سعد البراك: أي أخلاق وأي حضارة وأي انسانيه تقبل بأوضاع البدون

زاوية الكتاب

كتب 528 مشاهدات 0


تواصل من هو «البدون»؟ إن لب الإدارة وجوهرها هو القدرة على اتخاذ القرار وأن تدير الأمور «يعني أن تتخذ القرارات» التي تؤثر في تغيير الأوضاع تغييرا إيجابيا في اتجاه صناعة الأوضاع الجديدة المرغوبة والتي تحقق الأهداف المنشودة وفق رؤية متكاملة وشاملة ومتناسقة. واتخاذ القرار يعني أيضا تنفيذه بالطريقة الصحيحة وإلا فلن يكون للقرار قيمة، والقرار كالجنين إذا ولد قبل وقته تكون فرصته في الحياة كبيرة، لكنه إن ولد بعد وقته فإنه - بالتأكيد - سيولد ميتا، ومن يتأخر في اتخاذ وتنفيذ القرارات هو كمن يلقي بالمزيد من الجثث الهامدة في مقبرة جماعية، فيزيد بذلك من فرص تلوث البيئة حتى الانحلال والانهيار، ولذلك فإن توقيت القرار هو نافذة الحياة الوحيدة له. وعندما نتصدى لعملية «الإدارة»، فإننا نكون بين خيارين: إما أن يكون لدينا القدرة على صناعة القرارات وتنفيذها، تنفيذا مناسبا أداء وتوقيتا أو لا تكون لدينا هذه القدرة، أو كانت منقوصة مما يسبب عجزا عن صناعة القرار وتنفيذه، وعليه ـ إن لم تتوافر لدينا هذه القدرة أ فإننا نُدخِل مؤسساتنا ومجتمعاتنا في دائرة «اللاقرار» ودائرة اللاقرار هي «حضن الدمار»، فهكذا إدارة الأمور فإما أن «تقرر» أو «تدمر»، وليس هناك خيار ثالث مطلقا.! وفي هذا السياق يمكننا النظر في قضية «البدون» .. تلك الأزمة الكويتية المزمنة كنموذج من نماذج الإدارة الحكومية في الكويت ونقول ـ إنصافا للحق والتاريخ ـ إن الإدارة الكويتية لهذه القضية هي التي أوصلتها إلى الحالة «اللاإنسانية» و«اللاإخلاقية» التي هي عليها اليوم.. فغياب القرار في كيفية التعامل العملي والوطني والأخلاقي والحضاري مع هذه القضية منذ يومها الأول هو الذي أودى بكل الفرص لمعالجتها بفاعلية. ولذلك فنحن اليوم نواجه تحديا إنسانيا وأخلاقيا وحضاريا كبيرا، إننا نعاقب جيلا كاملا من أبناء هذه المجموعة البائسة عقابا جماعيا ـ بلا أدنى ذنب وخطيئة لهم ـ وذلك من خلال حرمانهم من كل فرص الحياة الكريمة، في التعليم والصحة، والرزق والحلم بمستقبل جميل كغيرهم من خلق الله.. بل إن التمادي في عقاب هؤلاء الإخوة والأخوات بلغ حدا لم يسمع به مجتمع بشري من قبل، وهو رفض توثيق زواجهم وولادتهم.! وإننا بذلك نكون كمن يريد أن يقتل «الطفل الوليد» لأن الحمل ـ في ظننا ـ هو «حمل سِفَاح» رغم أننا المسؤولون عن هذا «الحمل السّفَاح»!! فأي أخلاق وأي حضارة وأي إنسانية تقبل بأوضاع «البدون» كما في الكويت اليوم؟! لقد جربنا الضياع والتشرد عندما أصابتنا مصيبة الغزو الصدامي الهمجي لبلادنا، وجربنا إلغاء الهوية وامتهان الكرامة وكيف نكون «بدون وطن»، كما أننا نشهد بالحقيقة التاريخية والكونية، أن أي أمة في التاريخ لم تتقدم ولم تنعم بأي قدر من الحضارة والرفاهية والاستقرار والقوة من دون أن يكون لديها قاعدة أخلاقية صلبة، والشاهد الأعظم وهو التاريخ قد أثبت يقينا أن تقدم الأمم وحضارتها ـ ابتداء وانتهاء - هو التقدم في قيمها وأخلاقها ومبادئها، فليس هناك حضارة بلا أخلاق ونحن ـ ولله الحمد ـ قد ارتكزنا ونرتكز على أصلب القواعد الأخلاقية التي جاءت بها حضارة العروبة والإسلام وقدمتها للبشرية كافة وسجلت فيها أروع المعاني وأعظم الإنجازات في التاريخ البشري. فكيف نتنكر لهذا الإرث الحضاري بكل روائعه، فضلا عن مبادئ وأعراف وعادات وتقاليد مجتمعنا الذي عُرف بحب الخير والإحسان وما إليها من المعاني الإنسانية الكبيرة، ولذا علينا أن نسأل أنفسنا وأن نقف أمام «مرآة الأخلاق والحضارة والإنسانية» حتى نجيب عن السؤال المزمن، من هو «البدون»؟! لكي نستدرك قبل أن نكون دولة ومجتمعا بدون «أخلاق» أو بدون «ضمير» أو بدون «حضارة» أو بدون «إنسانية» أو بدون «إرادة»، وبالتأكيد بدون «إدارة»..! ... ويبقى السؤال: من هو «البدون»؟ سامحونا.. فكلنا يكره الحقيقة إذا كانت «مُرَّة».!
الوسط

تعليقات

اكتب تعليقك