكلة خصومنا انهم يرون المستقبل محصورا في هذه الحياة الدنيا، لذلك يعملون كل شيء من اجل تحقيق مكاسب دنيوية، ولو على حساب المعاني الانسانية والثوابت الاخلاقية، بينما نحن نرى الحياة قصيرة بالنسبة الى الحياة الآخرة الابدية، وانها مزرعة للآخرة». لماذا لا يحاول «أبو معاذ» اقناع الاخوان المسلمين في مصر بهذه الرؤية الثاقبة العظيمة؟! للشيخ يوسف القرضاوي كتاب بعنوان «الاسلام حضارة الغد»، بيروت 1998، يكمل فيه جانبا آخر من آراء الزميل الدويلة، فيقول عن «الحضارة السائدة اليوم التي غدت توصف بالعالمية» ما يلي: «نحن المسلمين نخاف على هذه الحضارة ما يخافه النقاد المخلصون من اهلها، لأن ما فيها من خير ينتفع به الجميع، وما فيها من شر خطر على الجميع، ويهمنا ان نستبقي خيرها، وان نتفادى شرها». ثم يضيف: «اننا لا نريد ان نهدم الحضارة المعاصرة، لأنها ستنهدم على رؤوس الجميع، واننا نريد ان نحميها من نفسها، وان نقدم لها طوق النجاة من غرق يهددها، ويهدد البشرية معها».
غير ان الشيخ القرضاوي، مثل سيد قطب وغيره، لا يقدم تحليلا عن واقع وامكانات العالم الاسلامي ومشاكل العرب والمسلمين وتخلف بلدانهم، بل يقفز مثل الزميل الدويلة الى منطلق ايماني يغلق باب النقاش، فيقول – أي د.القرضاوي – عن انقاذ الحياة والحضارة العالمية: «لن يكون ذلك الا من خلال الرسالة الحضارية التي يحملها المسلمون للعالم، وهي رسالة ربانية انسانية اخلاقية، اننا وحدنا نملك البديل، وهو الاسلام».
ولكن أي اسلام الذي سينتصر في نهاية الامر، ويكون له المستقبل، ويكون دين الغد، والشريعة الصالحة لكل زمان ومكان؟ واين موقع الاسلام السياسي الحركي المؤدلج المتزمت منه، والذي يكفّر معظم الشبرية ويعادي كل مخالف ويرى نفسه مركز الكون والتاريخ؟ يورد الشيخ القرضاوي في نهاية حديثه شرطا بالغ الاهمية يغفل عند د.القرضاوي نفسه والدويلة والكثير من الاسلاميين.
يقول د.القرضاوي: اننا وحدنا نملك البديل، وهو الاسلام، «على ان نُحْسن نحن الفهم له، والعمل به، والدعوة اليه، وان نقدمه للناس نموذجا يُرى، لا كلاما يقال».
والآن، متى ينتهي اعداد هذا النموذج.. ومتى نراه.. ومتى يستوعب الدعاة مستلزماته؟
< تنبيه: كتب هذا المقال قبل مقابلة الزميل الدويلة في التلفزيون، ولا علاقة له بها.
تعليقات