يكتب خليل حيدر عن تجدد الاهتمام الإعلامي بقضايا الاستعباد والرق
زاوية الكتابكتب ديسمبر 29, 2014, 1:44 ص 796 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / انبعاث.. عصورنا الوسطى
خليل علي حيدر
تجدد الاهتمام الاعلامي العربي والدولي بقضايا الاستعباد والرق، بعد ان اكتسبت بعض النشاطات الاقتصادية في العالم الثالث طابعا استغلاليا بشعا، وعمد بعض المستثمرين الى اعتصار الرجال والنساء وحتى غير البالغين.. دون رحمة.
وفي العالم العربي، تجدد الاهتمام بالقضية بعد اكتشاف حالات من الاستعباد وبيع الرقيق في موريتانيا وافريقيا الصحراوية، وبعد الجرائم الفظيعة لتنظيم داعش، «الدولة الاسلامية» في سورية والعراق، وبخاصة مأساة الايزيديين والمسيحيين والصابئة في مدينة الموصل وسنجار.. و«بيع السبايا»! تشرح المراجع الفقهية قضايا الرق، الذي تُعرّفه بأنه «زوال نعمة الحرية عن الانسان»، دون التفات للاسف، الى واقع العصر الحالي وقوانين حقوق الانسان الدولية، والفارق الزمني الهائل بين المصادر الفقهية المعتمدة، والقيم السائدة آنذاك، وبين حياة مسلمي هذا الزمان!
فمن الكتب التي نراها في المكتبات الاسلامية الحالية «الموسوعة الفقهية الميسرة» للدكتور محمد رواس قلعة جي، دار النفائس، بيروت، 2000، وكان المؤلف احد البارزين في وضع «الموسوعة الفقهية» الصادرة عن وزارة الاوقاف الكويتية، كما عمل مستشارا لديها بعض الوقت.
يقول د.قلعة جي ان الرق يحدث عندما يقع «الكافر المحارب» بيد المسلم، ويضيف: «فإذا وقع بيد المسلمين اسيرا فانه لا يصير رقيقا الا اذا ضرب ولي امر المسلمين الرق عليه»، اي اذا قرر حاكم هذه الدولة او الخلافة الاسلامية اعتباره رقيقا!
وقد لا يستدعي الاسترقاق خوض الحروب والفتوحات، فقد يحدث في زمان الاستقرار والسلم، فـ«اذا دخل المسلم دار الحرب فاشترى شيئا من اولاد الكفار المحاربين وخرج بهم الى دار الاسلام، فقد صاروا ارقاء».
ولعل هذا ما يشرح لنا جلب التجار المسلمين «العبيد» من افريقيا والمماليك من بلاد القوقاز والبلقان والصقالبة، وكانت تجارة رائجة الى ان بدأت الدول الاوروبية وبخاصة انجلترا والقوانين الدولية بمنعها. ولو زال الضغط الدولي اليوم فلا استبعد عودة اشكال قديمة وجديدة من الرق.
ثالث مصادر الاسترقاق التي يتحدث عنها استاذ الشريعة السابق في جامعة الكويت د.قلعة جي (2014-1934)، هي «الولادة من ام رقيقة» اي زوجة مملوكة لسيد هو زوجها بطبيعة واقع الاسترقاق.
وهذه تسمى في المصطلح الفقهي «ام الولد» وهي اجتماعيا كما يبين د.قلعة جي، «الأمَة التي وطئها مالكها فحملت منه بولد، ولمالكها ان ينتفع بها في الخدمة والجماع، ولكن لا يجوز له اخراجها عن ملكه ببيع او هبة».
وقد يكون العبد في حالة «المدبّر» كما يُسمى فقهيا: «وهو الرقيق الذي علق مالكه عتقه على موته، فإذا مات مالكه فهو حر»، ويضيف د.قلعة جي «والمدبر لا يجوز بيعه الا ان تتراكم الديون على مالكه، ولا يستطيع وفاءها الا ببيع رقيقه المدبر، فيجوز بيعه».
وهناك اخيرا «المكاتب»، وهو المسْترَق «الذي تعاقد مع مالكه على ان يدفع له الرقيق مبلغا من المال ليكون حرا».
والرقيق غير «المكاتب» لا يملك المال شرعا، وما في يد المسترق ملك لسيده، «فالرقيق محجور عليه لا يجوز له ان يبيع او يشتري او يهب او يتزوج الا بإذن سيده». كما انه «لا يرث من قريبه الحر شيئا»، اي من اي عبد سابق من اقاربه!.
من جانب آخر، «لا يجب عليه شيئا من الواجبات المالية كالنفقة على الاقارب، والزكاة، ولا يثبت عليه دَيْن، وعقوبته على النصف من عقوبة الحر، فإذا كانت الاماء متزوجات فَزَنَيْنَ فعليهن نصف ما على الحرائر من العقوبة، خمسون جلدة».
ماذا عن عورة المرأة المسترقة او الأمة؟
يقول د.قلعة جي: «نظرا لصعوبة تقيد الأمة بقيود الحجاب، لانها أعدّت لخدمة الضيوف ولقضاء الحاجات، فقد خفَّف الله عنها الحجاب، فلم يأمرها بما أمر به الحرة من الحجاب، فأجاز لها ان يظهر منها ما يظهر عادة اثناء تعاطيه الاعمال، كالذراع وأعلى الصدر والظهر والرأس ونحو ذلك».
ثم يتساءل د.قلعة جي عن قياس حال الخادمات في المنازل اليوم وهن داخلات خارجات، فلا يرى بأسا في عدم التشدد في حجابهن ويقول: «هل تقاس عليها الخادمة اليوم لان منهن خراجة ولاجة» - تخرج من الدار وتلج – ويقول: «لو قاس ذلك فقيه لكان له حظ من نظر».
وتراجع اهمية الحجاب جائز كذلك في «نظر العبد الى سيدته» فيقول: «اذا ملكت امرأة عبدا جاز له ان ينظر اليها وجاز لها ان تظهر امامه بغير حجاب، اي جاز ان يظهر منها ما يبدو منها غالبا في الاحوال العادية، كالنحر والزند والساق واعلى الصدر واعلى الظهر»، ويستند الى الآية 31 من سورة النور {وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او آبائهن او آباء بعولتهن او ابنائهن او ابناء بعولتهن او اخوانهن او بني اخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت ايمانهن}.
ويبين د.قلعة جي حكم «جماع السيد امته»، فيقول: «اذا ملك الرجل امة لا زوج لها جاز له ان يجامعها دون عقد نكاح، فإذا حملت منه فقد صارت ام ولد، وتُعتق بعد وفاته».
لا مجال هنا للأسف للتوسع في احكام الرق، وهي موجودة في كتب الفقه كلها، وتغطي مسائل شتى في مجال الزواج والتجارة والميراث والعقوبات والعلاقات الاجتماعية، حيث اختلفت المذاهب الفقهية في هذه المسائل بين متشدد ومتساهل، ومن هذه المسائل «من وطئ جارية زوجته» هل يقام عليه الحد؟ (الفقه على المذاهب الاربعة، ج5، ص91)، ومنها: «هل يُقتل الحرُّ بالعبد»، اذ يقام الحد على القاتل اذا كان حرا والقتيل كذلك، ويقام ان كان القاتل عبدا والقتيل حرا، ويجري القصاص بينهما، ولكن ماذا ان قام مسلم حر بقتل مسلم عبد؟ قال الاحناف: يُقتل الحر بالعبد وقال المالكية والشافعية والحنابلة «لا يقتل الحر بالعبد لقوله تعالى {الحر بالحر والعبد بالعبد} والاجماع فيمن قتل عبدا خطأ انه ليس عليه الا القيمة، فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم يشبهه في العمد»، ويضيف «عبدالرحمن الجزيري» (في نفس المرجع، ج5، ص252)، «فإن العبد سلعة من السلع، يُباع ويُشترى، ويتصرف فيه الحرُّ كما يشاء، فلا مساواة بينه وبين الحر، ولا مقاومة، واحتجوا بما رواه الامام البخاري رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: لا يُقتل مسلم بكافر».
وعندما اتسعت الدولة الاسلامية كثرت المسائل والقضايا، وباتت تشمل المسيحيين واليهود، وبخاصة التجار منهم، وعبيدهم.
يقول د.محمد عفيفي في كتابه «الاقباط في العصر العثماني، القاهرة 1992، ان بعض القيود قد وُضعت في العصر العثماني على اقتناء الاقباط للعبيد والجواري، كما تم منع المسلمين والاقباط من شراء المماليك والجواري البيض، وطُلب منهم بيع ما لديهم منهم، مع اباحة اقتناء المسلمين،.. للعبيد والجواري السود، حيث كان اقتناء المماليك والجواري البيض – نظريا – امتيازا للمتنفذين والعسكر، ويضيف المؤلف: «لدينا العديد من الوثائق التي تثبت عمليات بيع وشراء جوار بين مسلمين واقباط، معظمهم من الجواري السود.. بل واصبح امتلاك الاقباط للجواري مظهرا من مظاهر الترف لدى الفئات الثرية بينهم» (ص58-57).
لم يختلف موقف الفقه الشيعي في تنوع الاحكام المتعلقة بقضايا العبودية والعتق ومن نماذج هذه الفتاوى تلك التي نراها في المجلد 15 من موسوعة «وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة»، للشيخ الحر العاملي، طبعة قم 1967، كتاب العتق، ومن المسائل المعروضة في هذا الكتاب حكم العبدة التي تلد، وتسمى «أم الولد» في الفقه، «إذا مات سيدها فأعتقت ثم تنصرت وتزوجت نصرانيا وولدت»، وحكم شرعي في «ان ام الولد اذا مات ولدها قبل ابيه فهي أمَةٌ لا تنعتق بموت سيدها ويجوز بيعها حينئذ».
ما موقف الفقه الاسلامي المعاصر من هذه القضايا؟
الوطن
تعليقات