عن الحقوقي والسياسي!.. يكتب وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 459 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  للمرة الثانية بين الحقوقي والسياسي

وليد الرجيب

 

قبل سنوات رن جرس بيتي في ظهيرة أحد الأيام، وعندما فتحته وجدت رجلاً ذا كرش كبير، وتبدو عليه سيماء الصحة، فسألته عن حاجته فمد يده وقال بلكنة أفغانية:«أنا فقير وأحتاج نقوداً»، فأعطيته ما تيسر، وفي اليوم التالي تكرر الأمر ثم اليوم الثالث، عندها سألته:«أنه وقت الغداء هل تريد غداء؟» قال:«لا، أريد نقوداً»، فطردته وحذرته من تكرار قدومه وهددته بالشرطة.

طبعاً هذا أثار استياء زوجتي وأبنائي الذين كانوا صغاراً بالسن حينها، إذ كيف يطرد والدهم فقيراً أو محتاجاً، فقمت بمجهود كبير لشرح موقفي وسبب تصرفي، فهذا الرجل كان أسمن مني ولو كان يطلب نقوداً لشراء طعام لساعدته أو قبل عرضي بتقديم وجبة غداء له، لكن مظهره يختلف عن حقيقته.

هذا ذكرني بالعديد من العاملين بالسياسة لكن دون وعي سياسي، لذا فهم يستخدمون عاطفتهم أكثر من عقولهم وتحليلهم النظري العلمي، فيتحولون من سياسيين إلى حقوقيين لقلة نضجهم أو وعيهم السياسي.

وهناك أمثلة كثيرة تدل على تقديمهم للمظهر على الجوهر رغم أن الأخير أساسي والأول لاحق، فبعد ثورة ثلاثين يونيو في مصر غضب العديد من السياسيين ذوي النوايا الطيبة، وانساقوا إلى أكاذيب وادعاءات ومسكنة (الإخوان المسلمين) المعتصمين في رابعة، بأن ما حدث في ميدان رابعة هو مجزرة ارتكبها الجيش بحق الإخوان الذين كانوا يمارسون حقهم بالتجمع السلمي، وأن المعتصمين ملتحون يخافون الله ولا يمكن أن يكذبوا، كما تمت إدانة القوى السياسية ومنها قوى اليسار في مصر واتهامهم بالوقوف مع «العسكر»، وقبولهم بالمجازر اللا إنسانية ضد الإخوان، وردود الفعل شملت أيضاً من يدعي حمل فكر علمي جدلي، فصدقوا الأفلام المفبركة التي قدمتها الآلة الإخوانية الضخمة، وساندتها الآلة الإعلامية الأميركية والأوروبية.

لكن لجنة تقصي الحقائق التي اشتركت فيها جهات دولية محايدة، أثبتت أخيرا صحة موقف قوى التقدم واليسار المصري، معتمدة على العديد من الأدلة مثل الأفلام التي صورها الأهالي والسكان المقيمون في محيط ميدان رابعة، والتي كان واضحاً فيها البدء باستخدام العنف وإطلاق النار حتى باستخدام الأسلحة الآلية والقنابل المحلية الصنع من قبل الإخوان، بل رأينا من خلال الأفلام قيام رجال الأمن بفتح ممرات آمنة لمن يريد الخروج من المعتصمين المتحصنين بالنساء والأطفال، وقبض على بعض الإرهابيين المطلوبين للعدالة في أكثر من بلد، وهذا لا يعني بأن رجال الأمن والجيش ملائكة، وقد سخر بعض الصحافيين الأجانب عندما زاروا رابعة، من أن الإخوان خصصوا لهم دليلاً سياحياً ليريهم الميدان الخالي من الأسلحة، ولم يتركوهم ليفتشوا أو ليبحثوا بأنفسهم.

وقبلها حذرت الأحزاب التقدمية واليسارية من انتخاب مرسي، بالاعتماد على العاطفة والمزاج الجماهيري وليس الوعي الجماهيري، ومن قبيل الصدف كتبت وكتب معي أثناءها بعض الكتاب التقدميين مقالاً بالعنوان نفسه تقريباً وهو «ما بين الحقوقي والسياسي»، بالاستناد إلى ما كتبه ماركس وما واجهه لينين.

وقد دارت في ديوانية يرتادها المثقفون نقاشات حول قضية (البدون)، فالبعض يتعاطف بشكل مطلق مع كل (البدون) والبعض يرفض من منطلق عنصري، لكن أكثرهم عقلانية وحكمة أكد أنه لا يختلف اثنان حول حق (البدون) بالمواطنة، ولكن بين (البدون) هناك مجرمون ومهربو مخدرات مثل أي بشر، بل إن بعضهم مزور أو يخفي وثائقه الأصلية، ولا شك أن الحكومة التي أوجدت هذه المشكلة، قد ظلمت العديد منهم دون أفق لحل جذري وعادل، وقال:«لا يليق بالمثقف السذاجة والاندفاع العاطفي وهو طليعة المجتمع».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك